للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَوْضِعِ الْمُعَيَّنِ أَنْ يُعْرَفَ فَيُعَامَلُ، أَوْ يُتَعَلَّمُ مِنْهُ، وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِرُجُوعِهِ لَيْلًا إلَى بَيْتِهِ، وَكَذَا الْأَسْوَاقُ الَّتِي تُقَامُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ، أَوْ شَهْرٍ إذَا اتَّخَذَ فِيهَا مَقْعَدًا كَانَ أَحَقَّ بِهِ فِي جَمِيعِ نَوْبَةٍ، وَلَوْ أَرَادَ غَيْرُهُ الْجُلُوسَ فِيهِ مُدَّةَ غَيْبَتِهِ إلَى عَوْدِهِ لَمْ يُمْنَعْ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ مَنْفَعَةُ الْمَوْضِعِ، وَلَوْ كَانَ جَوَّالًا، أَوْ جَالِسًا لِلِاسْتِرَاحَةِ، أَوْ نَحْوَهَا وَفَارَقَهُ، وَلَوْ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ بَطَلَ حَقُّهُ بِمُفَارَقَتِهِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ. وَمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ السَّابِقَ فِي صُورَةِ التَّعْلِيمِ فِي الْمَسَاجِدِ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِمُفَارَقَتِهِ الْمَوْضِعَ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ وَالْغَزَالِيِّ، وَقَالَ: إنَّهُ أَشْبَهُ بِمَأْخَذِ الْبَابِ وَنُقِلَ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّهُ بِهَا وَزَادَ النَّوَوِيُّ قُلْت: وَهُوَ مَا حَكَاهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَحَقُّ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُ مِنْ الْجُمْهُورِ انْتَهَى. زَادَ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَالَ يَعْنِي الْمَاوَرْدِيَّ: إنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ أَحَقُّ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ غَلَطٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْقُولُ، وَهُوَ مَا ارْتَضَاهُ الْإِمَامُ كَأَبِيهِ قَالَ: وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: إنَّهُ أَحَقُّ بِهِ وَإِذَا حَضَرَ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقْعُدَ فِيهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ مُسَلِّمًا، وَالْمَنْقُولُ مَا قَدَّمْنَاهُ.

(وَ) أَحَقُّ بِالْمَوْضِعِ فِي الْمَسْجِدِ مَنْ سَبَقَ إلَيْهِ (لِلصَّلَاةِ) فِيهِ فِي (تِلْكَ) الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا (لَا غَيْرِ) أَيْ: لَا غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ لِغَيْرِهِ إقَامَتَهُ مِنْهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ يُفَارِقْهُ حَتَّى لَوْ اسْتَمَرَّ إلَى وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى فَحَقُّهُ بَاقٍ، وَلَوْ فَارَقَهُ قَبْلَهَا لِشُغْلٍ كَإِجَابَةِ دَاعٍ، أَوْ رُعَافٍ، أَوْ قَضَاءِ حَاجَةٍ وَنَوَى الْعَوْدَ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ مِنْهُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ إزَارَهُ، أَوْ نَحْوَهُ فِيهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَمِرَّ حَقُّهُ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ كَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُعَامَلَةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَقَاعِدِ، وَالصَّلَاةَ بِبِقَاعِ الْمَسْجِدِ لَا تَخْتَلِفُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَك أَنْ تَمْنَعَهُ بِأَنَّ ثَوَابَ الصَّلَاةِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَكْثَرُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ لَهُ مَوْضِعَهُ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ لَزِمَ عَدَمُ اتِّصَالِ الصَّفِّ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى نُقْصَانِهَا؛ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِهَا، وَلَوْ أَمْكَنَ مَجِيئُهُ فِي أَثْنَائِهَا لَمْ يُجْبَرْ ذَلِكَ الْخَلَلُ الْوَاقِعُ فِي أَوَّلِهَا. وَيُمْنَعُ مِنْ الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالْحِرْفَةِ؛ إذْ حُرْمَتُهُ تَأْبَى اتِّخَاذَهُ حَانُوتًا وَمِنْ اسْتِطْرَاقِ حِلَقِ الْفُقَهَاءِ، وَالْقُرَّاءِ تَوْقِيرًا لَهَا (وَ) أَحَقُّ بِالْمَوْضِعِ (فِي سَبْقِ امْرِئٍ فِي رُبُطِ التَّصَوُّفِ) ، أَوْ غَيْرِهِ مَنْ سَبَقَ إلَيْهِ وَفِيهِ شَرْطُ ذَلِكَ (وَلَوْ لِشُغْلٍ غَابَ) عَنْهُ كَشِرَاءِ طَعَامٍ، سَوَاءٌ

ــ

[حاشية العبادي]

جُلُوسُهُ فِيهِ بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ شَرْحُ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: نَعَمْ، إنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فِي غَيْبَتِهِ وَاتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ فَالْوَجْهُ سَدُّ الصَّفِّ مَكَانَهُ لِمَصْلَحَةِ إتْمَامِ الصُّفُوفِ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ اسْتَمَرَّ) مَفْهُومُهُ عَدَمُ بَقَاءِ حَقِّهِ، إذَا فَارَقَهُ، لَكِنْ لَوْ كَانَتْ الْمُفَارَقَةُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِحَاجَةٍ وَيَعُودُ اُتُّجِهَ الْبَقَاءُ، بَلْ قَدْ يَتَّجِهُ الْبَقَاءُ أَيْضًا، إذَا فَارَقَهُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْأُخْرَى لِحَاجَةٍ وَيَعُودُ، إذَا كَانَ غَرَضُهُ الْجُلُوسَ لَهَا فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ فَارَقَهُ قَبْلَهَا) شَامِلٌ لِمَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ السَّابِقِ: وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا. (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ) قَدْ يَرِدُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُثْبِتَ حَقَّهُ مَا لَمْ تُقَمْ الصَّلَاةُ وَأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى الْمَلْحُوظَ فِي هَذَا الْجَوَابِ مَوْجُودٌ فِي الصَّلَاةِ، مَعَ ثُبُوتِ حَقِّهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَيُمْنَعُ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: نَدْبًا مِنْ الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ إلَخْ يَحْرُمُ اتِّخَاذُ الْمَسْجِدِ حَانُوتًا لِلِاحْتِرَافِ فِيهِ، وَلَوْ لِكِتَابَةِ الْعِلْمِ وَاسْتِثْنَاؤُهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ حَيْثُ اتَّخَذَهُ حَانُوتًا لَهَا. وَكَوْنُ الْمَنْعِ مِنْ الْجُلُوسِ فِيهِ لِلْبَيْعِ، وَالشِّرَاءُ مَنْدُوبٌ مَحَلُّهُ، إذَا لَمْ يَتَّخِذْهُ حَانُوتًا م ر. (قَوْلُهُ: إذْ حُرْمَتُهُ تَأْبَى اتِّخَاذَهُ حَانُوتًا) وَقَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ أَنَّ تَعَاطِيَ ذَلِكَ فِيهِ مَكْرُوهٌ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ اسْتِطْرَاقِ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مِنْ الْجُلُوسِ

ــ

[حاشية الشربيني]

عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ الطُّرُوقُ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهَا لَهُ الْحُكْمُ بِهَا عَلَيْهِ يَعْنِي أَنَّهُ هُوَ الْمَنْفَعَةُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَد وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ. اهـ. م ر.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ إلَخْ) لَكِنْ إنْ عُدَّ مُنْتَظِرًا لَهَا عُرْفًا لَا نَحْوَ بَعْدَ صُبْحٍ لْانْتِظَارِ ظُهْرٍ إلَّا إنْ اسْتَمَرَّ جَالِسًا. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فَارَقَهُ إلَخْ) وَمِثْلُ الصَّلَاةِ الِاعْتِكَافُ، إنْ قَدَّرَ بِمُدَّةٍ فَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْ فَإِنْ خَرَجَ بِقَصْدِ الْعَوْدِ لَمْ يَبْطُلْ وَإِلَّا بَطَلَ وَلَوْ لِحَاجَةٍ، أَمَّا الْمُقَدَّرُ فَلَا يَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ لِحَاجَةٍ قَالَ سم: وَيَجْرِي مِثْلُ مَا ذَكَرَ فِيمَا لَوْ جَلَسَ لِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ فَيَفْصِلُ بَيْنَ كَوْنِهِ قَاصِدًا قَدْرًا مِنْهُ، أَوْ لَا. اهـ. مُعْنِي. (قَوْلُهُ: وَيُمْنَعُ) أَيْ: نَدْبًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ازْدِرَاءٌ بِهِ وَيَجِبُ إنْ كَانَ فِيهَا ازْدِرَاءٌ بِهِ وَيَحْرُمُ حِينَئِذٍ فِعْلُهَا فِيهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيهَا تَضْيِيقٌ عَلَى أَهْلِهِ وَلَوْ بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِ كَالْكَاتِبِ بِالْأُجْرَةِ. اهـ. ق ل وَغَيْرُهُ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ اسْتِطْرَاقِ إلَخْ) أَيْ: يُمْنَعُ مِنْهُ نَدْبًا كَمَا فِي شَرْحِ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ. (قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>