عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَأَمَّا لَوْ هَرَبُوا قَبْلَ خُرُوجِ الْجَيْشِ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ مَا انْجَلُوا عَنْهُ فَيْئًا مَوْضِعُهُ بَيْتُ الْمَالِ، وَكَذَا لَوْ هَرَبُوا بَعْدَ خُرُوجِهِ، وَقَبْلَ نُزُولِهِ بَلَدَهُمْ عَلَى مَا لِلْبَاجِيِّ (فَخَرَاجُهَا) أَيْ الْأَرْضِ.
(وَالْخُمُسُ) الَّذِي لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ (وَالْجِزْيَةُ) الْعَنْوِيَّةُ وَالصُّلْحِيَّةُ وَالْفَيْءُ، وَعُشُورُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَخَرَاجُ أَرْضِ الصُّلْحِ، وَمَا صُولِحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ، وَمَا أَخَذَهُ مِنْ تِجَارَتِهِمْ مَحَلُّهَا بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ بِاجْتِهَادِهِ فِي مَصَالِحِهِمْ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَيَبْدَأُ بِالصَّرْفِ نَدْبًا (لِآلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ، وَيُوَفِّرُ نَصِيبَهُمْ لِمَنْعِهِمْ مِنْ الزَّكَاةِ (ثُمَّ لِلْمَصَالِحِ) الْعَائِدِ نَفْعُهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَتَرْمِيمِهَا وَالْقَنَاطِرِ، وَعِمَارَةِ الثُّغُورِ وَالْغَزْوِ، وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَقَضَاءِ دَيْنِ مُعْسِرٍ، وَعَقْلِ جِرَاحٍ وَتَجْهِيزِ مَيِّتٍ، وَإِعَانَةِ حَاجٍّ وَتَزْوِيجِ أَعْزَبَ، وَإِعَانَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمِنْ ذَلِكَ الصَّرْفُ عَلَى نَفْسِهِ، وَعِيَالِهِ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ (وَبُدِئَ) مِنْ الْمَصَالِحِ وُجُوبًا بَعْدَ الْآلِ (بِمَنْ فِيهِمْ الْمَالُ) أَيْ بِمَنْ فِي بَلَدِهِمْ الْخَرَاجُ أَوْ الْخُمُسُ أَوْ الْجِزْيَةُ فَيُعْطَوْنَ حَتَّى يُغْنَوْا كِفَايَةَ سَنَةٍ إنْ أَمْكَنَ (وَنُقِلَ لِلْأَحْوَجِ الْأَكْثَرُ) مِنْ الْمَالِ إنْ كَانَ هُنَاكَ أَحْوَجُ مِمَّنْ فِيهِمْ الْمَالُ (وَنَفَّلَ) الْإِمَامُ أَيْ زَادَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ خَاصَّةً (السَّلَبَ) بِالْفَتْحِ مَا يُسْلَبُ، وَيُسَمَّى النَّفَلُ الْكُلِّيَّ وَغَيْرَهُ وَيُسَمَّى الْجُزْئِيَّ فَلَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ السَّلَبِ كَانَ أَشْمَلَ (لِمَصْلَحَةٍ) مِنْ شَجَاعَةٍ وَتَدْبِيرٍ (وَلَمْ تَجُزْ) أَيْ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ، وَقِيلَ تَحْرُمُ، وَهُوَ ظَاهِرُهُ (إنْ لَمْ يَنْقَضِ الْقِتَالُ) بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْعَدُوِّ، وَأَنَّ (مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ السَّلَبُ) أَوْ مَنْ جَاءَنِي بِشَيْءٍ مِنْ عَيْنٍ أَوْ مَتَاعٍ فَلَهُ رُبْعُهُ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ يَصْرِفُ نِيَّتَهُمْ لِقِتَالِ الدُّنْيَا فَلِذَا جَازَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ
ــ
[حاشية الدسوقي]
الْفَتْوَى بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنْ نَظَرًا
لِلْمَصْلَحَةِ
وَدَفْعِ الْهَرَجِ أَوْ يُقَالُ الْأَرْضُ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى الْمَشْهُورِ لَكِنْ قَدْ ثَبَتَ لِلْمُزَارِعِينَ فِيهَا حَقٌّ يُشْبِهُ الْخُلُوَّ مِنْ جِهَةِ تَحْرِيكِهِمْ الْأَرْضَ وَالْعِلَاجُ فِيهَا وَالْخُلُوّ يُورَثُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَقْفِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ، وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ بَلْ هُوَ فَيْءٌ يُصْرَفُ بِتَمَامِهِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُخَمَّسُ إلَّا مَا أُوجِفَ عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي الْمُعَلَّمِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُخَمَّسُ، وَأَمَّا مَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ دُونَ قِتَالٍ فَعِنْدَنَا لَا يُخَمَّسُ، وَيُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُخَمَّسُ كَالْغَنِيمَةِ وَنَقَلَهُ الْأَبِيُّ، وَأَقَرَّاهُ فَأَنْتَ تَرَى الْمَازِرِيَّ لَمْ يَعْزُ الْقَوْلَ بِالتَّخْمِيسِ إلَّا لِلشَّافِعِيِّ مَعَ سَعَةِ حِفْظِهِ قَالَهُ طفى (قَوْلُهُ: أَيْ الْأَرْضُ) أَيْ الْمَأْخُوذَةُ عَنْوَةً، وَقَهْرًا بِالْمُقَاتَلَةِ عَلَيْهَا.
(قَوْلُهُ: وَالْخُمُسُ) أَيْ خُمُسُ الْغَنِيمَةِ وَهُوَ مَا نِيلَ بِالْقِتَالِ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِ الْحَرْبِيِّينَ، وَكَذَا خُمُسُ الرِّكَازِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ: وَفِي نُدْرَتِهِ الْخُمُسُ كَالرِّكَازِ (قَوْلُهُ: الْعَنْوِيَّةُ وَالصُّلْحِيَّةُ) أَيْ الْمَضْرُوبَةُ عَلَى أَهْلِ الْعَنْوِيَّةِ، وَأَهْلِ الصُّلْحِ (قَوْلُهُ: وَخَرَاجُ أَرْضِ الصُّلْحِ) ، وَذَلِكَ إذَا صَالَحُونَا عَلَى أَنَّ كُلَّ فَدَانٍ عَلَيْهِ كَذَا، وَقَوْلُهُ: (وَمَا صُولِحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ) ، وَذَلِكَ كَمَا إذَا صَالَحَ أَهْلُ الْبَلَدِ عَلَى دَفْعِ قَدْرٍ مُعَيَّنٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَيِّنَ الْقَدْرَ الَّذِي عَلَى كُلِّ رَأْسٍ أَوْ كُلِّ فَدَانٍ مِنْ الْأَرْضِ، وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ الْجِزْيَةَ الصُّلْحِيَّةَ وَخَرَاجَ أَرْضِ الصُّلْحِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَمَا أُخِذَ مِنْ تِجَارَتِهِمْ) وَيُزَادُ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ مَالُ الْمُرْتَدِّ إذَا مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ وَالْمَالُ الَّذِي جُهِلَتْ أَرْبَابُهُ، وَمَالُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَهَذِهِ جِهَاتُ بَيْتِ الْمَالِ.
(قَوْلُهُ: وَيُوَفِّرُ) أَيْ يَكْثُرُ وَيَعْظُمُ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِمَّا ذَكَرَ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلُهُ: الصَّرْفُ أَيْ صَرْفُ الْإِمَامِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَوْ اسْتَغْرَقَ جَمِيعَهُ كَمَا قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَظَاهِرُ الشَّارِحِ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَبْدَأُ مِنْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ إنَّهُ يَبْدَأُ بِنَفْسِهِ، وَعِيَالِهِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْآلِ) أَيْ فَالْبُدَاءَةُ هُنَا إضَافِيَّةٌ بِخِلَافِ الْبَدَاءَةِ بِالْآلِ فَإِنَّهَا حَقِيقِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ: وَنَقَلَ لِلْأَحْوَجِ الْأَكْثَرَ) أَيْ وَنَقَلَ الْإِمَامُ عَمَّنْ فِيهِمْ الْمَالُ لِغَيْرِهِمْ الْأَكْثَرَ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ أَحْوَجَ مِنْهُمْ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرُ فُقَرَاءِ الْبَلَدِ الَّتِي جُبِيَ فِيهَا الْمَالُ أَكْثَرَ احْتِيَاجًا مِنْهُمْ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَصْرِفُ الْقَلِيلَ لِأَهْلِ الْبَلَدِ الَّتِي جُبِيَ فِيهَا الْمَالُ ثُمَّ يَنْقُلُ الْأَكْثَرَ لِغَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ: وَنَفَّلَ مِنْهُ السَّلَبَ) اعْلَمْ أَنَّ النَّفَلَ هُوَ مَا يُعْطِيهِ الْإِمَامُ مِنْ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ لِمُسْتَحِقِّهَا لِمَصْلَحَةٍ، وَهُوَ جُزْئِيٌّ، وَكُلِّيٌّ فَالْأُولَى مَا يَثْبُتُ بِإِعْطَائِهِ بِالْفِعْلِ كَأَنْ يَقُولَ خُذْ يَا فُلَانُ هَذَا الدِّينَارَ أَوْ الْبَعِيرَ مَثَلًا وَالثَّانِي مَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ. اهـ بْن. (قَوْلُهُ: مَا يُسْلَبُ) أَيْ مَا يُنْزَعُ مِنْ الْمَقْتُولِ وَقَوْلُهُ: وَيُسَمَّى أَيْ مَا يُسْلَبُ مِنْ الْمَقْتُولِ، وَقَوْلُهُ: النَّفَلُ بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَقَوْلُهُ: الْكُلِّيُّ أَيْ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ السَّلَبَ أَيْ وَنَفَّلَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ السَّلَبِ وَقَوْلُهُ: (وَيُسَمَّى الْجُزْئِيَّ) أَيْ النَّفَلَ الْجُزْئِيَّ (قَوْلُهُ: كَانَ أَشْمَلَ) أَيْ لِشُمُولِهِ لِلنَّفَلِ الْكُلِّيِّ وَهُوَ السَّلَبُ، وَالْجُزْئِيِّ وَهُوَ مَا يُعْطِيهِ لَهُ بِفِعْلٍ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ تَنْفِيلَ غَيْرِ السَّلَبِ مَعْلُومٌ بِالْأَوْلَى مِنْ تَنْفِيلِ السَّلَبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ الْعَامُّ مَعَ كَثْرَتِهِ فَالْخَاصُّ الْقَلِيلُ أَوْلَى وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَالَ لِشَخْصٍ لَمَّا عَلِمَ مِنْ شَجَاعَتِهِ أَوْ تَدْبِيرِهِ إذَا قَتَلْتَ قَتِيلًا فَلَكَ سَلَبُهُ أَوْ أَعْطَاهُ دِينَارًا أَوْ بَعِيرًا فَإِنَّهُ يُحْسَبُ سَلَبُ الْقَتِيلِ أَوْ الدِّينَارُ أَوْ الْبَعِيرُ مِنْ الْخُمُسِ لَا مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْعَدُوِّ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِعَدَمِ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ، وَقَوْلُهُ: أَنْ يَقُولَ أَيْ