للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَتُهُمَا بُطْلَانَ حَقِّهِ، فَإِنْ ذَكَرَ عُذْرًا، أَوْ اسْتَمْهَلَ أُمْهِلَ مُدَّةً قَرِيبَةً يَسْتَعِدُّ فِيهَا لِلْإِحْيَاءِ يُقَدِّرُهَا السُّلْطَانُ بِمَا يَرَاهُ، وَلَا تَتَقَدَّرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْأَصَحِّ، فَإِذَا مَضَتْ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِالْإِحْيَاءِ بَطَلَ حَقُّهُ وَقَدَّرَهَا أَبُو حَنِيفَةَ بِثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَهَا أَجَلَ الْإِقْطَاعِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا وَلَمْ يَجْعَلْهَا أَجَلًا شَرْعِيًّا، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ عُذْرًا وَلَمْ يَسْتَمْهِلْ، بَلْ قَالَ: أَنَا أُحْيِي فَسَكَتَ عَنْهُ السُّلْطَانُ إلَى أَنْ طَالَ الزَّمَانُ وَلَمْ يُحْيِ فَهَلْ يَبْطُلُ حَقُّهُ بِطُولِ الزَّمَانِ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ إلَى السُّلْطَانِ قَالَ الْإِمَامُ: يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ التَّحَجُّرَ ذَرِيعَةٌ إلَى الْعِمَارَةِ وَهِيَ لَا تُؤَخَّرُ عَنْهُ، إلَّا بِقَدْرِ تَهْيِئَةِ أَسْبَابِهَا، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَحَجُّرُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَهْيِئَةِ الْأَسْبَابِ كَمَنْ تَحَجَّرَ لِيُعَمِّرَ فِي قَابِلٍ وَكَفَقِيرٍ تَحَجَّرَ لِيُعَمِّرَ إذَا قَدَرَ فَوَجَبَ إذَا أَخَّرَ وَطَالَ الزَّمَانُ أَنْ يَعُودَ مَوَاتًا كَمَا كَانَ انْتَهَى.

وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِثْلَهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، ثُمَّ قَالَ: عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ، إلَّا بِالرَّفْعِ إلَيْهِ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي إذَا عَرَفَ الْإِمَامُ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فِي الْمُدَّةِ انْتِزَاعَهَا مِنْهُ فِي الْحَالِ، وَكَذَا، إنْ لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ مُعْرِضٌ عَنْ الْعِمَارَةِ وَهَلْ يَلْتَحِقُ الْمُنْدَرِسُ الضَّائِعُ بِالْمَوَاتِ فِي جَوَازِ الْإِقْطَاعِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الْبَحْرِ نَعَمْ بِخِلَافِ الْإِحْيَاءِ، وَقَدْ يُقَالُ هَذَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ جَعْلِهِ كَالْمَالِ الضَّائِعِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُشَبَّهَ لَا يُعْطَى حُكْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَالْحَاصِلُ هَذَا مُقَيِّدٌ لِذَاكَ.

(وَلَا يَبِعْ) أَحَدٌ مِنْ الْمُسْتَوْلِي، وَالْمُعَلِّمِ، وَالْمُقْطَعِ حَقَّهُ، فَلَوْ بَاعَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ حَقَّ التَّمَلُّكِ لَا يُبَاعُ كَحَقِّ الشَّفِيعِ وَخَرَجَ بِقَوْلِي أَوَّلًا: لَا لِتَمْلِيكِ رَقَبَتِهِ مَا لَوْ أَقْطَعَهُ لِتَمْلِيكِ الرَّقَبَةِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعَةٍ فِي بَابِ الرِّكَازِ

. (وَلِلْإِمَامِ أَطْلِقْ حِمًى) أَيْ: وَجُوِّزَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ (لِنَحْوِ نَعَمِ التَّصَدُّقِ) كَنَعَمِ الْجِزْيَةِ، وَالضَّوَالِّ، وَالضُّعَفَاءِ الْعَاجِزِينَ عَنْ النُّجْعَةِ أَرْضًا مَوَاتًا لِتَرْعَى فِيهَا بِأَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ مِنْ رَعْيِهَا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِهِمْ بِأَنْ يَكُونَ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ بِحَيْثُ يَكْفِي بَقِيَّةَ الْمُسْلِمِينَ مَا بَقِيَ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَى النَّقِيعَ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ» رَوَاهُ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: وَلَمْ يَسْتَمْهِلْ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ، فَإِنْ تَحَجَّرَ، وَلَمْ يُعَمِّرْ بِلَا عُذْرٍ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ وَأَمْهَلَهُ مَا يَرَاهُ، إنْ اسْتَمْهَلَ، فَإِنْ تَمَّتْ الْمُهْلَةُ بَطَلَ حَقُّهُ. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ بِلَا مُهْلَةٍ، وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَنْقُولِهِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ مِنْ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِذَلِكَ إلَخْ. اهـ. وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ هُنَا: بِطُولِ الزَّمَانِ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ ابْتِدَاءً وَإِمْهَالٍ حِينَئِذٍ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ: جَوَازُ إقْطَاعِهِ يُنَافِي مَا مَرَّ أَيْ: فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَالْمَوْضِعُ الْمَعْمُورُ إلَخْ؛ حَيْثُ قَالَ: وَإِلَّا فَكَمَالٍ ضَائِعٍ فَالْأَمْرُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ جَوَازَ إقْطَاعِهِ. (قَوْلُهُ: مُقَيِّدٌ لِذَاكَ) فَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَالْمَالِ الضَّائِعِ إلَّا فِي جَوَازِ الْإِقْطَاعِ فَيُخَالِفُهُ فِيهِ؛ إذْ هُوَ ثَابِتٌ فِي الْمُنْدَرِسِ الْمَذْكُورِ دُونَ الْمَالِ الضَّائِعِ، وَالْكَلَامُ إذَا لَمْ يَيْأَسْ مِنْ ظُهُورِ مَالِكِ الْمَالِ الضَّائِعِ، وَإِلَّا صَارَ مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ دَفْعُهُ مِلْكًا لِأَيِّ مَنْ اسْتَحَقَّ فِي بَيْتِ الْمَالِ.

