الْأَرْضِ الْمُكْتَرَاةِ لِلزَّرْعِ بِزَرْعِ غَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ ضَمِنَهَا، وَالْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ خِلَافُهُ وَمِنْ التَّعَدِّي مَا لَوْ ضَرَبَ الدَّابَّةَ، أَوْ كَبَحَهَا فَوْقَ الْعَادَةِ، أَمَّا الْمُعْتَادُ فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا وَيُخَالِفُ ضَرْبَ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ؛ لِأَنَّ تَأْدِيبَ الْآدَمِيِّ بِغَيْرِ الضَّرْبِ مُمْكِنٌ، وَلَوْ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَرَكِبَهَا إلَيْهِ فَعَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي سَارَ مِنْهُ، إلَّا أَنْ يَنْهَاهُ صَاحِبُهَا. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا، بَلْ يُسَلِّمُهَا إلَى وَكِيلِ الْمَالِكِ، إنْ كَانَ، وَإِلَّا فَإِلَى الْحَاكِمِ هُنَاكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ فَإِلَى أَمِينٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَمِينًا رَدَّهَا.
أَوْ اسْتَصْحَبَهَا إلَى حَيْثُ يَذْهَبُ كَالْمُودَعِ يُسَافِرُ الْوَدِيعَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَإِذَا جَازَ لَهُ الرَّدُّ لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّكُوبُ، بَلْ يَسُوقُهَا، أَوْ يَقُودُهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ جَمُوحًا لَا تَنْقَادُ، إلَّا بِالرُّكُوبِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (وَأَجْرَ زَائِدٍ) عَلَى الْمُقَدَّرِ (مَعَ الْمُسَمَّى يَضْمَنُهُ) الْمُكْتَرِي، فَلَوْ اكْتَرَى دَابَّةً لِحَمْلِ مِائَةٍ مِنْ بُرٍّ فَحَمَلَ مِائَةً وَعَشَرَةً، أَوْ إلَى مَكَان فَعَبَرَهُ لَزِمَهُ مَعَ الْمُسَمَّى أَجْرُ الْمِثْلِ لِمَا زَادَ نَعَمْ، إنْ كَانَ الزَّائِدُ مِمَّا يُتَسَامَحُ بِهِ كَالْقَدْرِ الَّذِي يَقَعُ التَّفَاوُتُ بِهِ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ، أَوْ الْوَزْنَيْنِ فَلَا أَجْرَ لَهُ، وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ: مَعَ الْمُسَمَّى مِنْ زِيَادَتِهِ (وَ) يَضْمَنُ (أَجْرَ مِثْلٍ مَهْمَا أَبْدَلَ زَرْعًا) اكْتَرَى الْأَرْضَ لَهُ (بِغِرَاسٍ) غَرَسَهُ فِيهَا، أَوْ بِبِنَاءٍ بَنَاهُ فِيهَا لِتَصَرُّفِهِ فِيهَا بِمَا لَا يَسْتَحِقُّهُ وَبِعُدُولِهِ عَنْ الْجِنْسِ فِي هَذِهِ فَارَقَتْ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَمَتَى يَزْرَعْ مَكَانَ الْبُرِّ) الْمُسْتَحَقِّ زَرْعُهُ (فِيهَا) أَيْ: فِي الْأَرْضِ (الذُّرَةَ فَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ) فِي الْمُخْتَصَرِ (أَنْ نُخَيِّرَهْ) أَيْ: الْمُؤَجِّرَ (مَا) زَائِدَةٌ (بَيْنَ أَجْرِ مِثْلِ زَرْعِهِ الذُّرَهْ وَبَيْنَ مَا سَمَّى وَأَرْشٌ) لِنَقْصٍ (نَالَا أَرْضًا بِزَرْعِهَا) الذُّرَةَ، وَهُوَ قَدْرُ مَا زَادَ عَلَى نَقْصِهَا بِزَرْعِ الْبُرِّ؛ لِأَنَّ لِلصُّورَةِ شَبَهًا بِزِرَاعَةِ الْغَاصِبِ فِي أَنَّهُ زَرَعَ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ وَمُوجِبُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَشَبَهًا بِمَا إذَا اكْتَرَى دَابَّةً إلَى مَكَان، وَغَيَّرَهُ فِي أَنَّهُ اسْتَوْفَى وَزَادَ وَمُوجِبُهُ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا زَادَ فَخَيَّرْنَاهُ بَيْنَهُمَا هَذَا إذَا تَخَاصَمَا بَعْدَ حَصْدِ الذُّرَةِ.
فَإِنْ تَخَاصَمَا قَبْلَهُ خَيَّرْنَاهُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا (وَ) بَيْنَ (قَلْعٍ) لَهَا (حَالَا) ، وَإِذَا قَلَعَهَا فَلِلْمُكْتَرِي زَرْعُ الْبُرِّ إنْ تَمَكَّنَ، وَإِلَّا فَلَا وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ الْمُفَوِّتُ لِمَقْصُودِ الْعَقْدِ، وَإِذَا اخْتَارَ إبْقَاءَهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا يُجْبَرُ الْمُكْتَرِي عَلَى ذَلِكَ، بَلْ لَهُ أَنْ يَقْلَعَهَا وَيَزْرَعَ الْبُرَّ، إنْ تَمَكَّنَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَإِذَا اخْتَارَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَإِذَا جَازَ لَهُ الرَّدُّ إلَخْ) وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ فَلَهُ الرَّدُّ، وَلَوْ رَاكِبًا قَالَ فِي الرَّوْضِ هُنَا: وَلَوْ اسْتَعَارَهَا رَدَّهَا، وَلَوْ رَاكِبًا قَالَ فِي شَرْحِهِ: لِأَنَّ الرَّدَّ لَازِمٌ لَهُ فَالْإِذْنُ يَتَنَاوَلُهُ بِالْعُرْفِ، وَالْمُسْتَأْجِرُ لَا رَدَّ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَعَبَرَهُ) أَيْ: جَاوَزَهُ. (قَوْلُهُ: فَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ إلَخْ) قَالَ فِي الرَّوْضِ: مِثَالُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْحِنْطَةِ خَمْسُونَ وَلِلذُّرَةِ سَبْعُونَ وَكَانَ الْمُسَمَّى أَرْبَعِينَ فَبَدَلُ النَّقْصِ عِشْرُونَ. اهـ. أَيْ: فَإِذَا اخْتَارَ الْمُسَمَّى اسْتَحَقَّ، مَعَهُ عِشْرِينَ. (قَوْلُهُ: وَأَرْشٍ لِنَقْصٍ) اُنْظُرْ لَوْ لَمْ يَنْقُصْ. (قَوْلُهُ: فَخَيَّرْنَاهُ بَيْنَهُمَا) نَعَمْ لَوْ كَانَ وَلِيًّا، أَوْ نَاظِرًا تَعَيَّنَ أَخْذُهُ بِالْمَصْلَحَةِ شَرْحُ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: أَيْ لِجَمِيعِ الْمُدَّةِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الرَّوْضِ: إنْ لَمْ تَمْضِ أَيْ: عَلَى بَقَاءِ الذُّرَةِ مُدَّةٌ تَتَأَثَّرُ بِهَا
[حاشية الشربيني]
يَرْجِعُ إلَى مَا فِي شَرْحِ م ر قَالَ سم عَلَى التُّحْفَةِ: وَانْظُرْ لَوْ تَلِفَتْ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ بِسَبَبِ زِرَاعَةِ الذُّرَةِ فَصَارَتْ لَا تُنْبِتُ شَيْئًا وَيَتَّجِهُ الضَّمَانُ. اهـ. أَيْ: وَمَا يُقَابِلُ تَلَفَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ زَائِدٌ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِ زَرْعِ الذُّرَةِ، فَإِنَّ تَلَفَ الْمَنْفَعَةِ زَائِدٌ عَلَى النَّقْصِ الْحَاصِلِ بِسَبَبِ زَرْعِ الذُّرَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) عِبَارَتُهَا وَهَلْ يَصِيرُ ضَامِنًا لِلْأَرْضِ غَاصِبًا؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ مَعَ الْمُسَمَّى أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا زَادَ) فَإِنْ قُلْت: قِيَاسُ مَا سَيَأْتِي فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِزَرْعِ حِنْطَةٍ فَزَرَعَ ذُرَةً أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ قُلْت: الْفَرْقُ أَنَّهُ ثَمَّ عَدَلَ عَنْ الْعَيْنِ أَصْلًا فَسَاغَ الْخُرُوجُ عَنْ الْمُسَمَّى بِالْكُلِّيَّةِ، بِخِلَافِهِ هُنَا فَعُلِمَ أَنَّهُ تَارَةً يَجِبُ الْمُسَمَّى مَعَ مَا زَادَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَتَارَةً يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ فَقَطْ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِبْدَالِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ، وَتَارَةً يُخَيَّرُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ زَرْعِ الذُّرَةِ مَكَانَ الْبُرِّ، وَقَدْ أَفَادَ الشَّارِحُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ لِلصُّورَةِ إلَخْ تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ قَدْرُ مَا زَادَ عَلَى نِصْفِهَا بِزَرْعِ الْبُرِّ) وَهُوَ مِقْدَارُ مَا بَيْنَ أُجْرَتَيْ الْمِثْلِ لِزِرَاعَةِ الْبُرِّ وَزِرَاعَةِ الذُّرَةِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: فَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ إلَخْ) وَقَالَ كَثِيرُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا تَعْيِينُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلذُّرَةِ، وَالثَّانِي تَعْيِينُ الْمُسَمَّى وَبَدَلِ النَّقْصِ. اهـ. رَوْضَةٌ. (قَوْلُهُ: أَنْ يُخَيِّرَهُ) إلَّا إذَا كَانَ وَلِيًّا، أَوْ نَاظِرًا وَإِلَّا تَعَيَّنَ أَخْذُهُ بِالْأَحَظِّ. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: بَيْنَ أَجْرِ مِثْلِ زَرْعِهِ الذُّرَةَ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَإِذَا اخْتَارَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِ الْإِجَارَةِ. اهـ. ثُمَّ رَأَيْت الشَّارِحَ ذَكَرَهُ. (قَوْلُهُ: وَمُوجِبُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْغَاصِبَ أَرْشُ النَّقْصِ أَيْضًا، وَلَا مَانِعَ؛ لِأَنَّ الْيَدَ عَلَى الْأَرْضِ لَيْسَتْ حَقِيقِيَّةً كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ) أَيْ: أَجْرُ جَمِيعِ الْمُدَّةِ قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: هَذَا إنْ لَمْ تَمْضِ عَلَى بَقَاءِ الذُّرَةِ مُدَّةٌ تَتَأَثَّرُ بِهَا الْأَرْضُ، وَإِنْ مَضَتْ تَخَيَّرَ بَيْنَ أَخْذِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَبَيْنَ أَخْذِ قِسْطِهَا مِنْ الْمُسَمَّى مَعَ بَدَلِ النُّقْصَانِ وَلَهُ قَلْعُ الذُّرَةِ. اهـ. وَقَوْلُهُ: بَيْنَ أَخْذِ أَجْرِ الْمِثْلِ أَيْ: لِمُدَّةِ بَقَاءِ الذُّرَةِ فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِيهَا وَحْدَهَا وَقَوْلُهُ: وَأَخَذَ قِسْطَهَا مِنْ الْمُسَمَّى أَيْ: فَتَبْقَى الْإِجَارَةُ فِيهَا كَغَيْرِهَا مِنْ بَاقِي الْمُدَّةِ وَيَأْخُذُ لَهَا وَحْدَهَا بَدَلَ النُّقْصَانِ تَأَمَّلْهُ؛ فَإِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ مِنْ أَنَّهُ يُفْسَخُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ فَلْيُرَاجَعْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute