الصِّحَّةَ فِي الْهِبَةِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ كَالرَّافِعِيِّ تَصْحِيحَ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْوَصِيَّةِ لَكِنَّ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الصِّحَّةُ فِيهَا أَيْضًا وَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ قَالَ الْإِمَامُ: وَإِذَا انْتَهَى إلَى الضَّرُورَةِ فِي الْمَطَاعِمِ فَالْوَجْهُ عِنْدِي الْقَطْعُ بِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ (وَكُلِّ إقْرَارٍ بِهِ) أَيْ الطِّفْلِ بَعْدَ بُلُوغِهِ سَفِيهًا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ الْمَالِيَّةِ وَمِنْ كُلِّ إقْرَارٍ بِتَصَرُّفٍ مَالِيٍّ وَلَوْ إتْلَافًا كَإِقْرَارِهِ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ، أَوْ بِإِيلَادٍ، أَوْ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ مَالًا كَالطِّفْلِ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَإِقْرَارِهِ بِمَا يُوجِبُ قَوَدًا، أَوْ حَدًّا لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِالْمَالِ وَلِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فَلَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ قُبِلَ فِي الْقَطْعِ دُونَ الْمَالِ وَلَوْ عَفَا مُسْتَحِقُّ الْقَوَدِ عَلَى مَالٍ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِ غَيْرِهِ لَا بِإِقْرَارِهِ وَمَحَلُّ عَدَمِ صِحَّةِ إقْرَارِهِ بِالْمَالِ فِي الظَّاهِرِ أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَيَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فِيهِ.
وَحُكْمُهُ فِي الْعِبَادَةِ كَالرَّشِيدِ لَكِنْ لَا يُفَرِّقُ الزَّكَاةَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ. نَعَمْ إنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لِلطِّفْلِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ (حَتَّى صَلَحْ) أَيْ وَيَسْتَمِرُّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ إلَى صَلَاحِهِ (فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ) بِأَنْ لَا يَكُونَ مُبَذِّرًا (وَ) فِي أَمْرِ (دِينٍ) لَهُ (فِي الْأَصَحْ) بِأَنْ لَا يَرْتَكِبَ مُحَرَّمًا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦] وَفَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ بِصَلَاحِ الدِّينِ، وَالْمَالِ فَيَزُولُ بِهِ الْحَجْرُ عَنْهُ بِلَا فَكِّ قَاضٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ كَحَجْرِ الْجُنُونِ، نَعَمْ إنْ أَنْكَرَ وَلِيُّهُ دَعْوَاهُ أَنَّهُ بَلَغَ رَشِيدًا لَمْ يَزُلْ الْحَجْرُ وَلَا يَحْلِفُ الْوَلِيُّ كَالْقَاضِي، وَالْوَصِيِّ، وَالْقَيِّمِ بِجِمَاعِ أَنَّ كُلًّا أَمِينٌ ادَّعَى انْعِزَالَهُ؛ وَلِأَنَّ الرُّشْدَ يُوقَفُ عَلَيْهِ بِالِاخْتِيَارِ فَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ وَأَخَذْنَاهُ بِإِقْرَارِهِ فِي رَفْعِ وِلَايَتِهِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلِأَنَّ الْأَصْلَ يُعَضِّدُ قَوْلَهُ: بَلْ الظَّاهِرُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي قَرِيبِي الْعَهْدِ بِالْبُلُوغِ عَدَمُ الرُّشْدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: فِي دَوَامِ الْحَجْرِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِالرُّشْدِ وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ الْمَزِيدُ عَلَى الْحَاوِي أَنَّهُ يَسْتَمِرُّ إلَى صَلَاحِهِ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ فَقَطْ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَكَانَ ابْنُ رَزِينٍ يَقْضِي بِهِ وَيَحْتَجُّ لَهُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: تَصْحِيحَ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْوَصِيَّةِ) ، وَالْفَرْقُ عَلَى هَذَا أَنَّ قَبُولَ الْهِبَةِ عَلَى الْفَوْرِ فَالتَّأْخِيرُ يُفَوِّتُهَا (قَوْله: أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَيَلْزَمُهُ إلَخْ) هَذَا مُسَلَّمٌ فِي نَحْوِ دَيْنِ الْإِتْلَافِ دُونَ الْمُعَامَلَةِ إنْ كَانَتْ حَالَ الْحَجْرِ كَمَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِعَرْضِ الْمَسْأَلَةِ لِتَقْصِيرِ مُعَامِلِهِ وَإِنْ جَهِلَ فَفِي طَارِئِ التَّبْذِيرِ الْآتِي يَلْزَمُهُ بَاطِنًا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ أَدَاءُ دَيْنِ مُعَامَلَةٍ سَبَقَتْ الْحَجْرَ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ) أَيْ بِإِقْرَارِهِ الَّذِي قَدْ يُسْتَخْرَجُ بِعَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ لِلْمَوْلَى فَلَمْ يَثْبُتْ التَّحْلِيفُ
ــ
[حاشية الشربيني]
الْهِبَةِ، وَالْوَصِيَّةِ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ وَإِنَّمَا جَازَ قَبُولُهُ لِلْهِبَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَلِكَوْنِ قَبُولِهَا فَوْرِيًّا، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فِيهِمَا. وَعَلَى كُلٍّ فَالْقَابِضُ هُوَ الْوَلِيُّ فَلَا يَجُوزُ لِوَارِثِ الْمُوصِي وَلَا لِلْوَاهِبِ التَّسْلِيمُ لِلسَّفِيهِ فَلَوْ سَلَّمَاهُ ضَمِنَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ الْمُمَلَّكِ.
(قَوْلُهُ: فِي الْهِبَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تُمْلَكُ فِي قَبُولِهَا إذْ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ بِخِلَافِ الْمُوصَى بِهِ يُمْلَكُ بِالْقَبُولِ وَلَيْسَ هُوَ أَهْلًا لِلتَّمَلُّكِ اهـ م ر (قَوْلُهُ: قَالَ: الْإِمَامُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ مِثْلَهُ فِي الشِّرَاءِ لِلِاضْطِرَارِ الصَّبِيُّ وَمِثْلُ الطَّعَامِ غَيْرُهُ مِمَّا تَدْعُو إلَيْهِ الضَّرُورَةُ كَالْمَلْبُوسِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَا يُقَالُ: إنَّ الضَّرُورَةَ تُجَوِّزُ الْأَخْذَ وَلَوْ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَلَا ضَرُورَةَ لِلصِّحَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ يَمْتَنِعُ الْبَائِعُ مِنْ التَّسْلِيمِ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِهِ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ (قَوْلُهُ: وَمِنْ كُلِّ إقْرَارٍ) أَمَّا لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ رُشْدِهِ بِأَنَّهُ كَانَ أَتْلَفَ مَالًا فِي سَفَهِهِ فَيَلْزَمُهُ الْآنَ قَطْعًا كَمَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ ابْنِ كَجٍّ كَذَا فِي بَعْضِ حَوَاشِي الْمَنْهَجِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: فَيَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ) الْحَاصِلُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ عَنْ مُعَامَلَةٍ أَسْنَدَهُ إلَى مَا قَبْلَ الْحَجْرِ، أَوْ بَعْدَهُ وَكَذَا بِإِتْلَافِ الْمَالِ وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا فِيمَا لَزِمَ بِمُعَامَلَةٍ حَالَ الْحَجْرِ وَإِلَّا ضَمِنَهُ بَاطِنًا كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
وَقَوْلُهُ وَإِلَّا إلَخْ أَيْ بِأَنْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ تَقَدَّمَ سَبَبُهُ عَلَى الْحَجْرِ، أَوْ كَانَ الْمُتْلَفُ غَيْرَ مَأْخُوذٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ بِأَنْ غَصَبَهُ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَى إتْلَافٍ فَضَمِنَ بَاطِنًا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى، أَوْ اقْتَرَضَ حَالَ الْحَجْرِ وَقَبَضَ وَتَلِفَ الْمَأْخُوذُ فِي يَدِهِ، أَوْ أَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ وَلَا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ سَوَاءٌ عَلِمَ مِنْ عَامِلِهِ، أَوْ جَهِلَ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ مَعَ تَقْصِيرِهِ وَبِهِ يُعْلَمُ انْدِفَاعُ تَوَقُّفِ ق ل فَرَاجِعْهُ. اهـ. ثُمَّ مَحَلُّ عَدَمِ الضَّمَانِ بِالْمُعَامَلَةِ حَالَ الْحَجْرِ مَا لَمْ يَكُنْ مُعَامِلُهُ سَفِيهًا أَيْضًا وَإِلَّا ضَمِنَ مُطْلَقًا سم عَلَى الْمَنْهَجِ أَيْ إلَّا إذَا كَانَ سَفَهُهُ بَعْدَ رُشْدِهِ وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ قَاضٍ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ كَمَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ وَعِبَارَتُهُ: وَيَضْمَنُ الْقَابِضُ مِنْهُ وَإِنْ جَهِلَ لَا هُوَ مَا قَبَضَهُ مِنْ رَشِيدٍ، أَوْ سَفِيهٍ بَعْدَ رُشْدِهِ وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ قَاضٍ وَتَلِفَ وَلَوْ بِإِتْلَافِهِ لَهُ فِي غَيْرِ أَمَانَةٍ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ بِرَدِّهِ وَإِنْ انْفَكَّ الْحَجْرُ اهـ وَقَوْلُهُ: فِي غَيْرِ أَمَانَةٍ احْتِرَازٌ عَنْ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّ الْمَالِكَ لَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَى إتْلَافِهَا وَقَوْلُهُ: قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ إلَخْ عِبَارَةٌ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر أَمَّا لَوْ بَقِيَ بَعْدَ الرُّشْدِ ثُمَّ أَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ وَكَذَا لَوْ تَلِفَ وَقَدْ أَمْكَنَهُ رَدُّهُ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: فَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ:) أَيْ لَا يُفِيدُ مُوَافَقَتُهُ لَهُ وَإِقْرَارُهُ بِهِ ثُبُوتَهُ حَتَّى يَتَوَصَّلَ لِذَلِكَ بِطَلَبِ تَحْلِيفِهِ. اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: وَمَالَ إلَيْهِ إلَخْ) وَاخْتَارَهُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. اهـ. ق ل عَلَى