وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا سَمِعَتْهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَالْمَدَارُ عَلَى عِلْمِهَا بَيْنُونَتَهَا (وَلَا تُزَيَّنُ) لَهُ (إلَّا كَرْهًا) بِفَتْحِ الْكَافِ أَيْ مُكْرَهَةً فِي التَّمْكِينِ وَالتَّزَيُّنِ فَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ لَهُمَا وَكَرْهًا اسْمُ مَصْدَرِ أَكْرَهَ وَمَصْدَرُهُ إكْرَاهًا فَأَطْلَقَ اسْمُ الْمَصْدَرِ وَأَرَادَ الْمَصْدَرَ أَيْ الْإِكْرَاهَ فَسَاوَى مُكْرَهَةً فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْكَرْهَ مَا قَامَ بِالْقَلْبِ مِنْ الْبُغْضِ فَالصَّوَابُ مُكْرَهَةٌ (وَلْتَفْتَدِ مِنْهُ) وُجُوبًا بِكُلِّ مَا أَمْكَنَهَا الِافْتِدَاءُ بِهِ لِتَتَخَلَّصَ مِنْ الزِّنَا (وَفِي جَوَازِ قَتْلِهَا لَهُ عِنْدَ مُحَاوَرَتِهَا) أَيْ طَلَبِ الْوَطْءِ مِنْهَا وَلَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ إذَا أَمْكَنَهَا ذَلِكَ وَعَلِمَتْ أَوْ ظَنَّتْ أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقَتْلِ وَعَدَمِ جَوَازِهِ وَلَكِنْ لَا تُمَكِّنُهُ إلَّا إذَا خَافَتْ مِنْهُ الْقَتْلَ (قَوْلَانِ)
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَسَائِلَ يُؤْمَرُ فِيهَا بِالْحِنْثِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ بِقَوْلِهِ (وَأُمِرَ) وُجُوبًا وَقِيلَ نَدْبًا (بِالْفِرَاقِ) مِنْ غَيْرِ جَبْرٍ (فِي) تَعْلِيقِهِ عَلَى مَا لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهَا فِيهِ مِنْ عَدَمِهِ كَقَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ (إنْ كُنْت تُحِبِّينِي) أَوْ تُحِبِّي فِرَاقِي (أَوْ تَبْغُضِينِي) بِفَتْحِ التَّاءِ مِنْ بَغَضَ كَنَصَرَ (وَهَلْ) مُجَرَّدُ الْأَمْرِ بِلَا جَبْرٍ (مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَجَابَتْ بِمَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ أَمْ لَا لِاحْتِمَالِ كَذِبِهَا وَهُوَ الرَّاجِحُ) .
وَمِثْلُهُ سُكُوتُهَا (أَوْ) الْأَمْرُ مِنْ غَيْرِ جَبْرٍ إلَّا أَنْ تُجِيبَ بِمَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ جَبْرًا وَفِي نُسْخَةٍ فَيُجْبَرُ فَإِنْ أَجَابَتْ بِمَا لَا يَقْتَضِيهِ أَوْ سَكَتَتْ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى هَذَا (تَأْوِيلَانِ وَفِيهَا مَا يَدُلُّ لَهُمَا) وَأَمَّا إنْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ إنْ كُنْت دَخَلْت الدَّارَ فَإِنْ قَالَتْ لَمْ أَدْخُلْ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ، وَإِنْ قَالَتْ دَخَلْت فَإِنْ صَدَّقَهَا جُبِرَ عَلَى الْفِرَاقِ بِالْقَضَاءِ وَإِنْ كَذَّبَهَا أُمِرَ بِفِرَاقِهَا مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَسَوَاءٌ فِيهِمَا رَجَعَتْ لِتَصْدِيقِهِ أَوْ تَكْذِيبِهِ أَوْ لَمْ تَرْجِعْ (وَ) أُمِرَ (بِالْأَيْمَانِ) أَيْ بِإِنْفَاذِ الْأَيْمَانِ (الْمَشْكُوكِ فِيهَا) مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ، فَلَوْ حَلَفَ وَحَنِثَ وَشَكَّ هَلْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ مَشْيٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَلْيُطَلِّقْ نِسَاءَهُ وَيُعْتِقْ رَقِيقَهُ وَيَمْشِ لِمَكَّةَ وَيَتَصَدَّقْ بِثُلُثِ مَالِهِ يُؤْمَرُ بِذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ (وَلَا يُؤْمَرُ) بِالْفِرَاقِ (إنْ) (شَكَّ هَلْ طَلَّقَ) أَيْ هَلْ حَصَلَ مِنْهُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
يَفْعَلْ اهـ بْن (قَوْلُهُ وَمِثْلُ ذَلِكَ) أَيْ مِثْلُ مَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ الَّذِي حَلَفَ بِهِ بَائِنًا وَقَوْلُهُ إذَا سَمِعَتْهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَيْ وَلَمْ تَسْمَعْ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ وَلَمْ تَسْمَعْ إقْرَارَهُ بِهِ وَإِلَّا حُكِمَ بِالتَّنْجِيزِ عَاجِلًا (قَوْلُهُ إلَّا كُرْهًا) وَالْإِكْرَاهُ بِخَوْفِ مُؤْلِمٍ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ سِجْنٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ، وَلَا يُقَالُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الزِّنَا لَا يُسَوِّغُ وَلَوْ خُوِّفَ بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: ذَاكَ مُخْتَصٌّ بِالزِّنَا بِمَنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ كَالْمُكْرَهَةِ وَذَاتِ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ وَأَمَّا مَا فُقِدَ مِنْهُ ذَلِكَ فَيَقَعُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ بِخَوْفِ مُؤْلِمٍ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَمَا هُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ اهـ بْن.
(قَوْلُهُ وَلَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ) لَا يُقَالُ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ غَيْرَ مُحْصَنٍ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ ذُو زَوْجَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يُتَصَوَّرُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْإِحْصَانَ إنَّمَا يَكُونُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَوَطِئَ فِيهِ وَطْئًا مُبَاحًا اهـ بْن (قَوْلُهُ قَوْلَانِ) الْأَوَّلُ لِمُحَمَّدٍ وَالثَّانِي لِسَحْنُونٍ وَصَوَّبَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ قَائِلًا إنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْوَطْءِ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ بِوَجْهٍ وَبَعْدَهُ صَارَ حَدًّا وَالْحَدُّ لَيْسَ لَهَا إقَامَتُهُ وَأَجَابَ الْمُقْرِي فِي قَوَاعِدِهِ بِأَنَّ ابْنَ الْمَوَّازِ يَقُولُ بِقَتْلِهِ دِفَاعًا كَالْمُحَارِبِ وَالدَّفْعُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْقَتْلَ اهـ قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بَابَا عَقِبَهُ قُلْت فَيَخْتَصُّ الْمَعْنَى إذًا بِمُدَافَعَتِهِ وَإِنْ أَدَّتْ إلَى قَتْلِهِ لَا قَصْدِ قَتْلِهِ أَوَّلًا وَهُوَ خِلَافُ الْفَرْضِ اهـ بْن
(قَوْلُهُ وُجُوبًا) أَيْ لَكِنْ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ لَمْ يُطِقْ كَانَ عَاصِيًا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَعِصْمَتُهُ بَاقِيَةٌ غَيْرُ مُنْحَلَّةٍ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْفِرَاقَ الْمَأْمُورَ بِهِ إنَّمَا يُوقِعُهُ بِلَفْظٍ آخَرَ يُنْشِئُهُ لَا أَنَّهُ يَقَعُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ إذْ لَوْ وَقَعَ الْفِرَاقُ بِهِ لَانْحَلَّتْ الْعِصْمَةُ بِهِ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِتَنْجِيزِ الْفِرَاقِ وَالْفَرْضُ بِخِلَافِهِ اهـ بْن، وَإِذَا فَارَقَ بِإِنْشَاءِ صِيغَةٍ فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ طَلْقَتَانِ وَاحِدَةٌ بِالصِّيغَةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا وَوَاحِدَةٌ بِالتَّعْلِيقِ بَلْ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بِمَا أَنْشَأَهُ مِنْ الصِّيغَةِ؛ لِأَنَّهَا تَنْحِيَةٌ لِلشَّكِّ الْحَاصِلِ قَالَهُ فِي المج.
(قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْقَوْلُ بِالْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ سُكُوتُهَا) أَيْ وَكَذَا قَوْلُهَا لَا أُحِبُّك وَلَا أَبْغَضُك (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تُجِيبَ بِمَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يُصَدِّقُهَا فِيمَا أَجَابَتْ بِهِ وَإِلَّا جُبِرَ عَلَى الطَّلَاقِ قَطْعًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحَلَّ التَّأْوِيلَيْنِ إذَا أَجَابَتْ بِمَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ إنْ كَذَّبَهَا فِي جَوَابِهَا، وَأَمَّا إذَا صَدَّقَهَا فِي جَوَابِهَا بِمَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الطَّلَاقِ بِالْقَضَاءِ اتِّفَاقًا كَمَا يُفِيدُهُ نَقْلُ ح وَغَيْرِهِ اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ أَيْ بِإِنْفَاذِ الْأَيْمَانِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَذْفَ مُضَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْأَمْرِ بِالْأَيْمَانِ إلَّا الْأَمْرُ بِإِنْفَاذِهَا فَتَقْدِيرُ هَذَا الْمُضَافِ ظَاهِرٌ مِنْ عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْمُحَاوَرَاتِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ (قَوْلُهُ الْمَشْكُوكِ فِيهَا) أَيْ مَعَ تَحَقُّقِهِ يَمِينًا وَلَمْ يَدْرِ مَا هُوَ مِنْهَا (قَوْلُهُ فَلَوْ حَلَفَ وَحَنِثَ إلَخْ) هَذَا لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ إلَى قَوْلِهِ يُؤْمَرُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ قَالَ ابْنُ نَاجِيٍّ فَهِمَ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ قَوْلَهَا يُؤْمَرُ عَلَى الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا أَرَادَ نَفْيَ الْجَبْرِ وَفَهِمَ شَيْخُنَا الْبُرْزُلِيُّ قَوْلَهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِقَرِينَةِ قَوْلِهَا مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ اهـ نَقَلَهُ ح (قَوْلُهُ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْفِرَاقِ) أَيْ الطَّلَاقِ فَضْلًا عَنْ جَبْرِهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ إلَخْ) وَأَمَّا إنْ ظَنَّ أَنَّهُ طَلَّقَ وَقَعَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ هَلْ طَلَّقَ أَيْ وَأَمَّا لَوْ شَكَّ هَلْ أُعْتِقُ أَوْ لَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْحُرِّيَّةِ وَبُغْضِهِ لِلطَّلَاقِ وَلَمْ يَنْظُرُوا لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْفُرُوجِ وَقَدْ أَتَوْا هُنَا عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ إلْغَاءِ الشَّكِّ فِي الْمَانِعِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَانِعٌ مِنْ حِلِّيَّةٌ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