النَّظْمِ وَأَصْلِهِ، وَمِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ التَّقْيِيدُ بِعَدَمِ احْتِمَالِ السَّلَامَةِ، لَكِنْ يَلْزَمُهُمَا أَنَّ صَيْرُورَةَ الْمَغْصُوبِ هَرِيسَةً بِنَفْسِهِ لَا تَكُونُ هَلَاكًا، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ سَارِيَةً كَتَمْزِيقِ الثَّوْبِ فَقَدْ مَرَّ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ الْخَلْطِ أَنَّ خَلْطَ الدَّرَاهِمِ بِمِثْلِهَا بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ هَلَاكٌ، لَكِنْ جَزَمَ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ، وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّ كُلَّ دِرْهَمٍ مُتَمَيِّزٌ فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ الزَّيْتِ وَنَحْوِهِ انْتَهَى، وَفَرْقُهُ مُنْتَقِضٌ بِالْحُبُوبِ أَمَّا لَوْ غَصَبَ مِنْ اثْنَيْنِ زَيْتًا، أَوْ نَحْوَهُ، وَخَلَطَهُ، فَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَا يَكُونُ كَالْهَالِكِ ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ حَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا غَصَبَ دَرَاهِمَ مِنْ اثْنَيْنِ، وَخَلَطَهَا أَحَدُهُمَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، وَالثَّانِي يَتَخَيَّرُ إنْ بَيَّنَ الْقِسْمَةَ، وَالْمُطَالَبَةَ بِالْمِثْلِ (لَا خَلْطَ بُرٍّ بِشَعِيرٍ) فَإِنَّهُ لَيْسَ هَلَاكًا لِإِمْكَانِ تَمْيِيزِهِ، وَإِنْ عَسَرَ
(وَضَمِنْ آخِذُهُ) أَيْ: الْمَغْصُوبَ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْغَاصِبِ بِشِرَاءٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ جَهِلَ الْغَصْبَ، وَكَانَ أَمِينًا كَالْمُودِعِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ يَدَهُ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا لَكِنَّهُ لَا يُطَالِبُ الْآخِذَ بِزَائِدِ الْقِيمَةِ الَّذِي كَانَ بِيَدِ الْغَاصِبِ، ثُمَّ زَالَ قَبْلَ الْأَخْذِ، وَيُسْتَثْنَى مِمَّا قَالَهُ الْحَاكِمُ وَأَمِينُهُ: لِأَنَّهُمَا نَائِبَانِ عَنْ الْمَالِكِ، وَمَنْ انْتَزَعَهُ لِيَرُدَّهُ لِمَالِكِهِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: لَا يَكُونُ هَلَاكًا) اعْتَمَدَهُ م ر
(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ الْخَلْطِ أَنَّ خَلْطَ الدَّرَاهِمِ بِمِثْلِهَا بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ هَلَاكٌ) أَيْ: فَيَمْلِكُهَا الْغَاصِبُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَعَ مِلْكِهِ الْمَذْكُورِ يَحْجُرُ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ مِثْلَهُ لِمَالِكِهِ، وَيَكْفِي كَمَا فِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ أَنْ يُعْزَلَ مِنْ الْمَخْلُوطِ أَيْ: بِغَيْرِ الْأَرْدَأِ قَدْرُ حَقِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَيَتَصَرَّفُ فِي الْبَاقِي، وَقَوْلُهُ: وَمَعَ مِلْكِهِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيهِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْحَجْرَ فِي الْقَدْرِ الْمَغْصُوبِ الَّذِي مَلَّكْنَاهُ إيَّاهُ لَا فِي قَدْرِ مِلْكِهِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي خَلَطَهُ بِهِ أَيْضًا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ يُصَرِّحُ بِهِ مَا ذُكِرَ عَنْ فَتَاوَى النَّوَوِيِّ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ) هَذَا اعْتَمَدَهُ م ر قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَلَوْ غَصَبَ وَرَقًا وَكَتَبَ عَلَيْهِ قُرْآنًا أَوْ غَيْرَهُ كَانَ كَالْهَالِكِ؛ لِأَنَّهُ: لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بِحَالِهِ كَذَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ كَالصَّبْغِ فِيمَا مَرَّ اهـ وَبِمَا عَلَّلَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ يَتَّضِحُ دَعْوَى الْهَلَاكِ فِيمَا لَوْ غَصَبَ عَسَلًا، وَدَقِيقًا وَصَنَعَهُ حَلْوَى، أَوْ عَسَلًا وَحْدَهُ وَطَبَخَهُ حَلْوَى كَأَنْ جَعَلَهُ عَقِيدًا فَلَا يُقَالُ: أَنَّهُ لَا هَلَاكَ لِأَنَّ الْحَلْوَى لَا يَسْرِي التَّلَفُ إلَيْهَا عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ السَّرَيَانِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَغَيَّرُ وَيَتَعَفَّنُ بِطُولِ الزَّمَانِ وَلَا يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ شَاةً، وَذَبَحَهَا رَدَّهَا مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ مَعَ أَنَّ اللَّحْمَ يَفْسُدُ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ بِحَالِهَا وَلَمْ يَزُلْ مِنْهَا إلَّا مَعْنًى وَهُوَ الْحَيَاةُ، وَلَوْ غَصَبَ حَبًّا وَطَحَنَهُ رَدَّهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْهَرِيسَةِ بِأَنْ يُقَالَ: الدَّقِيقُ يَتْلَفُ بِطُولِ الزَّمَانِ أَوْ يَتَغَيَّرُ؛ لِأَنَّ تَلَفَهُ أَوْ تَغَيُّرَهُ لَيْسَ مَنْشَؤُهُ هَذَا الْفِعْلَ وَلَا بُدَّ بِدَلِيلِ أَنَّ أَصْلَهُ، وَهُوَ الْحَبُّ يَتْلَفُ، أَوْ يَتَغَيَّرُ بِطُولِ الزَّمَانِ فَلْيُتَأَمَّلْ، هَذَا وَقَدْ يَشْكُلُ عَلَى إطْلَاقِ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ أَيْ: تَعْلِيلِ ابْنِ الصَّبَّاغِ بِفَرْخِ الْبَيْضِ، وَنَبَاتِ الْحَبِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَانْظُرْ مَا لَوْ جَعَلَ الْقَصَبَ عَسَلًا أَوْ الْعَسَلَ سُكَّرًا
