قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِ الْإِجَارَةِ وَقِيَاسُهُ أَنْ يُقَالَ بِمِثْلِهِ فِيمَا إذَا عَدَلَ إلَى غَيْرِ الْجِنْسِ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ فِي تِلْكَ مِنْ أَنَّهُ لَا قَلْعَ فِيهَا الْوَجْهُ خِلَافُهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ مَسْأَلَتِنَا بِالْأَوْلَى فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأُجْرَةِ، وَالْقَلْعِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الذُّرَةَ أَضَرُّ مِنْ الْبُرِّ؛ لِأَنَّ لَهَا عُرُوقًا غَلِيظَةً تَنْتَشِرُ فِي الْأَرْضِ وَتَسْتَوْفِي قُوَّتَهَا وَمِثْلُهَا الْأُرْزُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى السَّقْيِ الدَّائِمِ، وَهُوَ يُذْهِبُ قُوَّةَ الْأَرْضِ وَيَجْرِي التَّخْيِيرُ فِي كُلِّ صُورَةٍ لَا يَتَمَيَّزُ فِيهَا الْمُسْتَحَقُّ عَمَّا زَادَ كَمَا لَوْ أَسْكَنَ الدَّارَ الْمُكْتَرَاةَ لِلسُّكْنَى الْحَدَّادِينَ، أَوْ الْقَصَّارِينَ، أَوْ حَمَّلَ الدَّابَّةَ الْمُكْتَرَاةَ لِحَمْلِ قُطْنٍ قَدْرَهُ حَدِيدًا، فَإِنْ تَمَيَّزَ فَقَدْ مَرَّ فِي قَوْلِهِ: وَأَجْرُ زَائِدٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَعَ الْأُجْرَةِ إذَا اخْتَارَهَا فِي مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ الْأَرْشَ أَيْضًا كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْأَرْضِ؛ لِمَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ أَنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِذَلِكَ.
(وَاجْعَلْ لِمُكْرٍ) دَابَّةٍ لِحَمْلِ مِقْدَارٍ كَعَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ مَثَلًا (حَمَلَ) عَلَيْهَا (الزَّائِدَ) عَلَى الْمَشْرُوطِ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَقَعُ مِنْ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ
ــ
[حاشية العبادي]
الْأَرْضُ، وَإِنْ مَضَتْ تَخَيَّرَ بَيْنَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَأَخْذِ قِسْطِهَا مِنْ الْمُسَمَّى، مَعَ بَدَلِ النُّقْصَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ) كَأَنَّ مُرَادَ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ، إذَا فَسَخَ، فَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ لَمْ يَسْتَحِقَّهَا فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأُجْرَةِ، وَالْقَلْعِ) وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ قَوْلُهُ: السَّابِقُ وَإِذَا قَلَعَهَا إلَخْ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ أَسْكَنَ الدَّارَ إلَخْ) فَفِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ زِيَادَةُ ضَرَرٍ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ. (قَوْلُهُ: قَدْرَهُ حَدِيدًا) قِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَجْرِيَ التَّخْيِيرُ فِيمَا لَوْ حَمَّلَ الدَّابَّةَ الْمُكْتَرَاةَ لِشَعِيرٍ قَدْرَهُ وَزْنًا بُرًّا.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْأَرْضِ لِمَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ أَنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِذَلِكَ) هَذَا كَلَامٌ لَا مَعْنَى لَهُ فَإِنَّ أَرْشَ التَّعْيِيبِ الْحَاصِلِ بِسَبَبِ الْعُدُولِ عَنْ الْمُسْتَحَقِّ مَضْمُونٌ قَطْعًا؛ إذْ هُوَ مِنْ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ. وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ: إنَّ الْأَرْضَ لَا تُضْمَنُ بِذَلِكَ الْمُرَادُ مِنْهُ نَفْيُ الضَّمَانِ لَوْ فُرِضَ تَلَفُهَا بِجَائِحَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فَيَكُونُ الضَّمَانُ الْمَنْفِيُّ ضَمَانُ الْيَدِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَنْبِطَ مِنْهُ سُقُوطَ أَرْشِ التَّعْيِيبِ الَّذِي هُوَ مِنْ قَبِيلِ ضَمَانِ الْجِنَايَاتِ، نَعَمْ، إنْ أَرَادَ بِالْأَرْشِ مَا يَضْمَنُ بِهِ الْعَيْبَ، وَالتَّلَفَ الْحَادِثَيْنِ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ اسْتَقَامَ لَكِنَّ لَفْظَ الْأَرْشِ يَنْبُو عَنْ ذَلِكَ بِرّ. (قَوْلُهُ: وَاجْعَلْ حِمْلَ الزَّائِدِ لِمُكْرِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْإِرْشَادِ وَشَرْحِهِ، وَإِنْ حَمَلَ هُوَ يَعْنِي الْمُسْتَأْجِرَ، أَوْ مُكْرٍ غَيْرَهُ أَيْ: الْمُسْتَأْجَرِ زَائِدًا وَانْفَرَدَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْيَدِ فِي الصُّورَتَيْنِ فَتَلِفَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا بِتَمَامِهَا، سَوَاءٌ تَلِفَتْ بِالْحَمْلِ، أَوْ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ غَاصِبَةٌ، أَوْ تَلِفَتْ بِهِ أَيْ: الْحَمْلِ، مَعَ رَبِّهَا ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ فِي الصُّورَتَيْنِ بِقِسْطِهِ أَيْ: بِقِسْطِ الزَّائِدِ كَجَلَّادٍ زَادَ. اهـ. وَهُوَ يُفِيدُك أَنَّ الشِّقَّ الْأَوَّلَ فِي كَلَامِ الْبَهْجَةِ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ أَيْضًا بِمَا، إذَا لَمْ يَنْفَرِدْ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْيَدِ بِرّ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَبِسَ عَلَيْهِ الْمُكْتَرِي) قَضِيَّةُ هَذَا التَّصْوِيرِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَلْبَسْ عَلَيْهِ بِأَنْ حَمَلَهُ الْمُكْتَرِي بِنَفْسِهِ؛ لِظَنِّهِ أَنَّهُ الْمَشْرُوطُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ زَائِدٌ عَلَيْهِ لَا أُجْرَةَ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِ الْإِجَارَةِ) هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ اخْتِيَارَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا تُعَدُّ فَسْخًا لِلْإِجَارَةِ وَفِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ مَا يُخَالِفُهُ (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِ الْإِجَارَةِ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ شَيْءٌ أَمْ لَا، وَلَا بُعْدَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ، وَإِنْ مَضَتْ فِي الثَّانِيَةِ، لَكِنَّ أَثَرَ الْعَقْدِ وَهُوَ وُجُوبُ الْمُسَمَّى بَاقٍ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يُقَالَ بِمِثْلِهِ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْسَخْ لَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ وَهُوَ بَعِيدٌ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَضْمَنُ أَجْرَ مِثْلِ إلَخْ الْمُفِيدِ أَنَّ الْمُسَمَّى غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ الْوَاجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْأَرْضِ) ، فَإِنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَخْتَارَ أَجْرَ مِثْلِ زَرْعِ الذُّرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَخْتَارَ الْمُسَمَّى وَأَرْشَ نَقْصَ الْأَرْضِ، فَإِذَا اخْتَارَ أَجْرَ مِثْلِ زَرْعِ الذُّرَةِ لَا يَأْخُذُ فِي مُقَابَلَةِ النَّقْصِ الَّذِي نَالَ الْأَرْضَ شَيْئًا، بِخِلَافِ الدَّابَّةِ، فَإِنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَجْرَ مِثْلِ حَمْلِ الْحَدِيدِ يَسْتَحِقُّ مَعَهُ أَرْشَ مَا نَالَ الدَّابَّةَ مِنْ النَّقْصِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَى الدَّابَّةِ حَقِيقِيَّةً فَاقْتَضَتْ بِمُجَرَّدِهَا الضَّمَانَ، بِخِلَافِ الْأَرْضِ، فَإِنَّ الْيَدَ عَلَيْهَا حُكْمِيَّةٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ عَيْنَ الْأَرْضِ إنْ تَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ، وَلَا يَضْمَنُ النَّقْصَ الَّذِي نَالَهَا بِفِعْلِ غَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ إنْ اخْتَارَ الْمُؤَجِّرُ أَجْرَ مِثْلِ مَا فَعَلَ، بِخِلَافِ الدَّابَّةِ فِيهِمَا فَلْيُتَأَمَّلْ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ أَنْ يُخَيِّرَهُ إلَخْ فَإِنَّ صَرِيحَهُ أَنَّهُ، إذَا اخْتَارَ الْأَجْرَ لَا يَأْخُذُ أَرْشَ مَا نَالَ الْأَرْضَ مِنْ النَّقْصِ، وَلَا وَجْهَ لِمَا كَتَبَهُ الْمُحَشِّي عَنْ الشَّيْخِ عَمِيرَةَ هُنَا.
(قَوْلُهُ: وَاجْعَلْ لِمُكْرِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا فِي الشَّارِحِ أَنَّ مَحَلَّ التَّفْصِيلِ بَيْنَ كَوْنِ الْمَالِكِ مَعَهَا فَيَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ الْقِسْطَ أَوْ لَا فَيَضْمَنُ الْكُلَّ إنْ كَانَ الَّذِي حَمَلَ هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ وَإِلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute