الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ قَالَ: مَا بَيْنَ وَاحِدٍ وَعَشَرَةٍ، أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدٍ إلَى عَشَرَةٍ لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ
ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ الْكَفَالَةِ بِنَوْعَيْهَا الْمُسَمَّى أَحَدُهُمَا بِكَفَالَةِ الْبَدَنِ وَكَفَالَةِ الْوَجْهِ، وَالْآخَرُ بِكَفَالَةِ الْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ فَقَالَ: (وَصَحَّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ) مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ (التَّكْفِيلُ) بِمَعْنَى التَّكَفُّلِ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ (بِبَدَنٍ) لِمَنْ يُذْكَرُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَاسْتُؤْنِسَ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ} [يوسف: ٦٦] وَمُقَابِلُ مَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ: عِنْدَ الْأَكْثَرِ يَقُولُ: لَا يَصِحُّ كَالْكَفَالَةِ بِبَدَنِ الشَّاهِدِ؛ وَلِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ عَنْ الْحَقِّ (إنْ رَضِيَ الْمَكْفُولُ) بِالْكَفَالَةِ وَعَرَفَهُ الْكَفِيلُ إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ إلْزَامُ غَيْرِهِ بِالْحُضُورِ إلَى الْحَاكِمِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَمَعْرِفَتِهِ، بِخِلَافِ الضَّمَانِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَلَا مَعْرِفَتُهُ لِجَوَازِ التَّبَرُّعِ بِأَدَاءِ دَيْنِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَمَعْرِفَتِهِ كَمَا مَرَّ فَإِنْ كَانَ الْمَكْفُولُ غَيْرَ مُكَلَّفٍ اُعْتُبِرَ إذْنُ وَلِيِّهِ وَيُطَالِبُهُ الْكَفِيلُ بِإِحْضَارِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، أَوْ مَيِّتًا فَيَظْهَرُ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ اعْتِبَارُ إذْنِ وَارِثِهِ، أَوْ عَبْدًا، أَوْ سَفِيهًا.
فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ إذْنِهِ حَتَّى لَا يَكْفِيَ إذْنُ السَّيِّدِ، وَالْوَلِيِّ فَلَوْ تَكَفَّلَ بِغَيْرِ رِضَا الْمَكْفُولِ فَإِنْ قَالَ لَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ: أَحْضِرْهُ، فَلَهُ إحْضَارُهُ بِالْوَكَالَةِ لَا بِالْكَفَالَةِ وَعَلَيْهِ الْإِجَابَةُ، وَإِنْ قَالَ لَهُ: أَخْرِجْ عَنْ حَقِّي فَهَلْ لَهُ إحْضَارُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ التَّوْكِيلَ فِيهِ، أَوْ لَا كَالضَّمَانِ بِغَيْرِ إذْنٍ؟ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. أَمَّا الْمَكْفُولُ لَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: فَيَظْهَرُ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ إلَخْ) الْأَوْجَهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ اُعْتُبِرَ إذْنُ الْوَلِيِّ مِنْ وَرَثَتِهِ فَقَطْ وَإِلَّا فَكُلُّهُمْ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ قَامَ وَلِيُّهُ مَقَامَهُ ش م ر (قَوْلُهُ: إذْنُ وَارِثِهِ) أَيْ إنْ تَأَهَّلَ وَإِلَّا فَإِذْنُ وَلِيِّهِ الْوَجْهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ ذِمِّيًّا لَا وَارِثَ لَهُ عَدَمُ صِحَّةِ التَّكْفِيلِ بِهِ، وَلَا يُقَالُ: يَصِحُّ بِإِذْنِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ مَالَهُ فَيْءٌ لَا إرْثٌ م ر (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْإِجَابَةُ) لَعَلَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ حَقًّا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَابَةِ (قَوْلُهُ: وَجْهَانِ) فِي الرَّوْضَةِ رَجَّحَ الثَّانِي فِي الرَّوْضِ وَفِي شَرْحِهِ أَنَّ التَّرْجِيحَ مِنْ زِيَادَتِهِ وَأَنَّ الزَّرْكَشِيَّ قَالَ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْمَكْفُولُ لَهُ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ يَصِحُّ ضَمَانُهُ وَلَوْ جَهِلَ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَقَوْلُهُ: كَأَصْلِهِ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ، يُوهِمُ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عِنْدَهُ مَالٌ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ أَمَانَةً كَوَدِيعَةٍ اهـ وَمِنْ هَذَا مَعَ مَا يَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: أَنْ تُوجِبَ لِرَدِّ مُؤْنَةٍ يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ مَالٌ كَوَدِيعَةٍ
[حاشية الشربيني]
الْأَرْضَ لَا تَكُونُ النَّخْلَةُ فِي قَوْلِهِ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ مَبْدَأُ الِالْتِزَامِ إذْ الْمُلْتَزَمُ الْأَرْضُ لَا النَّخْلَةُ وَمِثْلُهُ مِنْ هَذَا الْجِدَارِ إلَى هَذَا الْجِدَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ النَّخِيلُ فَإِنَّهَا تَكُونُ مَبْدَأَ الِالْتِزَامِ فَتَكُونُ دَاخِلَةً؛ لِأَنَّهَا أَصْلٌ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُ مَا عَلَيْهِ) أَيْ لِعَدَمِ لُزُومِهِ لَهُ أَصَالَةً وَإِنْ كَانَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى أَدَائِهِ فِيمَا إذَا حُبِسَ عَلَى إحْضَارِ الْمَكْفُولِ فَإِنَّهُ يُطَالَبُ بِهِ حِينَئِذٍ فَإِنْ أَدَّاهُ بَرِئَ اهـ فَانْدَفَعَ مَا فِي ع ش
(قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ (قَوْلُهُ: إنْ رَضِيَ الْمَكْفُولُ) وَلَا بُدَّ مَعَ الْإِذْنِ فِي الْكَفَالَةِ مِنْ الْإِذْنِ فِي مَحَلِّ التَّسْلِيمِ فَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ فَسَدَتْ، وَلَا يُغْنِي عَنْهُ مُطْلَقُ الْإِذْنِ. اهـ. شَيْخُنَا. اهـ. جَمَلٌ عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ إلْزَامُ إلَخْ) فَاحْتِيجَ لِرِضَاهُ لِيَجِبَ عَلَيْهِ مُوَافَقَةُ الْكَفِيلِ إذَا أَرَادَ إحْضَارَهُ وَلَوْ مِنْ فَوْقِ مَسَافَةِ الْعَدْوَى. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: إذْنِ وَارِثِهِ) أَيْ كُلُّ وَارِثٍ إنْ لَمْ يَأْذَنْ الْمَيِّتُ فِي حَيَاتِهِ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ وَارِثٍ وَإِلَّا فَالْمُعْتَبَرُ إذْنُهُ فَقَطْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا فَلَا عِبْرَةَ بِهِ. اهـ. جَمَلٌ عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إلَخْ) قَالَ: م ر السَّفِيهُ يُعْتَبَرُ إذْنُ وَلِيِّهِ أَيْضًا، وَالْقِنُّ يُعْتَبَرُ إذْنُهُ لَا إذْنُ سَيِّدِهِ لَكِنْ فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى السَّيِّدِ كَإِتْلَافِهِ الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ اهـ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي السَّفِيهِ اعْتِبَارُ إذْنِهِ. اهـ. ع ش لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْمُحَشِّي عَلَى الْمَنْهَجِ أَنَّ م ر اعْتَمَدَ فِي السَّفِيهِ تَفْصِيلًا عَنْ بَعْضِهِمْ وَهُوَ اعْتِبَارُ إذْنِهِ إنْ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ كَفَالَتِهِ فَوَاتُ إكْسَابِهِ، وَلَا احْتِيَاجٌ إلَى مُؤْنَةٍ فِي إحْضَارِهِ وَإِلَّا اُعْتُبِرَ إذْنُ وَلِيِّهِ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ الْمَكْفُولُ لَهُ: أَحْضِرْهُ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا صَرَّحَ بِالطَّلَبِ بِأَنْ قَالَ لَهُ: أَحْضِرْهُ فَلِلْكَفِيلِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ مُطَالَبَةُ الْمَكْفُولِ بِالْحُضُورِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ فِي الطَّلَبِ عَنْ الْمَكْفُولِ لَهُ وَلَزِمَ الْمَكْفُولَ الْإِجَابَةُ بِشَرْطِ اسْتِدْعَاءِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالطَّلَبِ بَلْ قَالَ لِلْكَفِيلِ: أَخْرِجْ عَنْ حَقِّي لَمْ يَلْزَمْ الْمَكْفُولَ إجَابَتُهُ وَإِنْ اسْتَدْعَاهُ الْحَاكِمُ لِعَدَمِ تَوَجُّهِ الْأَمْرِ بِطَلَبِهِ صَرِيحًا، هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الرَّشِيدِيِّ عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ اهـ وَفِي ق ل تَقْيِيدُ لُزُومِ الْإِجَابَةِ بِاسْتِدْعَاءِ الْحَاكِمِ بِمَا إذَا اسْتَدْعَاهُ مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى وَلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute