وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تُرَاقُ أَيْضًا مَعَ الشَّكِّ فِي أَنَّهَا مُحْتَرَمَةٌ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَيُحْتَمَلُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا وُجِدَتْ بِأَيْدِي الْفُسَّاقِ، وَيَجُوزُ كَسْرُ إنَائِهَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا إلَّا بِهِ، أَوْ كَانَ إنَاؤُهَا ضَيِّقَ الرَّأْسِ، وَلَوْ اشْتَغَلَ بِإِرَاقَتِهَا أَدْرَكَهُ الْفُسَّاقُ وَمَنَعُوهُ، أَوْ كَانَ يُضَيِّعُ زَمَانَهُ، وَيَتَعَطَّلُ شَغْلُهُ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ قَالَ: وَلِلْوُلَاةِ كَسْرُ آنِيَةِ الْخَمْرِ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا دُونَ الْآحَادِ، وَالنَّبِيذُ كَالْخَمْرِ فِيمَا ذُكِرَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَّا أَنَّهُ لَا يُرِيقُهُ إلَّا بِأَمْرِ حَاكِمٍ مُجْتَهِدٍ؛ لِئَلَّا يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ، فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَالٌ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الشَّارِحُ أَنَّ الْحَاكِمَ الْمُقَلِّدَ كَالْمُجْتَهِدِ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَتْ إرَاقَتُهُ رَأْيَ مُقَلَّدِهِ، قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَيُتَّجَهُ إلْحَاقُ الْحَشِيشَةِ بِالْخَمْرِ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ، وَفِي ضَمَانِ الْمُتَنَجِّسِ مِنْ الزَّيْتِ وَالْمَاءِ وَجْهَانِ انْتَهَى، وَأَوْجَهُ الْوَجْهَيْنِ عَدَمُ الضَّمَانِ لِلْأَمْرِ بِإِرَاقَةِ السَّمْنِ الْمَائِعِ الَّذِي تَنَجَّسَ بِالْفَأْرَةِ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيَشْتَرِكُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْفَاسِقُ وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ فِي جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى إزَالَةِ الْمُنْكَرِ وَيُثَابُ الصَّبِيُّ عَلَيْهِ كَالْبَالِغِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ إزَالَتُهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْقَادِرِ
(وَرَدَّ) وُجُوبًا (مَا يَغْصِبُهُ) وَإِنْ بَطَلَ مُعْظَمُ مَنَافِعِهِ كَتَمْزِيقِهِ الثَّوْبَ خِرَقًا كَمَا سَيَأْتِي، أَوْ زَالَ عَنْهُ اسْمُهُ كَخَبْزِهِ الدَّقِيقَ لِخَبَرِ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» (مَعَ الَّذِي زَادَ) فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَالِكِ سَوَاءٌ زَادَ فِيهِ مِنْ نَفْسِهِ كَالْوَلَدِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَانَ أَثَرًا مَحْضًا كَقِصَارَةِ الثَّوْبِ وَخِيَاطَتِهِ بِخَيْطِ الْمَالِكِ، وَضَرْبِ الطِّينِ لَبِنًا وَنَسْجِ الْغَزْلِ ثَوْبًا إنْ لَمْ يُمْكِنْ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إلَى مَا كَانَ، أَوْ أَمْكَنَ وَرَضِيَ بِهِ الْمَالِكُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الرَّدِّ غَرَضٌ كَأَنْ غَصَبَ فِضَّةً، وَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، أَوْ بِغَيْرِ عِيَارِهِ، فَلَهُ الرَّدُّ إلَى مَا كَانَ لِخَوْفِ التَّغْرِيرِ، فَإِنْ أَلْزَمَهُ الْمَالِكُ الرَّدَّ إلَى مَا كَانَ لَزِمَهُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَطَاهِرُهُ) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ مَا عَدَاهُمَا يُرَاقُ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَوُجِّهَ أَنَّ ظَاهِرَهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ قَوْلِهِ: خَمْرًا تُحْتَرَمُ، وَخَمْرَ ذِمِّيٍّ مَا عُلِمَ أَنَّهُ كَذَلِكَ، فَيَكُونُ مَا عَدَاهُمَا ظَاهِرًا فِي تَنَاوُلِ الْمَشْكُوكِ أَيْضًا
(قَوْلُهُ: مَعَ الشَّكِّ) الْوَجْهُ الْحَمْلُ عَلَى الِاحْتِرَامِ عِنْدَ الشَّكِّ وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ طَوَائِفَ أَنَّ مِنْ أَبْرَزَ خَمْرًا، وَادَّعَى أَنَّهَا خَمْرَ خَلٍّ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا إنْ قَامَتْ قَرَائِنُ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ، فَإِنَّا لَا نَتَعَرَّضْ لَهَا اهـ وَقَضِيَّةُ التَّقْيِيدِ بِأَبْرَزَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُبْرِزْ قَبْلَ دَعْوَاهُ مَا ذُكِرَ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: كَسْرُ آنِيَةِ الْخَمْرِ) أَيْ: مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُرِيقَهُ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ الْأُولَى أَنْ لَا يُرِيقَهُ إلَخْ لَا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ إذْ مُجَرَّدُ خَوْفِ الْغُرْمِ لَا يَقْتَضِي الِامْتِنَاعَ (قَوْلُهُ: إلَّا بِأَمْرِ حَاكِمٍ مُجْتَهِدٍ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ مُجَرَّدَ أَمْرِ الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ يَرْفَعُ الْخِلَافَ، وَيَمْنَعُ تَوَجُّهَ الْغُرْمِ، وَقَدْ يُسْتَبْعَدُ، وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بَدَلَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ بِقَوْلِهِ: قَبْلَ اسْتِحْكَامٍ غَيْرِ حَنَفِيٍّ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: وَيُتَّجَهُ إلْحَاقُ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ) أَيْ: لِلْغَاصِبِ (قَوْلُهُ: الرَّدُّ إلَى مَا كَانَ إلَخْ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ غَرَضٌ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ: وَلِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ رَدَّهُ كَمَا كَانَ إنْ أَمْكَنَ مَا نَصُّهُ وَفِي الْحَاوِي وَجْهٌ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ الرَّدُّ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ غَرَضٌ
ــ
[حاشية الشربيني]
جَائِزٌ لِصَيْرُورَتِهَا حِينَئِذٍ مُحْتَرَمَةً، وَلَعَلَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ أَنَّهَا عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ أَبُو طَلْحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِيًّا لِلْأَيْتَامِ، وَلَا وَصِيًّا حَتَّى يُعْتَبَرَ تَغَيُّرُ قَصْدِهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَالنَّبِيذُ كَالْخَمْرِ إلَخْ) أَيْ: وَلَوْ كَانَ بِيَدِ حَنَفِيٍّ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ لَا يُرِيقُهُ إلَخْ) وَلَا نَظَرَ هُنَا؛ لِكَوْنِ مَنْ هُوَ لَهُ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ، أَوْ حُرْمَتَهُ خِلَافًا لِمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ الْإِنْكَارِ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي مُجْمَعٍ عَلَيْهِ، أَوْ مَا يَعْتَقِدُ الْفَاعِلُ تَحْرِيمَهُ اهـ شَرْحٌ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ: وَيَشْتَرِكُ إلَخْ) وَذَلِكَ فِي الْمُسْلِمِ، أَمَّا الْكَافِرُ فَلَيْسَ لَهُ الْإِزَالَةُ إلَّا بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ كَقَوْلِهِ: لَا تَزْنِ، أَوْ الْوَعْظِ كَقَوْلِهِ: اتَّقِ اللَّهَ، أَمَّا السَّبُّ وَالتَّهْدِيدُ كَقَوْلِهِ: يَا فَاسِقُ، أَوْ إنْ لَمْ تَرْجِعْ لَأَرْمِيَنَّكَ بِسَهْمٍ مَثَلًا، وَكَذَا الْفِعْلُ كَالرَّمْيِ بِالسَّهْمِ عِنْدَ تَوَقُّفِ الْإِزَالَةِ عَلَيْهِ فَيَمْنَعَانِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا وِلَايَةً وَتَسَلُّطًا لَا يَلِيقَانِ بِالْكَافِرِ كَذَا نُقِلَ عَنْ السُّيُوطِيّ، وَذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ أَنَّ فِي حِفْظِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْكَافِرِ إزَالَةُ الْمُنْكَرِ حَتَّى بِالْقَوْلِ، وَمِثْلُهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ نُصْرَةٌ لِلدِّينِ فَلَا يَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا مَنْ هُوَ جَاحِدٌ لِأَصْلِ الدِّينِ وَعَدُوٌّ لَهُ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ شَرْحِ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ قَالَ ق ل: وَمَعَ ذَلِكَ يُعَاقَبُ الْكَافِرُ عَلَى عَدَمِ الْإِزَالَةِ فِي الْآخِرَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِشَرْطِ ذَلِكَ الَّذِي هُوَ الْإِسْلَامُ فَلَيْسَ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ التَّكْلِيفِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ كَمَا وَهَمَ
(قَوْلُهُ: فِي جَوَازِ الْإِقْدَامِ) أَيْ: مَعَ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ بِالْأَمْنِ، وَلَوْ عَلَى الْمَالِ وَالْعِرْضِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُكَلَّفِ) وَخَرَجَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ مِنْهُ فَيَطْلُبُ وَلَوْ مَعَ الْخَوْفِ وَلَا يُنَافِيهِ النَّهْيُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] الْمُقْتَضِي لِلتَّحْرِيمِ لِحَمْلِهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، أَوْ لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَفِيهِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تُنَافِي النَّدْبَ، وَحَاصِلُ مَا قَرَّرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ السَّلَامَةَ، أَوْ ظَنَّهَا وَجَبَ، أَوْ ظَنَّ عَدَمَهَا حَرُمَ، وَهُوَ مَحْمَلُ الْآيَةِ وَإِلَّا جَازَ بَلْ يَنْدُبُ اهـ فَرَاجِعْهُ وَحَرِّرْ الْأَخِيرَ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ فِيهِ الْوُجُوبُ
(قَوْلُهُ: وَرَضِيَ بِهِ الْمَالِكُ) فَإِنْ لَمْ يَرْضَ لَزِمَهُ الرَّدُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ فِيهِ غَرَضٌ، وَلِلْغَاصِبِ الرَّدُّ بِلَا طَلَبٍ إنْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ، وَإِنْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ رَاجِعْهُ
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الرَّدِّ غَرَضٌ) نَعَمْ إنْ كَانَ غَرَضُهُ الْبَرَاءَةَ، وَأَبْرَأَهُ الْمَالِكُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الرَّدُّ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ الْمَالِكُ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمَنْهَجِ، وَلَا يَكْفِي الْمَنْعُ مِنْ غَيْرِ إبْرَاءٍ خِلَافُ مَا فِي الْحَفْرِ؛ لِأَنَّ الْمُبْرَأَ مِنْهُ هُنَا مُحَقَّقٌ، فَاحْتِيجَ لِلْإِبْرَاءِ مِنْهُ بِخِلَافِ ضَمَانِ السُّقُوطِ فَإِنَّهُ مُتَوَقَّعٌ فَكَفَى فِيهِ الْمَنْعُ مِنْ الْمَالِكِ اهـ ق ل مَعَ