للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطَّرِيقَانِ كَأَنْ اكْتَرَى شَخْصًا لِيَخِيطَ لَهُ شَهْرًا خِيَاطَةً مَوْصُوفَةً، أَوْ لِيَخِيطَ لَهُ هَذَا الثَّوْبَ، أَوْ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَتَرَدَّدَ عَلَيْهَا فِي حَوَائِجِهِ الْيَوْمَ مَثَلًا، أَوْ لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَأَيُّهُمَا كَانَ كَفَى، وَقَدْ يَتَعَيَّنُ التَّقْدِيرُ بِالْوَقْتِ كَمَا فِي الْعَقَارِ، وَالْإِرْضَاعِ؛ إذْ مَنَافِعُ الْعَقَارِ وَتَقْدِيرُ اللَّبَنِ إنَّمَا يُضْبَطُ بِالْوَقْتِ وَكَمَا فِي الِاكْتِحَالِ، فَإِنَّ قَدْرَ الدَّوَاءِ لَا يَنْضَبِطُ وَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَكَمَا فِي التَّطْيِينِ، وَالتَّجْصِيصِ فَإِنَّ سُمْكَهُمَا لَا يَنْضَبِطُ رِقَّةً وَثِخَنًا (لَا ذَيْنِ) أَيْ: الْوَقْتِ وَمَحَلِّ الْعَمَلِ أَيْ: لَا يُقَدَّرُ بِهِمَا مَعًا، فَلَوْ اكْتَرَاهُ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ بَيَاضَ النَّهَارِ، أَوْ دَابَّةً لِرُكُوبِهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا الْيَوْمَ لَمْ يَصِحَّ لِلْغَرَرِ فَقَدْ يَتَقَدَّمُ الْعَمَلُ، أَوْ يَتَأَخَّرُ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي قَفِيزِ بُرٍّ بِشَرْطِ أَنَّ وَزْنَهُ كَذَا لَمْ يَصِحَّ فَقَدْ يَزِيدُ، أَوْ يَنْقُصُ فَيَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ كَغَيْرِهِمَا وَفِي الْبَحْرِ قَالَ الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ: كَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي الْبُوَيْطِيِّ بَعْدَ ذِكْرِ الِاكْتِرَاءِ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَبِنَاءِ دَارٍ. وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ فِي عَمَلِهِ وَسَمَّى الْفَرَاغَ إلَى أَجَلٍ يُمْكِنُ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَهُ فَذَاكَ أَفْضَلُ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْأَجَلَ فَهُوَ جَائِزٌ وَيَعْمَلُ لَهُ طَاقَتَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ قَالَ: فَهَذَا نَصٌّ عَلَى الصِّحَّةِ وَأَفْضَلِيَّةِ ذِكْرِ الْأَجَلِ إذَا أَمْكَنَ الْعَمَلُ فِيهِ، وَهُوَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عِنْدِي.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكُنْت أَظُنُّ أَنَا، وَغَيْرِي أَنَّ ذَلِكَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ وَقَفْت عَلَى كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ فَرَأَيْت فِيهِ مَا بَانَ بِهِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْبُوَيْطِيِّ نَفْسِهِ لَا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَعَلَى الصِّحَّةِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِأَسْرَعِهِمَا تَمَامًا، وَالثَّانِي الْعِبْرَةُ بِالْعَمَلِ الْمَقْصُودِ، فَإِنْ تَمَّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ، وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ انْقَضَى الْيَوْمُ قَبْلَ تَمَامِهِ، وَجَبَ تَمَامُهُ (وَعَيَّنَا) أَيْ: الْعَاقِدَانِ فِي الِاكْتِرَاءِ لِلْإِرْضَاعِ (مُرْتَضِعًا) لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِاخْتِلَافِ حَالِهِ (وَالْمَسْكَنَا) الَّذِي بِهِ الْإِرْضَاعُ أَهُوَ بَيْتُهَا، أَوْ بَيْتُهُ؟ لِأَنَّهُ بِبَيْتِهَا أَسْهَلُ وَبِبَيْتِهِ أَشَدُّ وُثُوقًا بِهِ (وَ) عَيَّنَا فِي اكْتِرَاءِ مَوْضِعٍ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية العبادي]

فَائِدَتِهِ إلَى الْإِسْلَامِ وَلَعَلَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ أَوْجُهُ مِمَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ قَضِيَّةِ كَلَامِ الْإِمَامِ مِنْ تَرْجِيحِ الصِّحَّةِ فِي الثَّانِي وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْأَجِيرِ مَعَ تَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ بِحُضُورِ الصَّفِّ سم

(قَوْلُهُ: الطَّرِيقَانِ) أَيْ: التَّقْدِيرُ بِالْوَقْتِ، وَالتَّقْدِيرُ بِمَحَلِّ الْعَمَلِ. (قَوْلُهُ: لِيَخِيطَ لَهُ شَهْرًا، أَوْ لِيَخِيطَ لَهُ هَذَا الثَّوْبَ) فِيهِ تَقْسِيمٌ إلَى الْمُعَيَّنِ، وَالْمَوْصُوفِ بِالنِّسْبَةِ لِمَحَلِّ الْعَمَلِ، وَهُوَ صَادِقٌ بِكَوْنِ الْإِجَارَةِ عَلَى عَيْنِ الْأَجِيرِ، أَوْ ذِمَّتِهِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَحْرِ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْكَلَامَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَذَكَرَ بَدَلَهُ مَا نَصُّهُ، نَعَمْ إنْ قَصَدَ التَّقْدِيرَ بِالْعَمَلِ وَذَكَرَ الْيَوْمَ لِلتَّعْجِيلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ، وَكَذَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ صَغِيرًا مِمَّا يَفْرُغُ عَادَةً فِي دُونِ الْيَوْمِ ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ. اهـ. وَأَقُولُ: يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ الْمُوَافِقُ لِمَا ذُكِرَ هُنَا عَنْ الْبُوَيْطِيِّ مَا قَالُوهُ، وَاللَّفْظُ لِلرَّوْضِ. (فَصْلٌ)

اسْتَأْجَرَهَا أَيْ: امْرَأَةً إجَارَةَ عَيْنٍ لِكَنْسِ الْمَسْجِدِ الْيَوْمَ فَحَاضَتْ انْفَسَخَتْ لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ شَرْعًا بِخِلَافِ الذِّمَّةِ أَيْ: بِخِلَافِ اسْتِئْجَارِهَا فِي الذِّمَّةِ لِكَنْسِ الْمَسْجِدِ انْتَهَتْ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ كَمَا تَرَى عَلَى صِحَّةِ اسْتِئْجَارِهَا إجَارَةَ عَيْنٍ لِكَنْسِ الْمَسْجِدِ الْيَوْمَ وَعَدَمِ انْفِسَاخِهَا، إنْ لَمْ تَحِضْ وَإِجَارَةَ ذِمَّةٍ وَعَدَمِ انْفِسَاخِهَا مُطْلَقًا، مَعَ أَنَّ فِي ذَلِكَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْوَقْتِ وَمَحَلِّ الْعَمَلِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْخِيَاطَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ إذْ كَنْسُ الْمَسْجِدِ لِخِيَاطَةِ الثَّوْبِ الَّذِي يُفْرَغُ مِنْ خِيَاطَتِهِ عَادَةً فِي دُونَ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ يُفْرَغُ مِنْهُ عَادَةً كَذَلِكَ، وَقَدْ جَوَّزُوا الِاسْتِئْجَارَ لَهُ، مَعَ التَّقْيِيدِ بِالْيَوْمِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ هَذَا الْكَلَامِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ هُنَا لَيْسَ إلَّا بِالْعَمَلِ وَيُحْمَلُ ذِكْرُ الْيَوْمِ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّعْجِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، أَوْ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ هُنَا لَيْسَ إلَّا بِالْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ مِقْدَارَ الْكَنْسِ حَتَّى يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْوَقْتِ، وَالْعَمَلِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِيُصْرَفَ هَذَا الْيَوْمَ الَّذِي هُوَ الْكَنْسُ سم. (قَوْلُهُ: مُرْتَضِعًا)

