سَكَنٌ نَحْوَ رِبَاطٍ وَمَسْجِدٍ، وَالثِّيَابُ قَلَّمَا تُسْتَأْجَرُ.
(وَيُوجَرُ) وُجُوبًا (الْوَقْفُ وَأُمُّ الْوَلَدِ) أَيْ: الْمَوْقُوفُ عَلَى الْمُفْلِسِ وَأُمُّ وَلَدِهِ لِبَقِيَّةِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ كَالْعَيْنِ، فَيُصْرَفُ بَدَلُهَا لِلدَّيْنِ وَيُؤَجَّرَانِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى الْبَرَاءَةِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَضِيَّةُ هَذَا إدَامَةُ الْحَجْرِ إلَى الْبَرَاءَةِ، وَهُوَ كَالْمُسْتَبْعَدِ، وَنَبَّهَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى أَنَّ تَصْرِيحَهُمْ بِالْإِيجَارِ إلَى الْبَرَاءِ تَصْرِيحٌ فِي أَنَّ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْنَعُ الْحَجْرَ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ مَعَهَا زَائِدًا عَلَى الدَّيْنِ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ، بِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إجَارَةِ الْوَقْفِ، مَا لَمْ يَظْهَرْ تَفَاوُتٌ بِسَبَبِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ إلَى حَدٍّ لَا يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ فِي غَرَضِ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَالتَّخَلُّصِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ انْتَهَى. وَمِثْلُهُ أُمُّ الْوَلَدِ (لَا هُوَ) أَيْ: الْمُفْلِسُ أَيْ: لَا يَجِبُ أَنْ يُؤَجَّرَ إذْ لَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ فِي نَفْسِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يَكْتَسِبَ لِبَقِيَّةِ الدَّيْنِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] أَمَرَ بِإِنْظَارِهِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِاكْتِسَابِهِ، وَقَاعِدَةُ الْبَابِ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِتَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ، فَلَهُ الْعَفْوُ عَنْ الْقَوَدِ مَجَّانًا، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ تَفْوِيتِ الْحَاصِلِ كَالْعَفْوِ عَنْ جِنَايَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْمَالِ وَكَالْمُسَامَحَةِ بِبَعْضِ صِفَاتِ الْمُسْلَمِ فِيهِ الْمَقْصُودَةِ الْمَشْرُوطَةِ، وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ إذَا لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّيْنُ بِمَا تَعَدَّى فِيهِ، أَمَّا إذَا لَزِمَهُ بِذَلِكَ كَالْإِتْلَافِ عَمْدًا فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ، نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِمَّا فَعَلَهُ وَاجِبَةٌ، وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ عَلَى الرَّدِّ
. (وَيَنْفَكُّ) الْحَجْرُ عَنْهُ بَعْدَ قِسْمَةِ مَالِهِ (بِقَاضٍ) أَيْ: يَفُكُّهُ عَنْهُ لَا بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِثْبَاتِهِ، فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِرَفْعِهِ كَحَجْرِ السَّفَهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، وَلَا بِاتِّفَاقِ الْغُرَمَاءِ عَلَى رَفْعِهِ لِاحْتِمَالِ غَرِيمٍ آخَرَ فَاعْتُبِرَ نَظَرُ الْقَاضِي، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ كَالْقَاضِي أَنَّهُ يَنْفَكُّ بِنَفْسِهِ وَصَوَّبَهُ قَالَ: وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ: وَلَيْسَ بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَجْرِ الْأَوَّلِ وَبَيْعَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، إنَّمَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ لِبَيْعِ مَالِهِ، فَإِذَا مَضَى فَهُوَ عَلَى غَيْرِ الْحَجْرِ انْتَهَى. وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ فَكَّ عَنْهُ الْحَاكِمُ الْحَجْرَ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ أَخْفَاهُ تَبَيَّنَّا اسْتِمْرَارَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ
(وَوَجَبْ) عَلَى الْقَاضِي (حَبْسُ الْمَدِينِينَ) الْمُكَلَّفِينَ الْمُمْتَنِعِينَ مِنْ الْأَدَاءِ، إذَا طَلَبَ الْغَرِيمُ حَبْسَهُمْ، سَوَاءٌ حُجِرَ عَلَيْهِمْ أَمْ لَا، لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِتَوْفِيَةِ الْحَقِّ وَفِي الْبَيْهَقِيّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ فِي قِيمَةِ الْبَاقِي» ، وَفِي الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ) أَيْ وَالنَّوَوِيُّ وَقَضِيَّةُ هَذَا إلَخْ اعْتَرَضَهُمَا الْبُلْقِينِيُّ، بِأَنَّهُ لَيْسَ قَضِيَّةَ ذَلِكَ، بَلْ انْفِكَاكَ الْحَجْرِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الْمَوْقُوفِ وَالْمُسْتَوْلَدَةِ، وَدَعْوَاهُ أَنَّ قَضِيَّةَ انْفِكَاكِ الْحَجْرِ بِالْكُلِّيَّةِ مَمْنُوعَةٌ وَبِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمَوْقُوفِ وَالْمُسْتَوْلَدَةِ هُوَ مَحَلُّ اسْتِبْعَادِهِمَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمَا حَجَرٌ (قَوْلُهُ عَلَى إجَارَةِ الْوَقْفِ) أَيْ بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ وَمَحَلُّ إجَارَةِ الْوَقْفِ حَيْثُ لَمْ يَشْرِطْ الْوَاقِفُ أَنَّهُ لَا يُؤَجَّرُ. (قَوْلُهُ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ إلَى حَدٍّ) أَيْ مُنْتَهٍ إلَى حَدٍّ يَنْبَغِي تَعَلُّقُهُ بِتَفَاوُتٍ. (قَوْلُهُ مِمَّا فَعَلَهُ وَاجِبَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ لَيْسَ لِإِيفَاءِ الدَّيْنِ، بَلْ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ نَظَرُ الْقَاضِي) فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَكِّهِ أَيْ الْحَاكِمِ لَهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَلَهُ فِيهَا نَصٌّ آخَرُ ظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَنْفَكُّ بِنَفْسِهِ وَبِهِ تَعْلَمُ تَقْوِيَةُ مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ وَانْدِفَاعُ مَا أَطَالَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ.
ــ
[حاشية الشربيني]
عَلَى الْجَلَالِ: يُزَادُ ذَلِكَ، وَإِنْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ فِي الصَّيْفِ.
(قَوْلُهُ وَيُؤَجَّرُ وُجُوبًا إلَخْ) وَأَفْتَى الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ: بِأَنَّ الْمُفْلِسَ لَوْ كَانَ لَهُ وَظَائِفُ اُعْتِيدَ النُّزُولُ عَنْ مِثْلِهَا بِدَرَاهِمَ، كُلِّفَ النُّزُولَ عَنْهَا وَصَرْفَ دَرَاهِمِ النُّزُولِ لِلْغُرَمَاءِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ هَذَا إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ قَضِيَّةَ إيجَارِ نَحْوِ الْمَوْقُوفِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى اسْتِمْرَارُ الْحَجْرِ فِيهِ إلَى أَنْ يُوفَى الدَّيْنُ بِمَعْنَى: أَنَّ لِلْقَاضِي إذَا لَمْ يَبْقَ غَيْرُ نَحْوِ الْمَوْقُوفِ فَكَّ الْحَجْرِ فِيمَا عَدَاهُ وَاسْتَبْعَدَهُ الشَّيْخَانِ أَيْ: بَلْ يَنْبَغِي لَهُ الْفَكُّ فِيهِ أَيْضًا، إذَا لَمْ يَكُنْ مُؤَجَّرًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُؤْمَرُ الْمَدِينُ بِإِيجَارِهِ، فَلِذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ: وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ إجَارَةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْغَزَالِيِّ إنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إجَارَةِ الْوَقْفِ فَجُعِلَ الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ نَفْسَ الْمَدِينِ لِكَوْنِهِ بَعْدَ الْفَكِّ، أَمَّا قَبْلَهُ فَالْمُخَاطَبُ بِهِ الْقَاضِي، فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الِاقْتِضَاءَ وَالِاسْتِبْعَادَ إنَّمَا هُمَا فِي خُصُوصِ نَحْوِ الْمَوْقُوفِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ فِي غَيْرِهِ اهـ. ع ش وَرَشِيدِيٌّ مَعْنًى وَبِهِ يُعْلَمُ رَدُّ مَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ إدَامَةُ الْحَجْرِ) أَيْ: بِأَنْ لَا يَفُكَّهُ الْقَاضِي وَقَوْلُهُ: وَهُوَ كَالْمُسْتَبْعَدِ أَيْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفُكَّهُ، لَا أَنَّهُ يَنْفَكُّ بِنَفْسِهِ قَالَ حَجَرٌ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ غَيْرُ الْمَوْقُوفِ وَالْمُؤَجَّرِ لِلْقَاضِي فَكُّهُ اهـ.
وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: لَا يَجُوزُ فَكُّهُ قَبْلَ وَفَاءِ الدَّيْنِ اهـ. ق ل. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ إلَخْ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ مَالَهُ يَزِيدُ عَلَى مَا ذُكِرَ بِتِلْكَ الْمَنَافِعِ لِتَيَسُّرِ الْأَدَاءِ مِنْهَا حَالًّا، فَهُوَ مَمْنُوعٌ، إذْ لَيْسَ فِيمَا هُنَا مَا يُفِيدُ ذَلِكَ، بَلْ الْكَلَامُ فِيمَا تُوفِي أُجْرَتُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَزِيدُ بِاعْتِبَارِ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْأُجْرَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَمُسَلَّمٌ. (قَوْلُهُ وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ إلَخْ) أَيْ جَوَابًا لِسُؤَالِ: هَلْ تُؤَجَّرُ بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ مَعَ أَنَّ الْقَدْرَ يَنْقُصُ بِسَبَبِ التَّعْجِيلِ اهـ. عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ بِمَا تَعَدَّى فِيهِ) كَأَنْ غَصَبَ شَيْئًا وَتَلِفَ، وَلَوْ فِي مُبَاحٍ أَوْ اقْتَرَضَ شَيْئًا لِمَعْصِيَةٍ، وَإِنْ صَرَفَهُ فِي مُبَاحٍ. (قَوْلُهُ فَيَلْزَمُهُ إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ، لَا مِنْ حَيْثُ الدَّيْنِ فَيُكَلَّفُ الْكَسْبَ بِوُجُوبِ التَّوْبَةِ، وَهِيَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ رَدِّ الْمَظَالِمِ، وَمِنْهُ رَدُّ مَا اقْتَرَضَهُ لِيَصْرِفَهُ فِي مَعْصِيَةٍ، وَإِنْ صَرَفَهُ فِي مُبَاحٍ ع ش وَمِّ ر مَعْنًى وَقَوْلُهُ: وَهِيَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ رَدِّ الْمَظَالِمِ، أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ الْجَانِي فَإِنَّهُ تَصِحُّ تَوْبَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ نَفْسَهُ لِلْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ قَالَهُ فِي الْخَادِمِ. اهـ. عَمِيرَةُ عَلَى