(قَوْلُهُ: حَقَّهُ) أَيْ: الْحَقَّ الثَّابِتَ لَهُ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرَ بِرّ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ) أَيْ: بِمُجَرَّدِ الْإِقْطَاعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ إذْ لَوْ تَوَقَّفَ الْمِلْكُ عَلَى الْإِحْيَاءِ لَمْ يَكُنْ لِلْإِقْطَاعِ فَائِدَةٌ؛ إذْ مُجَرَّدُ الْإِحْيَاءِ مُمَلِّكٌ وَكَتَبَ أَيْضًا

ــ

[حاشية الشربيني]

فَإِنْ ذَكَرَ عُذْرًا إلَخْ) قَالَ م ر: فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ عُذْرًا نَزَعَهَا مِنْهُ حَالًا، وَلَا يُمْهِلُهُ كَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ صَوَابَ الْعِبَارَةِ فَإِنْ ذَكَرَ عُذْرًا وَاسْتَمْهَلَ بِالْوَاوِ لَا بِأَوْ كَمَا فِي عِدَّةِ نُسَخٍ مِنْ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ ذَكَرَ عُذْرًا، أَوْ اسْتَمْهَلَ) هَكَذَا فِي عِدَّةِ نُسَخٍ بِلَفْظِ، أَوْ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فَإِنْ ذَكَرَ عُذْرًا وَاسْتَمْهَلَ بِالْوَاوِ، وَمِثْلُهُ الْمِنْهَاجُ وَشَرْحُ الرَّوْضِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي: فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ إلَخْ أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ عُذْرًا، أَوْ لَمْ يَسْتَمْهِلْ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا كَافٍ عَلَى مَا ذَكَرَ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ عُذْرًا إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِالْعِمَارَةِ عَقِبَ التَّحَجُّرِ فَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، وَلَمْ يُحْيِ قَالَ لَهُ السُّلْطَانُ: أَحْيِ، أَوْ ارْفَعْ يَدَك عَنْهُ فَإِنْ ذَكَرَ عُذْرًا وَاسْتَمْهَلَ أَمْهَلَهُ مُدَّةً قَرِيبَةً يَسْتَعِدُّ فِيهَا لِلْعِمَارَةِ فَإِنْ مَضَتْ، وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِالْعِمَارَةِ بَطَلَ حَقُّهُ وَقَالَ الْإِمَامُ: حَقُّ الْمُتَحَجِّرِ يَبْطُلُ بِطُولِ الزَّمَانِ، وَتَرْكِهِ الْعِمَارَةَ، وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ الْأَمْرَ إلَى السُّلْطَانِ وَلَمْ يُخَاطِبْهُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ التَّحَجُّرَ إلَخْ مَا سَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ مَعَ الْمَتْنِ: وَلَوْ طَالَتْ مُدَّةُ التَّحَجُّرِ قَالَ لَهُ السُّلْطَانُ: أَحْيِ، أَوْ اُتْرُكْ فَإِنْ اسْتَمْهَلَ وَأَبْدَى عُذْرًا أُمْهِلَ مُدَّةً قَرِيبَةً، وَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا بَطَلَ حَقُّهُ أَمَّا، إذَا لَمْ يَذْكُرْ عُذْرًا فَيَنْزِعُهَا مِنْهُ حَالًا وَلَا يُمْهِلُهُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ بِلَا مُهْلَةٍ وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ مِنْ بُطْلَانِهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ إلَى آخِرَ مَقَالَةِ الْإِمَامِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَقَالَةَ الْإِمَامِ فِيمَا، إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ ابْتِدَاءً، وَلَمْ يَقَعْ إمْهَالٌ، أَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ إلَخْ فَمَعَ مُخَالَفَتِهِ لَهُمَا فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ عُذْرًا نَزَعَهَا مِنْهُ الْإِمَامُ كَمَا سَبَقَ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لَبُطْلَانِ حَقِّهِ فَكَيْفَ يَتَرَدَّدُ فِي بُطْلَانِ حَقِّهِ بِطُولِ الزَّمَانِ بَعْدَ ذَلِكَ بِدُونِ رَفْعٍ؟ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ عُذْرًا إلَّا بِنَزْعِهَا مِنْهُ لَكِنْ صَرَّحَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَذِرْ بَطَلَ حَقُّهُ فَتَأَمَّلْ، وَرَاجِعْ. (قَوْلُهُ: فِي جَوَازِ الْإِقْطَاعِ إلَخْ) أَيْ:

<<  <  ج: ص:  >  >>