للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إذَا كَانَ بِمَحَلٍّ يَكْثُرُ فِيهِ الْأَمْطَارُ (وَمَطْرَحُ الثَّلْجِ) ، وَنَحْوِهِ (حَرِيمُ الدَّارِ) ، وَالتَّصْرِيحُ بِمَطْرَحِ الرَّمَادِ مِنْ زِيَادَتِهِ، ثُمَّ مَا عُدَّ حَرِيمًا مَحَلُّهُ إذَا انْتَهَى الْمَوَاتُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مِلْكٌ قَبْلَ تَمَامِ الْحَرِيمِ فَالْحَرِيمُ إلَى انْتِهَاءِ الْمَوَاتِ بَلْ إنْ احْتَفَّتْ الدَّارُ بِالْأَمْلَاكِ فَلَا حَرِيمَ لَهَا؛ إذْ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

. (وَلْيَتَصَرَّفْ مَالِكٌ) فِي مِلْكِهِ (بِالْعَادَهْ) وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، إنْ أَفْضَى إلَى تَلَفٍ (وَغَيْرِهَا) أَيْ: وَبِغَيْرِ الْعَادَةِ كَمَا (يَجْعَلُ) دُكَّانَهُ فِي الْبَزَّازِينَ (لِلْحِدَادَهْ وَ) دَارِهِ الْمَحْفُوفَةَ بِالدُّورِ (مَدْبَغًا، إنْ شَاءَ، أَوْ حَمَّامَا إنْ أُحْكِمَتْ جُدْرَانُهُ) أَيْ: كُلٌّ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ (إحْكَامَا) يَلِيقُ بِمَقْصُودٍ، وَإِنْ تَضَرَّرَ الْمَالِكُ بِرَائِحَةِ الدُّخَانِ، وَالْمَدْبَغَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ وَفِي مَنْعِهِ إضْرَارٌ بِهِ، فَإِنْ فَعَلَ مَا الْغَالِبُ فِيهِ الْخَلَلُ، كَدَقٍّ عَنِيفٍ يَتَزَعْزَعُ مِنْهُ بِنَاءُ جَارِهِ، أَوْ حَبْسِ مَاءٍ فِي مِلْكِهِ بِحَيْثُ تَنْتَشِرُ النَّدَاوَةُ مِنْهُ إلَيْهِ مُنِعَ وَضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ؛ لِتَعَدِّيهِ وَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِمَّا يَضُرُّ الْمِلْكَ دُونَ الْمَالِكِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِمَّا ذُكِرَ مَا لَوْ كَانَ لَهُ دَارٌ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا مَسْجِدًا، وَلَا حَمَّامًا، وَلَا خَانًا، وَلَا سَبِيلًا، إلَّا بِإِذْنِ الشُّرَكَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ.

(وَحَيْثُمَا يَسْتَوْلِ مُسْلِمٌ لِمَا يَرْعَى كَفُورٌ) أَيْ: عَلَى مَا يَرْعَاهُ الْكَافِرُ مِنْ مَوَاتِهِ بِذَبِّ الْمُسْلِمِ عَنْهُ (أَوْ مَوَاتًا أَعْلَمَا) عَلَيْهِ بِعَلَامَةٍ لِلْإِحْيَاءِ بِنَحْوِ أَحْجَارٍ، أَوْ غَرْزِ خَشَبٍ، أَوْ قَصَبٍ، أَوْ جَمْعِ تُرَابٍ، أَوْ رَسْمِ خَطٍّ (أَوْ أَقْطَعَ) أَيْ: أَقْطَعَهُ (الْإِمَامُ) إيَّاهُ لَا لِتَمْلِيكِ رَقَبَتِهِ، وَكَانَ (قَدْرًا احْتَمَلْ) حَالُ مَنْ ذَكَرَ إحْيَاءَهُ (صَارَ أَحَقَّ) بِهِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ إذَا أَفَادَ الْمِلْكَ وَجَبَ أَنْ يُفِيدَ الشُّرُوعُ فِيهِ، الْأَحَقِّيَّةَ كَالسَّوْمِ مَعَ الشِّرَاءِ فَعُلِمَ أَنَّ أَهْلَ الْغَنِيمَةِ يَصِيرُونَ بِالِاسْتِيلَاءِ أَحَقَّ بِإِحْيَاءِ مَا يَقْدِرُونَ عَلَى إحْيَائِهِ وَمِنْهُمْ أَهْلُ الْخُمُسِ فِي خُمُسِهِمْ، أَوْ فِي الْجَمِيعِ إنْ أَعْرَضَ الْغَانِمُونَ عَنْ إحْيَائِهِ، فَإِنْ أَعْرَضَ بَعْضُهُمْ فَالْبَاقِي أَحَقُّ، أَوْ كُلُّهُمْ مَعَ أَهْلِ الْخُمُسِ فَلِكُلٍّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إحْيَاؤُهُ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَزَادَ فِيهَا.

قُلْت: فِي صُورَةِ إعْرَاضِ الْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إشْكَالٌ فَيُتَصَوَّرُ فِي الْيَتَامَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُمْ لَمْ يَرَوْا لَهُمْ حَظًّا فِي الْإِحْيَاءِ، وَنَحْوَهُ فِي الْبَاقِينَ (دُونَ طُولٍ) أَيْ: صَارَ أَحَقَّ بِهِ مَا لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ (وَاشْتَغَلْ) بِالْإِحْيَاءِ فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: قَدْرًا اُحْتُمِلَ مَا لَا يَحْتَمِلُ بِأَنْ لَا يُمْكِنَهُ إحْيَاؤُهُ فَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ فَلِغَيْرِهِ إحْيَاءُ الزَّائِدِ، وَكَذَا لَوْ أَمْكَنَهُ لَكِنْ زَادَ عَلَى كِفَايَةٍ وَبِقَوْلِهِ: دُونَ طُولٍ وَاشْتَغَلَ مَا إذَا طَالَ الزَّمَانُ أَيْ: فِي الْعُرْفِ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِالْإِحْيَاءِ فَيَقُولُ لَهُ السُّلْطَانُ: أَحْيِ، أَوْ ارْفَعْ يَدَك عَنْهُ وَهَذَا مُرَادُهُ كَأَصْلِهِ

ــ

[حاشية العبادي]

يَظْهَرُ فِيمَا لَا فِنَاءَ لَهُ، وَإِلَّا فَالْفِنَاءُ حَرِيمٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَمْتَنِعُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَلَوْ بِلَا إلْصَاقٍ م ر. (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ بِمَحَلٍّ يَكْثُرُ فِيهِ الْأَمْطَارُ) قَدْ يُقَالُ قَدْ يَكُونُ بِمَحَلٍّ لَا يَكْثُرُ فِيهِ الْأَمْطَارُ، ثُمَّ يَتَغَيَّرُ الْحَالُ فَتَكْثُرُ فِيهِ، وَقَدْ يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُعْتَبَرَ الْكَثْرَةُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ بِدُونِ الْكَثْرَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بَلْ إنْ احْتَفَّتْ إلَخْ) أَيْ: احْتَاطَتْ بِهَا الْأَمْلَاكُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مِنْ صُوَرِ ذَلِكَ أَنْ يُحْيُوا مَعًا

(قَوْلُهُ: إنْ أَفْضَى إلَى تَلَفٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: كَمَنْ حَفَرَ بِئْرَ مَاءٍ، أَوْ حَشَّ فَاخْتَلَّ بِهِ جِدَارُ جَارِهِ، أَوْ تَغَيَّرَ بِمَا فِي الْحَشِّ مَاءُ بِئْرِهِ. اهـ. فَظَهَرَ أَنَّهُ، مَعَ التَّصَرُّفِ الْمُعْتَادِ لَا أَثَرَ لِضَرَرِ مِلْكِ الْجَارِ فَقَوْلُهُمْ: يَتَصَرَّفُ بِمَا يَضُرُّ الْجَارَ لَا الْجِدَارَ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَظَهَرَ بِذَلِكَ إلَخْ، إنْ كَانَ خَاصًّا بِغَيْرِ الْعَادَةِ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى أَنَّهُ، وَإِنْ خُصَّ بِغَيْرِ الْعَادَةِ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا؛ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلتَّلَفِ بِنَحْوِ رَائِحَةِ الدُّخَانِ، وَالْمَدْبَغَةِ فِيمَا يَأْتِي، بَلْ صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَلْيُتَأَمَّلْ. سم.

(قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الِاسْتِثْنَاءِ م ر. (قَوْلُهُ: أَوْ مَوَاتًا) يَنْبَغِي نَصْبُهُ بِمَا بَعْدَهُ، وَإِنْ اقْتَضَى صَنِيعُ الشَّارِحِ خِلَافَهُ. (قَوْلُهُ: إيَّاهُ) أَيْ: الْمَوَاتَ وَقَوْلُهُ: لَا لِتَمْلِيكٍ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: أَمَّا، إذَا أَقْطَعَهُ لِتَمْلِيكِ رَقَبَتِهِ فَيَمْلِكُهُ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ فِي بَابِ الرِّكَازِ. اهـ. ثُمَّ رَأَيْت الشَّارِحَ ذَكَرَ ذَلِكَ فِيمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: قَدْرًا احْتُمِلْ) هَذَا يَنْبَغِي رُجُوعُهُ لِجَمِيعِ مَا سَبَقَ كَمَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ تَعْبِيرُ الشَّارِحِ بِمَنْ ذَكَرَ، بَلْ قَدْ يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ الْآتِي: أَحَقَّ بِإِحْيَاءٍ مَا يَقْدِرُونَ عَلَى إحْيَائِهِ. (قَوْلُهُ: بِالِاسْتِيلَاءِ) أَيْ: عَلَى مَوَاتِ أَرْضِ الْحَرْبِ الَّذِي يَذُبُّونَ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ كُلُّهُمْ إلَخْ) وَيَنْبَغِي فِيمَا لَوْ لَمْ يُعْرِضُوا، لَكِنْ تَعَدَّى غَيْرُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالْإِحْيَاءِ أَنْ يَمْلِكَ، وَإِنْ أَثِمَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ إلَّا التَّحَجُّرُ، وَهُوَ لَا يَمْنَعُ الْمِلْكَ بِالْإِحْيَاءِ.

(قَوْلُهُ: فِي الْبَاقِينَ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَأَنَّ مُرَادَهُ بِالْبَاقِينَ الْمَحْجُورُونَ مِنْهُمْ، أَوْ أَنَّ الْإِمَامَ يَنُوبُ مَنَابَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ بَعِيدٌ فِي مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ، أَوْ تُصَوَّرَ الْمَسْأَلَةُ بِمَا إذَا كَانُوا مَحْصُورِينَ يُمْكِنُ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُمْ الْإِعْرَاضُ كَالْغَانِمِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ زَادَ عَلَى كِفَايَتِهِ) لَوْ أَحْيَا الْجَمِيعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَظَاهِرُ الْكَلَامِ مَلَكَ الْجَمِيعَ، نَعَمْ إنْ اُضْطُرَّ غَيْرُهُ لِلزِّيَادَةِ فَفِي الْمِلْكِ نَظَرٌ فَلْيُرَاجَعْ

ــ

[حاشية الشربيني]

وَإِنْ تَضَرَّرَ) وَإِنْ أَفْضَى إلَى التَّلَفِ شَرْحُ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: وَظَهَرَ إلَخْ) حَاصِلُ مَا فِي سم وَع ش وَالرَّشِيدِيِّ أَنَّهُ إنْ اُعْتِيدَ فِعْلُ مَا فَعَلَهُ بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ لَكِنْ لَمْ يُعْتَادَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِخُصُوصِهِ كَجَعْلِ حَانُوتِهِ بَيْنَ الْبَزَّارِينَ حَانُوتَ حِدَادٍ، فَإِنَّهُ، وَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِفِعْلِهِ بَيْنَ مُطْلَقِ الْأَبْنِيَةِ لَكِنْ لَمْ تَجْرِ بِفِعْلِهِ بَيْن خُصُوصِ نَحْوِ أَبْنِيَةِ الْبَزَّارِينَ اُشْتُرِطَ أَنْ لَا يَضُرَّ الْمِلْكَ، وَإِنْ ضَرَّ الْمَالِكَ وَالْأَجْنَبِيَّ بِالْأَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يُعْتَدْ أَصْلًا بِأَنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِفِعْلِهِ بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ أَصْلًا مُنِعَ مِنْهُ وَضَمِنَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ وَذَلِكَ كَأَنْ جَعَلَ دَارِهِ بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ مَعْمَلَ نُشَادِرٍ وَشَمَّهُ أَطْفَالٌ، وَمَاتُوا ضَمِنَ ضَمَانَ خَطَأٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ شَخْصًا، وَأَمَّا إنْ اُعْتِيدَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِخُصُوصِهِ فَلَا ضَمَانَ لِلْمِلْكِ، وَلَا لِلْمَالِكِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَاشْتَغَلَ) قَالَ النَّاشِرِيُّ: لَعَلَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ. اهـ. وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ وَعَلَيْهِ صَحَّ قَوْلُ الشَّارِحِ وَبِقَوْلِهِ: دُونَ طُولٍ إلَخْ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>