(قَوْلُهُ: فَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر
[حاشية الشربيني]
عَفَنِهِ بِطُولِ مُكْثِهِ، وَقَوْلِهِ: وَمِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَيْ: قَوْلِهِ: لِاحْتِمَالِ الْبُرْءِ (قَوْلُهُ: يَلْزَمُهُمَا إلَخْ) اللُّزُومُ لِلْغَزَالِيِّ ظَاهِرٌ وَلِلْإِمَامِ لِمُوَافَقَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ الْغَاصِبُ فِعْلًا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: وَمِنْ ذَلِكَ عَفَنُ الْبُرِّ بِبَلِّهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مَا لَوْ غَصَبَ مِنْ اثْنَيْنِ إلَخْ) بِخِلَافِ مَا لَوْ غَصَبَ مِنْ اثْنَيْنِ حَبًّا، وَجَعَلَهُ هَرِيسَةً فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ وَيَنْتَقِلُ الْبَدَلُ إلَى ذِمَّتِهِ كَمَا قَالَهُ م ر، فَالْحَاصِلُ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر أَنَّهُ إذَا خَلَطَ الْغَاصِبُ مَالَ اثْنَيْنِ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا إذَا فَعَلَ بِهِ مَا يَسْرِي إلَى التَّلَفِ، وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا يَسْرِي إلَى التَّلَفِ فَلَا بُدَّ فِي مِلْكِهِ لَهُ مِنْ فِعْلٍ مِنْهُ كَأَنْ يَخْلِطَهُ هُوَ، أَوْ وَكِيلُهُ، وَأَنْ يَخْلِطَهُ بِمَالِهِ
(قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهُ) وَإِنَّمَا مَلَكَهُ فِيمَا إذَا خَلَطَهُ بِمَالِ نَفْسِهِ تَبَعًا لِمِلْكِهِ وَلَا تَبَعِيَّةَ هُنَا اهـ شَرْحٌ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ كَالْهَالِكِ) أَيْ: بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَالِكَيْنِ فَإِنْ كَانَ رِبَوِيًّا، وَاسْتَوَيَا قِيمَةً قُسِّمَ بِقَدْرِ كَيْلِهِمَا، أَوْ وَزْنِهِمَا فَإِنْ اخْتَلَفَا قِيمَةً بِيعَا وَقُسِّمَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ قِيمَتَيْهِمَا، وَلَا يَجُوزُ قِسْمَتُهُ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ لِلرِّبَا اهـ تُحْفَةٌ بِبَعْضِ تَغْيِيرٍ فِي الْعِبَارَةِ
(قَوْلُهُ: وَضَمِنَ آخِذُهُ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا ضَمَانُ غَصْبٍ، وَإِنْ جَهِلَ، وَكَانَتْ يَدُهُ أَمِينَةً فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يُتْلِفْهُ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ جَهِلَ إلَخْ أَيْ: لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالضَّمَانِ هُنَا مَا يَشْمَلُ كَوْنَهُ طَرِيقًا فِيهِ (قَوْلُهُ: لَا يُطَالِبُ الْآخِذَ) بَلْ يُطَالِبُ بِهِ الْغَاصِبَ شَرْحٌ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِمَّا قَالَهُ الْحَاكِمُ إلَخْ) فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِمَا مَا أَخَذَاهُ مِنْ الْغَاصِبِ لَمْ يَضْمَنَاهُ، وَضَمِنَهُ الْغَاصِبُ إنْ كَانَ هُمَا الطَّالِبَانِ لَهُ، أَمَّا لَوْ رَدَّهُ الْغَاصِبُ لَهُمَا فَيَنْبَغِي بَرَاءَتُهُ لِقِيَامِهِمَا مَقَامَ الْمَالِكِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ اهـ حَاشِيَةُ الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: الْحَاكِمُ وَأَمِينُهُ) أَيْ: إنْ أَخَذَاهُ لِمَصْلَحَةٍ لِجَوَازِ الْأَخْذِ لَهَا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْأَخْذُ إذَا عَلِمَا ضَيَاعَهُ عَلَى مَالِكِهِ بِعَدَمِ الْأَخْذِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: وَمَنْ انْتَزَعَهُ لِيَرُدَّهُ إلَخْ) أَيْ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ، وَهُوَ الْغَاصِبُ الَّذِي انْتَزَعَ هُوَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ أَيْ: لَا يُطَالَبُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَ ضَمَانِ الْغَاصِبِ الْتِزَامُهُ لِلْأَحْكَامِ؛ وَلِأَنَّ عَبْدَ الْمَالِكِ لَا يَضْمَنُ لِسَيِّدِهِ شَيْئًا إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِسَيِّدِهِ شَيْءٌ، وَعِبَارَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute