للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اللَّبَنُ مَنْفَعَةً لِلْحَاجَةِ؛ إذْ لَوْ مُنِعَتْ لَاحْتِيجَ إلَى شِرَاءِ اللَّبَنِ كُلَّ دَفْعَةً وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الْعَظِيمَةِ كَيْفَ وَالشِّرَاءُ إنَّمَا يُمْكِنُ بَعْدَ الْحَلْبِ وَلَا تَتِمُّ تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ بِاللَّبَنِ الْمَحْلُوبِ؟ وَهَذِهِ بِصُوَرِهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِمَّا عَطَفَهُ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَ) فِي (خَالِصٍ مِنْ مَنْفَعَهْ) وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْضًا اسْتِئْجَارُ بِئْرٍ، أَوْ قَنَاةٍ لِلِانْتِفَاعِ بِمَائِهَا لِتَعَذُّرِ بَيْعِهِ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَاسْتِئْجَارُ الْمَرْأَةِ لِلْإِرْضَاعِ مُطْلَقًا يَتَضَمَّنُ اسْتِيفَاءَ اللَّبَنِ، وَالْحَضَانَةَ الصُّغْرَى وَهِيَ وَضْعُ الطِّفْلِ فِي الْحِجْرِ وَإِلْقَامُهُ الثَّدْيَ وَعَصْرُهُ لَهُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَالْأَصْلُ الَّذِي تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ فِيمَا ذَكَرَ فِعْلُهَا، وَاللَّبَنُ تَابِعٌ كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ النَّظْمِ وَأَصْلِهِ لِتَعَلُّقِ الْأَجْرِ فِي الْآيَةِ بِفِعْلِ الْإِرْضَاعِ لَا بِاللَّبَنِ، وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ مَوْضُوعَةٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْمَنَافِعِ، فَإِذَا اُسْتُحِقَّ بِهَا عَيْنٌ لِضَرُورَةٍ فَهِيَ تَابِعَةٌ كَالْبِئْرِ تُسْتَأْجَرُ لِيُسْقَى مَاؤُهَا، أَمَّا الْحَضَانَةُ الْكُبْرَى وَهِيَ حِفْظُ الطِّفْلِ وَتَعَهُّدُهُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَدَهْنِهِ وَكَحْلِهِ وَرَبْطِهِ فِي الْمَهْدِ وَتَحْرِيكِهِ لِيَنَامَ، وَنَحْوِهَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَلَا يَشْمَلُهَا الْإِرْضَاعُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ النَّصِّ عَلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي. وَدَخَلَ فِي الْمَرْأَةِ الصَّغِيرَةُ فَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُهَا لِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى طَهَارَةِ لَبَنِهَا. وَفِي مَعْنَاهَا الرَّجُلُ فِيمَا يَظْهَرُ وَخَرَجَ بِهَا الْبَهِيمَةُ كَاسْتِئْجَارِ الشَّاةِ لِإِرْضَاعِ السَّخْلَةِ فَلَا يَصِحُّ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ وَبِخَالِصِ الْمَنْفَعَةِ نَحْوُ اسْتِئْجَارِ الشَّاةِ لِلَبَنِهَا، أَوْ نِتَاجِهَا، أَوْ صُوفِهَا؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُمْلَكُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَإِنَّمَا صَحَّتْ فِي الصُّوَرِ السَّابِقَةِ لِلْحَاجَةِ. وَالْمُرَادُ بِالْمَنْفَعَةِ الْمَنْفَعَةُ الْحَالِيَّةُ فَلَا يَصِحُّ اكْتِرَاءُ الْجَحْشِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْإِجَارَةِ عَلَى تَعْجِيلِ الْمَنَافِعِ.

ثُمَّ وَصَفَ الْمَنْفَعَةَ بِصِفَاتٍ أُخَرَ وَعَقَّبَهَا بِذِكْرِ مَا يَخْرُجُ بِهَا فَقَالَ: (مَقْدُورَةِ التَّسْلِيمِ شَرْعًا) وَحِسًّا كَمَا فِي الْبَيْعِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ أَعْمَى لِلْحِفْظِ وَلَا آبِقٍ وَمَغْصُوبٍ، وَغَيْرِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي (قُوِّمَتْ) لِيُحْسِنَ بَذْلَ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهَا فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ تُفَّاحَةٍ لِلشَّمِّ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْصَدُ لَهُ فَهِيَ كَحَبَّةِ بُرٍّ فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ كَثُرَ التُّفَّاحُ فَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى جَوَازِ اسْتِئْجَارِ الْمِسْكِ، وَالرَّيَاحِينِ لِلشَّمِّ وَمِنْ التُّفَّاحِ مَا هُوَ أَطْيَبُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الرَّيَاحِينِ قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَفَرَّقَ فِي الْمُهِمَّاتِ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمِسْكِ، وَالرَّيَاحِينِ الشَّمُّ وَمِنْ التُّفَّاحِ الْأَكْلُ دُونَ الرَّائِحَةِ. (وَحَصَلَتْ لِمُكْتَرٍ) لَا لِلْمُكْرِي لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْعِوَضَانِ فِي مِلْكِ وَاحِدٍ، فَلَوْ قَالَ: اكْتَرَيْت دَابَّتَك لِتَرْكَبَهَا بِمِائَةٍ لَمْ يَصِحَّ (وَعُلِمَتْ) عَيْنًا، وَصِفَةً، وَقَدْرًا كَمَا فِي الْبَيْعِ فَلَا يَصِحُّ إيجَارُ

ــ

[حاشية العبادي]

فِعْلُهَا، وَهُوَ الْحَضَانَةُ الصُّغْرَى، وَاللَّبَنُ يُسْتَحَقُّ تَبَعًا فَلَا يُحْتَاجُ لِاسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ كَلَامَهُ عَلَى مَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِلْإِرْضَاعِ وَنَفَى الْحَضَانَةَ الصُّغْرَى فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى عَيْنِ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ وَكَتَبَ أَيْضًا ظَاهِرٌ فِي نَفْيِ الصُّغْرَى وَكَلَامِ الرَّوْضَةِ صَرِيحٌ فِيهِ، لَكِنْ وَصَفَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ الْحَضَانَةَ فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ نَفَى الْحَضَانَةَ جَازَ بِقَوْلِهِ الْكُبْرَى. (قَوْلُهُ: النَّظْمِ وَأَصْلِهِ) أَيْ: إنَّ قَوْلَهُ: فِي أَنْ تُرْضِعَهُ يُفِيدُ كَوْنَ مَوْرِدِ الْعَقْدِ الْإِرْضَاعَ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ.

(قَوْلُهُ: لِإِرْضَاعِ السَّخْلَةِ، أَوْ الطِّفْلِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: قَالَ يَعْنِي الْبُلْقِينِيَّ بِخِلَافِ اسْتِئْجَارِ الْمَرْأَةِ لِارْتِضَاعِ السَّخْلَةِ فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِلْحِفْظِ) أَيْ: الْمُحْتَاجِ لِلْبَصَرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِالْبَصَرِ. (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ: فَتَرْكُ قَوْلِهِ وَحِسًّا اخْتِصَارًا لِفَهْمِهِ مِمَّا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَمِنْ التُّفَّاحِ الْأَكْلُ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَكَوْنُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ الْأَكْلَ دُونَ الرَّائِحَةِ لَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: لِتَرْكَبَهَا) أَيْ: أَنْتَ

ــ

[حاشية الشربيني]

أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ قَرْضُهُ. اهـ. ح ل عَلَى الْمَنْهَجِ وَعِبَارَةُ سم عَلَى الْمَنْهَجِ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ قَرْضُ شِقْصٍ مِنْ عَقَارٍ بِشَرْطِ كَوْنِهِ النِّصْفَ فَأَقَلَّ وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ إجَارَةُ شِقْصٍ مِنْ عَقَارٍ إجَارَةَ ذِمَّةٍ، إذَا كَانَ نِصْفُهُ فَأَقَلَّ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ. اهـ. م ر.

(قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ) ؛ لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ لَا تَنْقَادُ بِطَبْعِهَا لِلْإِرْضَاعِ. اهـ. سم عَلَى حَجَرٍ أَيْ: فَلَيْسَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ وَانْظُرْ مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ فَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِذَبْحِهَا، وَرَدَ عَلَيْهِ صِحَّةُ اسْتِئْجَارِ الْمَرْأَةِ لِإِرْضَاعِ السَّخْلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْغَالِبِ وَاقْتَصَرَ ق ل فِي التَّعْلِيلِ عَلَى عَدَمِ قُدْرَةِ التَّسْلِيمِ.

(قَوْلُهُ: لِلْحَاجَةِ) لَا دَاعِيَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ إنَّمَا اُسْتُحِقَّ بِهَا الْفِعْلُ، وَالْعَيْنُ تَابِعَةٌ. (قَوْلُهُ: الْمَنْفَعَةُ الْحَالِيَّةُ) جَوَّزَهَا الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ: شَرْعًا) فَلَا يَصِحُّ مَا لَيْسَ بِمَقْدُورٍ شَرْعًا كَإِيجَارِ أَبْنِيَةٍ مِنًى لِعَجْزِ مَالِكِهَا عَنْ تَسْلِيمِهَا شَرْعًا؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةُ الْإِزَالَةِ حَجَرٌ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ أَعْمَى إلَخْ) هَذَا أَمْثِلَةٌ لِغَيْرِ الْمَقْدُورِ حِسًّا. (قَوْلُهُ: لِلْحِفْظِ) أَيْ: بِالْبَصَرِ، وَالْإِجَارَةِ عَلَى عَيْنِهِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

(قَوْلُهُ: وَمَغْصُوبٍ) أَيْ: لِغَيْرِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ، وَلَا يَقْدِرُ هُوَ، أَوْ الْمُؤَجِّرُ عَلَى انْتِزَاعِهِ عَقِبَ الْعَقْدِ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ حَجَرٌ. (قَوْلُهُ: وَحَصَلَتْ لِمُكْتَرٍ) أَيْ: أَوْ لِمُوَكِّلِهِ، أَوْ مُوَلِّيهِ وَخَرَجَ بِهِ مَا لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ كَالصَّلَاةِ، وَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: فَلَوْ قَالَ إلَخْ. اهـ. رَشِيدِيٌّ بِزِيَادَةٍ. (قَوْلُهُ: عَيْنًا) أَيْ: فِي إجَارَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>