فَكَيْفَ لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ؟ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ كَمَا قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُرْجَانِيُّ، ثُمَّ الْإِحْيَاءُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَا يَقْصِدُهُ الْمُحْيِي مِنْ زَرِيبَةٍ، وَغَيْرِهَا. وَقَدْ أَخَذَ النَّاظِمُ فِي بَيَانِهِ فَقَالَ: (بِحَوْطِهِ) أَيْ: صَارَ مَا أَحْيَاهُ مَالِكُهُ بِالتَّحْوِيطِ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ بِالْآجُرِّ، أَوْ اللَّبِنِ، أَوْ الطِّينِ، أَوْ الْقَصَبِ، أَوْ الْخَشَبِ، أَوْ غَيْرِهِمَا بِحَسَبِ الْعَادَةِ فَلَا يَكْفِي نَصْبُ سَعَفٍ وَأَحْجَارٍ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَلِّكَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ عَادَةً وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ الْمُجْتَازُ الْمُرْتَفِقُ، وَلَوْ حَوَّطَهُ بِذَلِكَ، إلَّا طَرَفًا فَبِالْبِنَاءِ حَكَى الْإِمَامُ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ يَكْفِي وَعَنْ شَيْخِهِ الْمَنْعُ فِيمَا عَدَا مَحَلَّ الْبِنَاءِ (وَبَابِ عُلِّقَ) أَيْ: وَبِتَعْلِيقِ بَابٍ أَيْ: تَرْكِيبِهِ.
(فِي زَرِيبَةِ الدَّوَابِّ) بِتَخْفِيفِ الْبَاءِ، أَوْ الْحَطَبِ، أَوْ الْحَشِيشِ، أَوْ التَّمْرِ، إنْ قَصَدَ الزَّرِيبَةَ لِيَقَعَ عَلَيْهَا اسْمُهَا، فَلَوْ أَطْلَقَهَا كَالْحَاوِي كَانَ أَوْلَى وَبِالتَّحْوِيطِ، وَلَوْ بِجَمْعِ التُّرَابِ إنَّ اُعْتِيدَ وَتَعْلِيقُ الْبَابِ (مَعْ غَرْسِ بَاغٍ) أَيْ: بُسْتَانٍ، إنْ قَصَدَ الْبَاغِي لِيَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُهُ وَيَكْفِي غَرْسُ بَعْضِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْوَجْهُ اشْتِرَاطُ غَرْسِ مَا يُسَمَّى بِهِ بُسْتَانًا وَيُعْتَبَرُ تَرْتِيبُ الْمَاءِ، إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ، وَبِالتَّحْوِيطِ بِالْبِنَاءِ بِمَا اُعْتِيدَ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: بِحَوْطِهِ) لَوْ شَرَعَ فِي الْإِحْيَاءِ لِنَوْعٍ فَأَتَى بِمَا يُقْصَدُ بِهِ نَوْعٌ آخَرُ مَلَكَهُ حَتَّى لَوْ حَوَّطَ الْبُقْعَةَ مَلَكَهَا وَإِنْ قَصَدَ الْمَسْكَنَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تُمْلَكُ بِهِ الزَّرِيبَةُ لَوْ قَصَدَهَا كَذَا اعْتَمَدَ فِي الرَّوْضِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: هَذَا احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ، ثُمَّ قَالَ: وَمُخَالَفَتُهُ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ صَرِيحَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِأَدْنَى الْعِمَارَاتِ أَبَدًا مِمَّا لَا يَفْعَلُهُ عَادَةً إلَّا الْمُتَمَلِّكُ كَبِنَاءِ الدَّارِ وَاِتِّخَاذِ الْبُسْتَانِ يُفِيدُ الْمِلْكَ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَمَا يَفْعَلُهُ الْمُتَمَلِّكُ وَغَيْرُهُ كَحَفْرِ بِئْرٍ فِي مَوَاتٍ وَكَزَرْعِ قِطْعَةٍ مِنْهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَاءِ السَّمَاءِ، إنْ انْضَمَّ إلَيْهِ قَصْدٌ أَفَادَ الْمِلْكَ، وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِصُورَةِ الزَّرِيبَةِ بِلَا قَصْدٍ مَلَكَهَا، وَهَذَا لَا يُنَافِي رَدَّ كَلَامِ الْإِمَامِ السَّابِقِ فَلْيُتَأَمَّلْ. فَإِنَّهُ قَدْ يُخَالِفُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ: إنْ قَصَدَ الزَّرِيبَةَ، لَكِنْ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ السَّابِقُ: مِمَّا لَا يَفْعَلُهُ عَادَةً إلَّا الْمُتَمَلِّكَ إلَخْ فَلْيُحَرَّرْ.
(قَوْلُهُ: حَكَى الْإِمَامُ إلَخْ) الْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَلَا مَحَلَّ الْبِنَاءِ وَقَدْ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بَعْدَمَا نَقَلَهُ هُنَا: قَالَ الْخُوَارِزْمِيَّ: وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا
[حاشية الشربيني]
كَمَا قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ إلَخْ) وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ. (قَوْلُهُ: يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَا يَقْصِدُهُ الْمُحْيِي) يَعْنِي أَنَّهُ إنْ قَصَدَ الْإِحْيَاءَ بِشَيْءٍ فَلَا بُدَّ فِي تَمَلُّكِهِ بِالْإِحْيَاءِ بِهِ مِنْ حُصُولِ مَا قَالُوهُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْإِحْيَاءَ فَإِنْ فَعَلَ مَا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا الْمُتَمَلِّكُ كَبِنَاءِ الدَّارِ وَاِتِّخَاذِ الْبُسْتَانِ أَفَادَ الْمِلْكَ، وَإِنْ فَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُتَمَلِّكُ وَغَيْرُهُ كَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الْمَوَاتِ وَزِرَاعَةِ قِطْعَةٍ مِنْ الْمَوَاتِ اعْتِمَادًا عَلَى مَاءِ السَّمَاءِ فَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهِ قَصْدٌ أَفَادَ وَإِلَّا فَلَا، وَمَا لَا يَكْتَفِي بِهِ الْمُتَمَلِّكُ كَتَسْوِيَةِ مَوْضِعِ النُّزُولِ وَتَنْقِيَتِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، وَإِنْ قَصَدَهُ كَذَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ: وَلَا مُخَالَفَةَ فِيهِ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ بَلْ إنْ قَصَدَ شَيْئًا اعْتَبَرْنَا فِي كُلِّ مَقْصُودٍ مَا فَصَّلُوهُ وَإِلَّا نَظَرْنَا فِيمَا أَتَى بِهِ، وَحَكَمْنَا بِمَا ذَكَرَهُ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَا يَقْصِدُهُ الْمُحْيِي أَنَّهُ عِنْدَ قَصْدِهِ الْإِحْيَاءَ بِشَيْءٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قَصْدِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ نَظَرْنَا فِيمَا أَتَى بِهِ، وَحَكَمْنَا بِمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ: وَبِالتَّحْوِيطِ بِالْبِنَاءِ بِمَا اُعْتِيدَ إلَخْ) عِبَارَةُ حَجَرٍ عَقِبَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ فَإِنْ أَرَادَ مَسْكَنًا، أَوْ مَسْجِدًا اُشْتُرِطَ تَحْوِيطُ الْبُقْعَةِ نَصُّهَا وَلَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute