للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَا قِيلَ: مِنْ أَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْغَرَضَ فِي صُورَةِ الطَّمِّ مُنْحَصِرٌ فِي نَفْيِ ضَمَانِ التَّرَدِّي مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ غَرَضٌ آخَرُ مِنْ الْأَغْرَاضِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ نَظَرٌ

(وَسَوَّى) وُجُوبًا (الْحُفَرَا) الْحَاصِلَةَ فِي الْأَرْضِ بِنَقْلِهِ التُّرَابَ مِنْهَا لِيَرُدَّ كَمَا أَخَذَ، فَإِنْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ مِنْ التَّسْوِيَةِ لَمْ يُسَوِّ

(وَدُونَ إذْنٍ) أَيْ: وَبِدُونِ إذْنِ الْمَالِكِ (الْجِدَارُ) إذَا هَدَمَهُ غَاصِبٌ أَوْ انْهَدَمَ فِي يَدِهِ (لَمْ يُعَدْ) أَيْ: لَا يُعِيدُهُ الْغَاصِبُ، بَلْ يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ فِي الْبَيْعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَمِّ الْحَفْرِ بِأَنَّهَا لَا تَكَادُ تَتَفَاوَتُ، وَهَيْئَاتُ الْأَبْنِيَةِ تَخْتَلِفُ فَشَبَّهَ ذَلِكَ بِذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَهَذَا بِذَوَاتِ الْقِيَمِ حَتَّى لَوْ رَفَعَ لَبِنَاتٍ مِنْ رَأْسِ جِدَارٍ، وَأَمْكَنَ رَدُّهَا مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ فِي الْهَيْئَةِ كَانَ كَطَمِّ الْحَفْرِ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ هُنَا فِي أَثْنَاءِ تَعْلِيلٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الصُّلْحِ عَنْ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ، أَنَّ النَّصَّ إجْبَارُ الْهَادِمِ عَلَى إعَادَتِهِ، وَأَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّهُ يَغْرَمُ أَرْشَهُ؛ لِأَنَّ الْجِدَارَ لَيْسَ مِثْلِيًّا، وَفِي فَتَاوِيهِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى إيجَابِ الْإِعَادَةِ، وَأَنَّهُ الْمَنْصُوصُ، وَالْمَذْهَبُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَوْ اطَّلَعَ عَلَى نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ لَقَالَ: إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ لِمُوَافَقَتِهِ الْقِيَاسَ، وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: الْجِدَارُ مُتَقَوِّمٌ بِلَا نِزَاعٍ، وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ النَّصِّ إجْبَارُهُ عَلَى الْبِنَاءِ مَعَ شَرِيكِهِ إذْ النَّصُّ إنَّمَا هُوَ فِي الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ (وَخِرَقَ الثَّوْبِ) الَّذِي مَزَّقَهُ (بِأَرْشِ النَّقْصِ رَدْ) أَيْ: رَدَّهَا مَعَ أَرْشِ نَقْصِ الثَّوْبِ

(وَ) رَدَّ (سَاجَةً) وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ الْخَشَبِ غَصَبَهَا ثُمَّ (أَدْرَجَ) أَيْ: أَدْرَجَهَا (فِي الْبَنَّا) وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى هَدْمِ بِنَائِهِ الَّذِي أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَمْوَالًا عَظِيمَةً إلَّا أَنْ تَتَعَفَّنَ بِحَيْثُ لَوْ أُخْرِجَتْ لَمْ يَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ، فَهِيَ مُسْتَهْلَكَةٌ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا (وَ) كَذَا لَوْ أَدْرَجَهَا (فِي سَفِينَةٍ) لَزِمَهُ رَدُّهَا (هَذَا إذَا لَمْ يَخَفْ) مِنْ نَزْعِهَا (مُحْتَرَمًا) أَيْ: تَلَفَهُ فَإِنْ خِيفَ مِنْهُ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ، وَخِيفَ مِنْهُ تَلَفُ مُحْتَرَمٍ مِنْ نَفْسٍ، أَوْ طَرَفٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ، أَوْ مَالٍ فَلَا رَدَّ حِينَئِذٍ، وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمِ غَيْرُهُ كَالْحَرْبِيِّ وَمَالِهِ وَاسْتَثْنَى مِنْ الْمُحْتَرَمِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (لَيْسَ بِمَالِ مَنْ ظَلَمْ) أَيْ: غَصَبَ السَّاجَةَ، وَأَدْرَجَهَا فِي السَّفِينَةِ فَلَا يَمْنَعُ لُزُومَ رَدِّهَا خَوْفُ تَلَفِ مَالِهِ بِنَزْعِهَا، كَمَا فِي هَدْمِ الْبِنَاءِ لِرَدِّهَا، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْإِمَامُ

ــ

[حاشية العبادي]

مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَمَا قِيلَ) كَأَنَّ مَعْنَى هَذَا الْقِيلِ تَخْصِيصُهُ مَا قَبْلَ قَوْلِهِ: أَوْ خَطَرًا إلَخْ بِغَيْرِ حَفْرِ الْبِئْرِ فَلَا يَكُونُ مَا عَدَا نَفْيِ ضَمَانِ التَّرَدِّي مِنْ الْأَغْرَاضِ مَذْكُورًا فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ، وَوَجْهُ النَّظَرِ حِينَئِذٍ مَنْعُ هَذَا التَّخْصِيصِ بَلْ قَوْلُهُ: تُرَابُ الْأَرْضِ شَامِلٌ لِمَا حَصَلَ بِحَفْرِ الْبِئْرِ، فَيَكُونُ بَقِيَّةُ الْأَغْرَاضِ الدَّاخِلَةِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: إذْ لَا غَرَضَ جَارِيَةً فِي حَفْرِ الْبِئْرِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ سم

(قَوْلُهُ: الْحَاصِلَةُ فِي الْأَرْضِ) وَإِنْ احْتَاجَ فِي تَسْوِيَتِهَا إلَى تُرَابٍ آخَرَ لَزِمَهُ

(قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ: أَنَّهُ لَا يُفِيدُ مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ اعْتَمَدَهُ م ر (قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ النَّصِّ إخْبَارُهُ إلَخْ) أَيْ: هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ فِي الشَّرِيكِ (قَوْلُهُ: وَخَرْقُ الثَّوْبِ) لَوْ لَمْ يَبْقَ لِذَلِكَ الْخَرْقِ قِيمَةٌ مُطْلَقًا فَهَلْ يَجِبُ رَدُّهَا مَعَ الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ؟ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ رَدُّ الْخَمْرِ مَعَ بَدَلِ الْعَصِيرِ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْوَجْهُ الْوُجُوبُ

(قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ) اقْتَضَى كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّ الْقِيمَةَ التَّافِهَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِرّ (قَوْلُهُ: فَهِيَ مُسْتَهْلَكَةٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ السَّبَبَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الرَّدِّ لَيْسَ مُجَرَّدُ أَنَّهَا مُسْتَهْلَكَةٌ بَلْ ذَلِكَ مَعَ لُزُومِ تَلَفِ مَا عَلَيْهَا مِنْ الْبِنَاءِ لَوْ أُخْرِجَتْ، وَإِلَّا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا بِنَاءٌ، فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الرَّدِّ، وَإِنْ اُسْتُهْلِكَتْ مَعَ الْبَدَلِ إنْ لَمْ يَبْقَ لَهَا قِيمَةٌ، وَإِلَّا فَمَعَ أَرْشِ النَّقْصِ

(قَوْلُهُ: فَهِيَ مُسْتَهْلَكَةٌ إلَخْ) لَعَلَّ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمَانِعُ مِنْ وُجُوبِ رَدِّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَإِلَّا فَكَانَ الْقِيَاسُ وُجُوبَ رَدِّهَا هُنَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا عَيْنُ حَقِّهِ، وَيُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ (قَوْلُهُ: مُحْتَرَمًا) هَلْ مِنْ الْمُحْتَرَمِ مَالُ الْمُرْتَدِّ؟ ؛ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ، وَوُجُوبُ الْإِنْفَاقِ مِنْهُ عَلَى مُمَوَّنِهِ الْمُحْتَرَمِ، وَكَوْنُهُ يَئُولُ لِلْمُسْلِمِينَ إنْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ (قَوْلُهُ: كَالْحَرْبِيِّ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ خِيفَ تَلَفُهُ عَلَى وَجْهٍ فِيهِ تَعْذِيبٌ فَلْيُنْظَرْ

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ: فَشَبَّهَ ذَلِكَ بِذَوَاتِ الْأَمْثَالِ إلَخْ) فَمَا يُشْبِهُ ذَوَاتَ الْأَمْثَالِ يَجِبُ إعَادَتُهُ، وَمَا لَا يَجِبُ أَرْشُ نَقْصِهِ عَلَى قِيَاسِ وُجُوبِ الْمِثْلِ، أَوْ الْقِيمَةِ فِي التَّالِفِ (قَوْلُهُ: كَانَ كَطَمِّ الْحَفْرِ) أَيْ: تَنْزِيلًا لِتَمَاثُلِ التَّالِفِ مَنْزِلَةَ تَمَاثُلِ الْمِثْلِيَّاتِ، وَمِثْلُ هَذَا مَا لَوْ رَفَعَ خَشَبَةً مِنْ جِدَارِهِ أَوْ حَجَرًا مِنْ بَيْنِ أَحْجَارِهِ نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَقَالَ: إنَّهُ وَاضِحٌ اهـ نَاشِرِيٌّ

(قَوْلُهُ: لَيْسَ مِثْلِيًّا) أَيْ: لَا يُشْبِهُ الْمِثْلِيَّ بِخِلَافِ مَا يُشْبِهُهُ فَتَجِبُ إعَادَتُهُ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَخَرْقُ الثَّوْبِ إلَخْ) وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّفَّا؛ لِأَنَّ الرَّفَا لَا يُعِيدُ الْمَغْصُوبَ كَمَا كَانَ بِخِلَافِ رَدِّ التُّرَابِ اهـ ق ل بِزِيَادَةِ الْفَرْقِ

(قَوْلُهُ: فَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا) اُنْظُرْهُ مَعَ أَنَّ الْخَشَبَ مِثْلِيٌّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: ذَلِكَ عِنْدَ فَقْدِ الْمِثْلِ اهـ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهَا قِيمَةٌ فَهِيَ هَالِكَةٌ، فَيَلْزَمُهُ مِثْلُهَا فَإِنْ تَعَذَّرَ فَقِيمَتُهَا (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَخَفْ إلَخْ) رَاجِعٌ لِلْبِنَاءِ، وَالسَّفِينَةِ عَلَى خِلَافِ صَنِيعِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: مُحْتَرَمًا) وَلَوْ الْغَاصِبَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِمَالِ مَنْ ظَلَمَ) أَيْ: غَصَبَ إلَخْ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: وَإِنْ خِيفَ مِنْ النَّزْعِ هَلَاكُ مَالٍ، أَمَّا السَّفِينَةُ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَإِنْ كَانَ لِلْغَاصِبِ، أَوْ مَنْ وَضَعَ مَالَهُ فِيهَا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهَا لَوْحًا مَغْصُوبًا فَفِي نَزْعِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ النَّزْعُ كَمَا يُهْدَمُ الْبِنَاءُ لِرَدِّ الْخَشَبَةِ، وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِ لَا يُنْزَعُ؛ لِأَنَّ السَّفِينَةَ لَا تَدُومُ فِي الْبَحْرِ، فَيَسْهُلُ الصَّبْرُ إلَى الشَّطِّ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِمَا لَمْ يُنْزَعْ قَطْعًا اهـ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ ظَلَمَ الْغَاصِبُ، وَمَنْ وَضَعَ مَالَهُ فِيهَا عَالِمًا الْغَصْبُ، وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ الْغَاصِبُ أَيْضًا، فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ غَصَبَ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَالِ السَّفِينَةُ، أَوْ غَيْرُهَا، وَأَنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ: بِذَلِكَ فِي الْبِنَاءِ أَيْضًا، فَيُهْدَمُ عِنْدَهُ، وَإِنْ لَزِمَ تَلَفُ مَالِ آخَرَ وُضِعَ فِي الْبِنَاءِ لِلْغَاصِبِ، أَوْ لِمَنْ عَلِمَ غَصْبَهُ، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا تُنْزَعُ إلَّا إنْ لَزِمَ تَلَفُ مَالِ غَيْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>