الْبَدَلَ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمَالِكِ إلَّا بِقَبْضٍ مِنْهُ، وَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْنَافِ الْقِرَاضِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ يَجْرِي بِعَيْنِهِ فِي إتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ.
قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ هُوَ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ يُونُسَ لَكِنْ الْقَاضِي قَالَ بِمَا قَالَ بِهِ الْإِمَامُ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ لَهُ الْفَسْخَ، فَجَعَلَ إتْلَافَهُ فَسْخًا كَالْمَالِكِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، وَنَقَضَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَسْخَ الْبَيْعِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَيْسَ إتْلَافُهُ فَسْخًا، وَيُجَابُ بِأَنَّ وَضْعَ الْبَيْعِ عَلَى اللُّزُومِ فَلَمْ يَكُنْ إتْلَافُ الْمَبِيعِ فَسْخًا بِخِلَافِ الْقِرَاضِ، وَالتَّلَفِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَإِتْلَافِ الْمَالِكِ، وَلَوْ كَاتَبَا عَبْدَ الْقِرَاضِ بَقِيَ الْقِرَاضُ فِي النُّجُومِ، وَإِذَا عَتَقَ فَوَلَاؤُهُ لِلْمَالِكِ إنْ لَمْ يَكُنْ رَبِحَ، وَإِلَّا فَبَيْنَهُمَا بِقَدْرِ نَصِيبِهِمَا، وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُكَاتِبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. وَقَالَ الْقَمُولِيُّ: لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِكِتَابَتِهِ، وَلَوْ طَحَنَ الْعَامِلُ حِنْطَةَ الْقِرَاضِ بَقِيَ الْقِرَاضُ فِي الدَّقِيقِ إلْحَاقًا لَهُ بِمَا إذَا زَادَ عَبْدُ الْقِرَاضِ بِكِبَرٍ، أَوْ سِمَنٍ، وَقِيَاسُهُ إلْحَاقُ طَحْنِ الْمَالِكِ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ وَطِئَ الْعَامِلُ جَارِيَةَ الْقِرَاضِ حُدَّ إنْ لَمْ يَكُنْ رَبِحَ، وَعَلِمَ التَّحْرِيمَ، وَإِلَّا فَلَا حَدَّ، وَلَزِمَهُ الْمَهْرُ لِلْقِرَاضِ فَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالظُّهُورِ، وَوَطْءُ الْمَالِكِ لَهَا مُمْتَنِعٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَبِحَ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الرِّبْحِ إنَّمَا يُعْلَمُ بِالتَّنْضِيضِ، فَلَوْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ: وَيَكُونُ مُسْتَرِدًّا مِقْدَارَ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى مَنْعِهِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّلَفِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ) لَعَلَّهُ مُصَوَّرٌ رُبَّمَا إذَا وَقَعَ التَّلَفُ بِهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ لَا يُقَالُ: لَا تَفْرِيطَ مِنْ الْمَالِكِ فَلَا يَضْمَنُ حِصَّةَ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ: لَيْسَ نَائِبَ الْعَامِلِ وَلَا أَمِينَهُ حَتَّى يَنْتَفِيَ عَنْهُ الضَّمَانُ فَلْيُتَأَمَّلْ سم. (قَوْلُهُ: بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ) وَكَذَا بِإِتْلَافِ مَنْ لَا يَضْمَنُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْقَمُولِيُّ: وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا إلَخْ) شَامِلٌ لِلْمَالِكِ، وَقَدْ يَشْكُلُ عَلَى نُفُوذِ إعْتَاقِهِ، وَإِنْ كَانَ رِبْحٌ غَايَةٌ الْأَمْرِ أَنْ تَسْتَقِرَّ حِصَّةُ الْعَامِلِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ النَّاجِزِ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: إذْ يَهْلِكُ مَا يُفِيدُ نُفُوذَ إيلَادِهِ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رِبْحٌ. (قَوْلُهُ: وَلَزِمَهُ الْمَهْرُ لِلْقِرَاضِ) لِأَنَّهُ: رُبَّمَا يَقَعُ خُسْرَانٌ، فَيَحْتَاجُ إلَى الْجَبْرِ وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ الْإِمَامِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ مَهْرَ الْإِمَاءِ يَخْتَصُّ بِهِ الْمَالِكُ كَمَا سَيَأْتِي نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَزِمَهُ الْمَهْرُ) هَلْ يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ الْمُنْعَقِدِ حُرًّا لِلْقِرَاضِ أَيْضًا أَوْ لِلْمَالِكِ؟ ، وَيُفَرَّقُ بِنَحْوِ أَنَّ الْمَهْرَ لَازِمٌ لِلْوَطْءِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ فِيهِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ: لِلْقِرَاضِ) اعْتَمَدَهُ م ر.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ انْتِفَاءَ الرِّبْحِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَاسْتُشْكِلَتْ الْعِلَّةُ بِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْعَامِلَ لَوْ وَطِئَ وَلَا رِبْحَ حُدَّ إنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهَا تَقْتَضِي عَدَمَ الْحَدِّ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِعَدَمِ الْحَدِّ عِنْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ إنَّمَا هُوَ شُبْهَةُ الْمِلْكِ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ؛ لِانْتِفَاءِ ظُهُورِ الرِّبْحِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ: وَلَيْسَ وَطْءُ الْمَالِكِ فَسْخًا وَلَا مُوجِبًا مَهْرًا. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَلَا حَدًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ، وَتَرْجِيحُ عَدَمِ إيجَابِ الْمَهْرِ مِنْ زِيَادَتِهِ. اهـ. وَقَوْلُ الرَّوْضِ وَلَا مُوجِبًا مَهْرًا ظَاهِرٌ فِيمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ
[حاشية الشربيني]
كَمَا فِي التُّحْفَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مَالَ قِرَاضٍ قَبْلَ أَخْذِهِ، وَقَبْضِهِ كَمَا كَانَ بَدَلُ الْمَرْهُونِ رَهْنًا فِي ذِمَّةِ الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ أَضْعَفُ لِجَوَازِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. اهـ سم عَلَى التُّحْفَةِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْعَامِلُ) أَيْ: بِشَرْطِ أَنْ يَقْبِضَ الْمَالِكُ الْبَدَلَ ثُمَّ يَرُدَّهُ إلَيْهِ لِئَلَّا يَتَّحِدَ الْقَابِضُ وَالْمُقْبِضُ. اهـ م ر وَع ش مَعْنًى، ثُمَّ إنَّ بَقَاءَ الْعَقْدِ فِي الْبَدَلِ فِي إتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْعَامِلِ إنَّمَا هُوَ إذَا أَتْلَفَهُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ أَمَّا قَبْلَهُ، فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْعَامِلِ كَذَا فِي سم عَلَى الْغَايَةِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْبَدَلَ إلَخْ) نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ عَلَّلَ أَيْضًا بِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُ الْجُبْرَانِ بِالضَّمَانِ وَالْجُبْرَانِ بِالرِّبْحِ لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ لَا يَتِمُّ عِنْدِي فَلْيُتَأَمَّلْ، وَلَعَلَّ عَدَمَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَخَذَ الْبَدَلَ، فَالْجُبْرَانُ بِالضَّمَانِ فَقَطْ، وَالرِّبْحِ إنْ أَتْلَفَ أَيْضًا وَأَخَذَ فَإِنَّمَا يُؤْخَذُ؛ لِأَنَّهُ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ إنْ حَصَلَ نَقْصٌ بَعْدَ ذَلِكَ جُبِرَ بِهِ، وَإِلَّا اقْتَسَمَاهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ) إشَارَةً إلَى مَنْعِهِ بِجَوَازِ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمَالِكِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا فِي بَدَلِ الْمَرْهُونِ الْمُتْلَفِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ رَهْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُتْلِفِ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مِلْكِ الْمَالِكِ لَهُ.
(قَوْلُهُ: فَجُعِلَ إتْلَافُهُ فَسْخًا كَالْمَالِكِ) يُرَدُّ بِأَنَّ فِي إتْلَافِهِ بَدَلًا قَائِمًا مَقَامَ الْمُبْدَلِ فَلَمْ يَتَضَمَّنْ الْفَسْخَ بِخِلَافِ إتْلَافِ الْمَالِكِ. اهـ. ش الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ. (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ رِبْحٌ) وَالرِّبْحُ هُوَ مَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ مِنْ النُّجُومِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. (قَوْلُهُ: كَذَا فِي الرَّوْضَةِ) عِبَارَتُهَا هَكَذَا وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَ الْقِرَاضِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ، فَإِنْ كَاتَبَاهُ مَعًا جَازَ. اهـ. ثُمَّ إنَّ صِحَّةَ مُكَاتَبَةِ الْعَامِلِ لَعَلَّهَا؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا مُؤَكَّدًا بِالظُّهُورِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ بِهِ مَعَ تَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْعِتْقِ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا إلَخْ) وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ تَزْوِيجُ أَمَةِ الْقِرَاضِ إلَّا بِإِذْنِ الْعَامِلِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْقَمُولِيُّ إلَخْ) يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ لِلْفَرْقِ بَيْنَ بَيْعِ الْمَالِكِ مَالَ الْقِرَاضِ حَيْثُ صَحَّ بِغَيْرِ إذْنِ الْعَامِلِ وَبَيْنَ مُكَاتَبَتِهِ. (قَوْلُهُ: لِلْقِرَاضِ) اعْتَمَدَهُ م ر كَوَالِدِهِ لِأَنَّهُ فَائِدَةٌ عَيْنِيَّةٌ حَصَلَتْ مِنْ الْمَالِ بِفِعْلِ الْعَامِلِ فَكَانَتْ مَالَ قِرَاضٍ كَأَرْبَاحِهِ. اهـ سم عَلَى الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا إلَخْ) وَالْوَلَدُ رَقِيقٌ وَيَكُونُ مَالَ قِرَاضٍ إنْ عُلِمَ التَّحْرِيرُ، وَإِلَّا فَلَا حَدَّ وَالْوَلَدُ حُرُّ نَسِيبٍ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ قَالَ وَالِدُ شَيْخِنَا م ر: تَكُونُ مَالَ قِرَاضٍ أَيْضًا وَخَالَفَهُ وَلَدُهُ فِيهَا، وَمَالَ شَيْخُنَا إلَى الْأَوَّلِ. اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ انْتِفَاءَ الرِّبْحِ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الْعِلَّةُ تُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْعَامِلَ لَوْ وَطِئَ وَلَا رِبْحَ يُحَدُّ إنْ كَانَ عَالِمًا فَإِنَّهَا تَقْتَضِي عَدَمَ الْحَدِّ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُقْتَضَى عَدَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute