مَعَ شَرْطِ أَجَلٍ مَعْلُومٍ لِإِحْضَارِ الْمَكْفُولِ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُهَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ الْتِزَامُ عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ كَالْعَمَلِ فِي الْإِجَارَةِ نَحْوُ أَنَا كَفِيلٌ بِزَيْدٍ وَأُحْضِرُهُ بَعْدَ شَهْرٍ فَلَوْ أَحْضَرَهُ قَبْلَهُ فَهُوَ كَإِحْضَارِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التَّسْلِيمِ وَقَدْ مَرَّ وَخَرَجَ بِالْمَعْلُومِ مَا لَوْ شَرَطَ أَجَلًا مَجْهُولًا كَالْحَصَادِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُهَا (وَطُولِبَا) أَيْ الضَّامِنُ وَالْأَصِيلُ بِالْحَقِّ أَيْ يُطَالِبُهُمَا بِهِ جَمِيعًا، أَوْ أَيَّهمَا شَاءَ الْمُسْتَحِقُّ.
وَلَا تَسْقُطُ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْعَقْدِ التَّوَثُّقُ (وَبِخِلَافِ الْعَكْسِ إنْ أَبْرَا الْأَصِيلُ) بِحَذْفِ هَمْزَةِ أَبْرَأَ لِلْوَزْنِ (بَرِئَ الَّذِي ضَمِنْ) أَيْ وَإِنْ أَبْرَأ الْمُسْتَحِقُّ الْأَصِيلَ مِنْ الْحَقِّ بَرِئَ مِنْهُ الضَّامِنُ وَضَامِنُ الضَّامِنِ لِسُقُوطِ الْحَقِّ عَنْ أَصْلِهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ بِأَنْ أَبْرَأَ الضَّامِنُ لَا يُبَرَّأُ الْأَصِيلُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ تَوْثِقَةٍ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَقُّ كَفَكِّ الرَّهْنِ. أَمَّا غَيْرُ الْإِبْرَاءِ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ، وَالِاعْتِيَاضِ عَنْهُ، وَالْحَوَالَةِ بِهِ وَعَلَيْهِ فَلَا يَخْتَلِفَانِ فِيهِ بَلْ وُجُودُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا مُبَرِّئٌ لِلْآخَرِ
(وَهُوَ عَلَى مَنْ قَدْ قَضَى) أَيْ: وَالْحَقُّ الْمُؤَجَّلُ (يَحِلُّ) عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْ ضَامِنٍ وَأَصِيلٍ وَلَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ لِخَرَابِ ذِمَّتِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ مِلْكَهُ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ لِغَيْرِهِ لَمْ يَحِلَّ الدَّيْنُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ دَيْنٍ فِي عَيْنٍ لَا فِي ذِمَّةٍ وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ
(وَلَا كَذَا الْآخَرُ) أَيْ الْحَيُّ لَا يَحِلُّ عَلَيْهِ الْحَقُّ لِارْتِفَاقِهِ بِالْأَجَلِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ فَلَوْ أَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الْحَقَّ مِنْ تَرِكَةِ الضَّامِنِ لَمْ تَرْجِعْ وَرَثَتُهُ عَلَى الْأَصِيلِ إلَّا بَعْدَ الْحَوْلِ.
(وَ) لَا (الْمُقِلُّ) أَيْ الْمُفْلِسُ لَا يَحِلُّ عَلَيْهِ الْحَقُّ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ بِإِفْلَاسِهِ لِبَقَاءِ ارْتِفَاقِهِ بِالْأَجَلِ (فَرْعٌ)
يَحِلُّ الدَّيْنُ بِجُنُونِ الْمَدِينِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَكَذَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَلَا تَرْجِيحَ فِيهِ فِي الرَّافِعِيِّ بَلْ كَلَامُهُ يَمِيلُ إلَى خِلَافِهِ وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ الْقُونَوِيُّ فَقَالَ: وَلَا يَحِلُّ بِالْجُنُونِ؛ لِأَنَّ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَبْتَاعَ لِلْمَجْنُونِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ عِنْدَ ظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ الْجُنُونُ التَّأْجِيلَ ابْتِدَاءً فَلَأَنْ لَا يَقْطَعَ الْأَجَلَ دَوَامًا أَوْلَى. قَالَ السُّبْكِيُّ:
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ إلَخْ) وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَوْ أَعَارَ عَيْنًا لِيَرْهَنَهَا، ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الدَّيْنُ لِتَعَلُّقِهِ بِهَا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ ضَمَانٌ فِي رَقَبَتِهَا دُونَ الذِّمَّةِ وَذِكْرُ الْعَارِيَّةِ مِثَالٌ، وَالْمَدَارُ عَلَى تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ بِضَمَانٍ، أَوْ رَهْنٍ لَهَا ح ج (قَوْلُهُ: يَمِيلُ إلَى خِلَافِهِ) اعْتَمَدَهُ م ر (قَوْلُهُ: وَلَا يَحِلُّ بِالْجُنُونِ)
ــ
[حاشية الشربيني]
عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَالْأَصْلُ لَا بِشَرْطِ أَجَلٍ مَعْلُومٍ لِلْحُضُورِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ يُعْجِبُنِي طِيبُ زَيْدٍ أَبًا اهـ (قَوْلُهُ: وَأَحْضَرَهُ بَعْدَ شَهْرٍ) فَلَوْ أَسَقْطُو وَأَحْضَرَهُ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: ضَمِنْت إحْضَارَهُ بَعْدَ شَهْرٍ فَإِنْ نَوَى تَعْلِيقَ بَعْدٍ بِإِحْضَارِهِ صَحَّ، أَوْ بِكَفِيلٍ بَطَلَ وَإِنْ أَطْلَقَ فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ الصِّحَّةُ صَوْنًا لِلْكَلَامِ عَنْ الْإِلْغَاءِ حَجَرٌ. وَقَدْ يُقَالُ: لَوْ قِيلَ بِالْبُطْلَانِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ لِمَا قَالُوهُ فِي الْكِنَايَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ النِّيَّةِ وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ لَغَتْ وَلَمْ يَقُولُوا بِصِحَّتِهَا صَوْنًا لِعِبَارَةِ الْمُكَلَّفِ وَأَيْضًا الْأَصْلُ هُنَا بَرَاءَةُ الضَّامِنِ، وَالْأَصْلُ فِي الْعَمَلِ الْفِعْلُ فَإِذَا كَانَ فِي الْكَلَامِ فِعْلٌ وَغَيْرُهُ تَعَلَّقَ الظَّرْفُ بِالْفِعْلِ. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعَكْسِ) مَحَلُّهُ إنْ أَبْرَأَهُ مِنْ الضَّمَانِ فَلَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُك عَنْ الدَّيْنِ بُرْئًا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَارْتَضَاهُ م ر. اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَقَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إذَا أَبْرَأَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الضَّامِنَ مِنْ الدَّيْنِ لَا يُبَرَّأُ الْأَصِيلُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْعَكْسِ مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ مِنْ الْحَقِّ فِيمَا قَبْلَهُ، وَلَا يُنَافِيه تَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلْوَثِيقَةِ؛ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الضَّامِنِ بِذَلِكَ إسْقَاطٌ لَهَا فَحَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ الضَّمَانِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ.
نَعَمْ إنْ قَصَدَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مَعَ إبْرَاءِ الضَّامِنِ إسْقَاطَ الدَّيْنِ عَنْ الْأَصِيلِ سَقَطَ، وَمَتَى بَرِئَ ضَامِنٌ بِإِبْرَاءٍ تُرَتَّبُ فُرُوعُهُ فَقَطْ، أَوْ بِأَدَاءٍ وَحَوَالَةٍ وَنَحْوِهَا بَرِئَ الْأَصِيلُ اهـ وَمَا قَالَهُ ق ل أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ هُوَ صَرِيحُ قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي وَلَوْ أَدَّى الضَّامِنُ بَعْضَ مَا ضَمِنَهُ وَأَبْرَأَهُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ الْبَاقِي لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِمَا أَدَّى وَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى الْأَصِيلِ اهـ (قَوْلُهُ: وَالْحَوَالَةِ بِهِ) بِأَنْ يُحِيلَ الْأَصِيلُ الدَّائِنَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ) كَأَنْ يُحِيلَ الْمَضْمُونُ لَهُ شَخْصًا عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ بِالْحَوَالَةِ قَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ مِنْ الْأَصِيلِ. اهـ. قُوَيْسَنِيٌّ
(قَوْلُهُ: وَهُوَ عَلَى مَنْ قَدْ قَضَى إلَخْ) لَوْ ضَمِنَ الْمُؤَجَّلَ مُؤَجَّلًا حَلَّ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَإِذَا ضَمِنَ الْمُؤَجَّلَ حَالًّا حَلَّ عَلَى الضَّامِنِ بِمَوْتِ الْأَصِيلِ وَإِذَا ضَمِنَ الْمُؤَجَّلَ بِأَجَلٍ أَقْصَرَ حَلَّ عَلَى الضَّامِنِ بِمَوْتِ الْأَصِيلِ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَقْصَرِ لَا قَبْلَهُ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأَجَلَ فِيهِمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ تَبَعًا اهـ وَانْظُرْ مَوْتَ الضَّامِنِ فِيهِمَا وَظَاهِرُ الْكَلَامِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ أَصْلِيٌّ حِينَئِذٍ وَانْظُرْ إذَا ضَمِنَ الْحَالَّ مُؤَجَّلًا.
وَظَاهِرُ الْكَلَامِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ عَلَيْهِ بِمَوْتِ الْأَصِيلِ. اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ) وَيَقْضِي حِينَئِذٍ مِنْ تِجَارَتِهِ وَمَا بِيَدِهِ وَكَسْبِهِ، أَوْ مَا عَيَّنَهُ السَّيِّدُ لِلْأَدَاءِ مِنْهُ عَلَى مَا مَرَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ فَلَا فَائِدَةَ لِلْحُلُولِ عَلَيْهِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: لَوْ رَهَنَ مِلْكَهُ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ إلَخْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعِيرَهُ إيَّاهَا فَإِنَّ الرَّهْنَ يَصِحُّ وَلَا يَحِلُّ الدَّيْنُ بِمَوْتِهِ كَمَا فِي النَّاشِرِيِّ وَكَتَبَ الْمُحَشِّي بِهَامِشِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِذَلِكَ مَا لَوْ ضَمِنَ الدَّيْنَ فِي عَيْنٍ