للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: حَمَاهُ لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ وَنَعَمِ الْجِزْيَةِ. وَكَمَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ يَجُوزُ لِلْوُلَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَخَرَجَ بِنَحْوِ نَعَمِ التَّصَدُّقِ مَا إذَا حَمَى لِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ، إلَّا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ «لَا حِمَى، إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ

. (وَجَازَ) لِلْإِمَامِ دُونَ غَيْرِهِ (نَقْضُ مَا) حَمَاهُ هُوَ، أَوْ غَيْرُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِأَنْ ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ بَعْدَ ظُهُورِهَا فِي الْحِمَى (سِوَى النَّقِيعِ بِالنُّونِ) ، وَهُوَ مَوْضِعٌ عَلَى نَحْوِ عِشْرِينَ مِيلًا مِنْ الْمَدِينَةِ فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ بِحَالٍ، وَإِنْ زَالَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ (إذْ ذَاكَ حِمَى الشَّفِيعِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ نَصٌّ، وَهُوَ لَا يُنْتَقَضُ بِالِاجْتِهَادِ، وَالتَّعْلِيلِ بِذَلِكَ مَعَ ضَبْطِ النَّقِيعِ بِالنُّونِ مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ وَقِيلَ: بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ كَبَقِيعِ الْغَرْقَدِ الَّذِي لَا خِلَافَ فِي كَوْنِهِ بِالْبَاءِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَوْ غَرَسَ، أَوْ زَرَعَ أَحَدٌ بِالنَّقِيعِ نُقِضَ قَالَ: وَيَنْبَغِي نَصْبُ حُفَّاظٍ عَلَى الْحِمَى مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ يَمْنَعُونَ أَهْلَ الْقُوَّةِ مِنْهُ دُونَ الضُّعَفَاءِ وَيَتَلَطَّفُونَ بِالضُّعَفَاءِ، فَإِنْ كَانَ لِلْإِمَامِ مَاشِيَةٌ لَمْ يُدْخِلْهَا الْحِمَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَقْوِيَاءِ، فَلَوْ أَدْخَلَ الْقَوِيُّ مَاشِيَتَهُ فَرَعَتْ فَلَا غُرْمَ، وَلَا تَعْزِيرَ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَجِّ أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ نَبَاتِ النَّقِيعِ ضَمِنَهُ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَابْنِ الرِّفْعَةِ: وَلَعَلَّ عَدَمَ التَّعْزِيرِ لِمَنْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ، وَإِلَّا فَلَا رَيْبَ فِي التَّعْزِيرِ.

وَلَوْ أَحْيَا الْحِمَى رَجُلٌ بِإِذْنِ الْإِمَامِ مَلَكَهُ، وَكَانَ الْإِذْنُ نَقْضًا، وَإِنْ اسْتَقَلَّ بِالْإِحْيَاءِ لَمْ يَمْلِكْهُ وَيُمْنَعُ مِنْهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى تَصَرُّفِ الْإِمَامِ وَحُكْمِهِ وَيَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ الْمَاءَ الْعِدَّ لِشِرْبِ خَيْلِ الصَّدَقَةِ، وَغَيْرِهَا

. وَذَكَرَ النَّاظِمُ كَغَيْرِهِ هُنَا الْحُقُوقَ الْمُشْتَرَكَةَ فِي الْبِقَاعِ فَقَالَ: (مَنْفَعَةُ الشَّارِعِ) كَائِنَةٌ (لِلطُّرُوقِ) فِيهِ أَصَالَةً (وَلِمُعَامِلٍ) أَيْ: لِجُلُوسِهِ فِيهِ لِلْمُعَامَلَةِ (بِلَا تَضْيِيقِ) عَلَى الْمَارَّةِ، وَلَوْ أَخَّرَ هَذَا الْقَيْدَ كَأَصْلِهِ عَنْ قَوْلِهِ: (وَلِلْجُلُوسِ) فِيهِ (مُسْتَرِيحًا) أَيْ: لِلِاسْتِرَاحَةِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَيْدٌ فِيهِ أَيْضًا وَسَوَاءٌ أَذِنَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ، أَمْ لَا؛ لِاتِّفَاقِ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ وَلَهُ أَنْ يُظَلَّل عَلَى مَوْضِعِ جُلُوسِهِ بِمَا لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ مِنْ نَحْوِ ثَوْبٍ وَبَارِيَةٍ وَفِي ثُبُوتِ هَذَا الِارْتِفَاقِ لِلذِّمِّيِّ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ ثُبُوتُهُ لَهُ وَرَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ لَا يَتَأَبَّدُ.

وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ بُقْعَةً مِنْ الشَّارِعِ لِمَنْ يَرْتَفِقُ فِيهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا وَاجْتِهَادًا فِي أَنَّ الْجُلُوسَ فِيهِ مُضِرٌّ، أَوْ لَا وَلِهَذَا يُزْعِجُ مَنْ رَأَى جُلُوسَهُ مُضِرًّا، وَلَيْسَ لَهُ، وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ عِوَضًا مِمَّنْ يَرْتَفِقُ بِذَلِكَ (وَأَحَقْ) بِمَنَافِعِ مَوْضِعٍ بِالشَّارِعِ (وَلَوْ بِتَطْوِيلِ الْعُكُوفِ) عَلَيْهَا (مَنْ سَبَقْ) إلَيْهِ لِأَجْلِهَا لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ» ، وَلِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي مُلَازَمَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَأْلَفَهُ النَّاسُ (وَ) أَحَقُّ بِمَوْضِعِ التَّعْلِيمِ (فِي بُيُوتِ اللَّهِ) مَنْ سَبَقَ إلَيْهِ (لِلتَّعْلِيمِ لِطَالِبِ الْقُرْآنِ، وَالْعُلُومِ) الْمُتَعَلِّقَةِ بِالشَّرِيعَةِ، وَلَوْ طَالَ عُكُوفُهُ فِيهِ؛ لِمَا مَرَّ وَتَسْتَمِرُّ أَحَقِّيَّةُ مَنْ سَبَقَ لِلْمُعَامَلَةِ، أَوْ التَّعْلِيمِ (حَتَّى يُخَلِّيَ حِرْفَةً) أَيْ: إلَى أَنْ يَتْرُكَ حِرْفَتَهُ مِنْ الْمُعَامَلَةِ، أَوْ التَّعْلِيمِ بِالْكُلِّيَّةِ (أَوْ انْتَقَلْ) لَهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ (أَوْ فَارَقَ) ذَلِكَ (الْمَوْضِعَ) مُدَّةً، وَلَوْ بِعُذْرٍ (وَالْإِلْفُ انْفَصَلْ) أَيْ: وَقَدْ انْقَطَعَ إلْفُهُ لِلْمُعَامَلَةِ، أَوْ التَّعْلِيمِ، فَإِنْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَ حَقُّهُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ

ــ

[حاشية العبادي]

الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا يَجْرِي أَيْضًا فِي الْمُنْدَرِسِ الضَّائِعِ بِرّ

(قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ: حَمَاهُ لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَنَعَمِ الْجِزْيَةِ وَخَيْلِ الْمُجَاهِدِينَ، وَالْأَوَّلَانِ مُدْرَجَانِ فِي الْخَبَرِ اهـ. (قَوْلُهُ: يَجُوزُ لِلْوُلَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ) يَنْبَغِي أَنَّ لَهُمْ أَيْضًا نَقْضَ مَا حَمَوْهُ كَالْإِمَامِ الْآتِي بَيَانُهُ، لَكِنْ قَدْ يُخَالِفُ ذَلِكَ قَوْلَهُ الْآتِي: دُونَ غَيْرِهِ، مَعَ قَوْلِهِ: أَوْ غَيْرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

. (قَوْلُهُ: دُونَ غَيْرِهِ) أَيْ: لَيْسَ لِغَيْرِ الْإِمَامِ نَقْضُ مَا حَمَاهُ الْإِمَامُ أَيْ: أَوْ نَائِبُهُ. وَهَلْ لِنَائِبِ الْإِمَامِ نَقْضُ مَا حَمَاهُ؟ . (قَوْلُهُ: وَلَا تَعْزِيرَ) وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ م ر. (قَوْلُهُ: ضَمِنَهُ عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ: لِأَنَّ مَا هُنَاكَ فِي الْإِتْلَافِ بِغَيْرِ الرَّعْيِ وَمَا هُنَا فِي الْإِتْلَافِ بِالرَّعْيِ بِرّ. (قَوْلُهُ: الْعِدِّ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ هُوَ الْمَاءُ الَّذِي لَهُ مَادَّةٌ لَا تَنْقَطِعُ كَمَاءِ الْعَيْنِ، وَالْبِئْرِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ بِرّ

(قَوْلُهُ: هَذَا الِارْتِفَاقِ) أَيْ: الْجُلُوسِ لِلْمُعَامَلَةِ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ) وَابْنُ الرِّفْعَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ ضَرَرَهُ لَا يَتَأَيَّدُ) قَضِيَّةُ الصَّنِيعِ أَنَّ لَهُ أَيْضًا التَّظْلِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ فِي الْمُثْبَتِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ (قَوْلُهُ مَنْ سَبَقَ) يَشْمَلُ الذِّمِّيَّ، وَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ إلَى مَكَان مِنْهُ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا فَهُوَ أَحَقُّ قَطْعًا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ رَوْضٌ وَشَرْحُهُ. (قَوْلُهُ: لِلتَّعْلِيمِ) مِثْلُهُ التَّعَلُّمُ صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ بِرّ يَشْمَلُ تَعَلُّمَ الْقُرْآنِ بِنَفْسِهِ بِأَنْ جَلَسَ فِي مَوْضِعٍ لِدَرْسِ قُرْآنٍ فِي نَحْوِ لَوْحٍ م ر.

(قَوْلُهُ: وَالتَّعْلِيمُ لِطَالِبِ الْقُرْآنِ) يَشْمَلُ تَعْلِيمَ ذَلِكَ بِأُجْرَةٍ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: الْمُتَعَلِّقَةِ بِالشَّرِيعَةِ) يَنْبَغِي أَوْ مَا كَانَ آلَةً لَهَا. (قَوْلُهُ: وَالْإِلْفُ انْفَصَلَ) أَيْ: بِالْقُوَّةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الِانْفِصَالُ بِالْفِعْلِ أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي بِرّ. (قَوْلُهُ: بَطَلَ حَقُّهُ) ، وَإِنْ تَرَكَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ، أَوْ كَانَ

ــ

[حاشية الشربيني]

لِلْإِرْفَاقِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ

(قَوْلُهُ: بِأَنْ ظَهَرَتْ إلَخْ) فَلَيْسَ مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ شَرْحُ الرَّوْضِ أَيْ: بَلْ هُوَ تَغَيُّرُ اجْتِهَادٍ. (قَوْلُهُ: سِوَى النَّقِيعِ) وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَهُوَ فِي الرَّوْضِ أَيْضًا

(قَوْلُهُ: لِلطُّرُوقِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>