ــ

[حاشية الشربيني]

سَوَاءٌ كَانَ بَطِيءَ الْيَدِ، أَوْ خَفِيفَهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَلْزَمْت ذِمَّتَك عَمَلَ الْخِيَاطَةِ الَّتِي صِفَتُهَا كَيْتَ وَكَيْتَ فِي قَمِيصٍ، فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ مِقْدَارُ الْخِيَاطَةِ بِاعْتِبَارِ خِفَّةِ الْيَدِ فِي الْخِيَاطَةِ وَبُطْئِهَا، وَمُجَرَّدُ التَّقْدِيرِ بِالزَّمَنِ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَوْ قَالَ: مِنْ تَمَامِ قَمِيصٍ طُولُهُ كَذَا وَعَرْضُهُ كَذَا كَانَ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الزَّمَنِ، وَمَحَلِّ الْعَمَلِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ تَدَبَّرْ. اهـ. ع ش بِزِيَادَةٍ وَلَا يُقَالُ: هَذَا مَوْجُودٌ فِيمَا لَوْ اكْتَرَى شَخْصًا لِيَخِيطَ لَهُ شَهْرًا لِتَعَيُّنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ هُنَا فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَتَعَيَّنُ التَّقْدِيرُ بِالْوَقْتِ) قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَاعْلَمْ أَنَّ مَنَافِعَ الْعَقَارِ، وَالثِّيَابِ، وَالْأَوَانِي وَنَحْوِهَا لَا تُقَدَّرُ إلَّا بِالزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا عَمَلَ فِيهَا وَكَذَا الْإِرْضَاعُ، وَالِاكْتِحَالُ، وَالْمُدَاوَاةُ، وَالتَّجْصِيصُ، وَالتَّطْيِينُ وَنَحْوُهَا لِاخْتِلَافِ أَقْدَارِهَا. اهـ. وَجَمَعَهُ م ر بِقَوْلِهِ وَضَابِطُهُ مَا لَا يَنْضَبِطُ بِالْعَمَلِ، فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِمَا لَا عَمَلَ فِيهِ، وَمَا فِيهِ عَمَلٌ لَا يَنْضَبِطُ وَبَحَثَ سم عَلَى التُّحْفَةِ فَقَالَ: مَا الْمَانِعُ مِنْ ضَبْطِ التَّطْيِينِ بِالْعَمَلِ كَتَطْيِينِ هَذَا الْجِدَارِ تَطْيِينًا سُمْكُهُ قَدْرُ شِبْرٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ) قَالَ الْمَحَلِّيُّ بَعْدَهُ: وَالثَّانِي يَقُولُ ذِكْرُ الزَّمَانِ لِلتَّعْجِيلِ. اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الشَّرْحِ فِيمَا يَأْتِي: وَعَلَى الصِّحَّةِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِأَسْرَعِهِمَا تَمَامًا؛ إذْ مُقْتَضَى كَوْنِ ذِكْرِ الزَّمَانِ لِلتَّعْجِيلِ أَنَّ الْمَدَارَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَمَامِ الْعَمَلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَدْرَكَ الثَّانِي إمْكَانُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الزَّمَنِ مِثْلَهُ وَاحْتِمَالُ عُرُوضِ عَائِقٍ خِلَافُ الْغَالِبِ، وَإِنْ كَانَ مَرْدُودًا بِأَنَّ مُجَرَّدَ الِاحْتِمَالِ كَافٍ فِي الْبُطْلَانِ. (قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ: الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ. (قَوْلُهُ: مُرْتَضِعًا) أَيْ: بِالرُّؤْيَةِ، أَوْ الْوَصْفِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ قَبْلُ، وَلَا يَضُرُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الزَّمَنِ، وَمَحَلِّ الْعَمَلِ لِلضَّرُورَةِ وَفِي كَوْنِهِ مِنْ الْجَمْعِ نَظَرٌ؛ إذْ الْجَمْعُ الْمُمْتَنِعُ هُوَ مَا يُخْشَى فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>