الْمَوَاتَ أَوَّلًا، وَتَعْبِيرُهُ بِهِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْأَعْلَى لِسَلَامَتِهِ مِنْ إيهَامِ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَقْرَبُ إلَى الْمَاءِ، فَإِنْ احْتَاجَ مَنْ أَحْيَا أَوَّلًا إلَى السَّقْيِ مَرَّةً أُخْرَى مُكِّنَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ ارْتِفَاعٌ وَانْخِفَاضٌ أَفْرَدَ كُلَّ طَرَفٍ بِسَقْيٍ، هَذَا كُلُّهُ (فِي) مَاءٍ (غَيْرِ وَافٍ) بِهِمْ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّشَاحُحِ، أَمَّا الْوَافِي بِهِمْ فَلِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَسْقِيَ مِنْهُ مَتَى شَاءَ (وَلْيُسَرِّحْ) مَنْ أَحْيَا أَوَّلًا الْمَاءَ بَعْدَ سَقْيِهِ إلَى مَنْ أَحْيَا ثَانِيًا، وَمَنْ أَحْيَا ثَانِيًا إلَى مَنْ أَحْيَا ثَالِثًا وَهَكَذَا (وَمَنَعْ) مَنْ أَحْيَا أَوَّلًا (إذْ) أَيُّ وَقْتٍ (لَا يَفِي) الْمَاءُ (بِالْكُلِّ مَنْ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْمَاءِ (قَطَعْ) قَبْلَ بُلُوغِهِ الْكَعْبَيْنِ لِيَسْقِيَ بِهِ أَرْضَهُ إلَى بُلُوغِهِ ذَلِكَ لِسَبْقِ حَقِّهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَفَّى الْمَاءُ بِكُلِّهِمْ فَلَا مَنْعَ لَهُ وَمَحَلُّ مَا مَرَّ إذَا لَمْ يَكُنْ النَّهْرُ مَمْلُوكًا، وَإِلَّا بِأَنْ حَفَرَ نَهْرًا يَدْخُلُ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ الْوَادِي الْعَظِيمِ، أَوْ مِنْ النَّهْرِ الْمُنْخَرِقِ مِنْهُ فَالْمَاءُ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ لَكِنَّ مَالِكَ النَّهْرِ أَحَقُّ بِهِ كَالسَّيْلِ يَدْخُلُ مِلْكُهُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مُزَاحَمَتُهُ لِسَقْيِ الْأَرَضِينَ. وَأَمَّا لِلشُّرْبِ، وَالِاسْتِعْمَالِ وَسَقْيِ الدَّوَابِّ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَاصِمٍ وَالْمُتَوَلِّي: لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّيْخَانِ.
وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ: فِي غَيْرِ وَافٍ وَبِقَوْلِهِ: إذْ لَا يَفِي بِالْكُلِّ مِنْ زِيَادَتِهِ مَعَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ (وَ) مَاءٍ (مُحْرَزٌ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْمَاءِ الْمُبَاحِ (بِظَرْفٍ) كَكُوزٍ وَحَوْضٍ مَسْدُودِ الْمَنَافِذِ (مُلِكَا) أَيْ: مَلَكَهُ مَنْ أَحْرَزَهُ كَمَا لَوْ احْتَشَّ، أَوْ احْتَطَبَ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَإِذَا دَخَلَ الْمَاءُ فِي كِيزَانِ الدُّولَابِ الَّذِي يُدِيرُهُ الْمَاءُ أَيْ: أَوْ الدُّولَابِ مَلَكَهُ صَاحِبُ الدُّولَابِ كَمَا لَوْ اسْتَقَاهُ بِنَفْسِهِ وَخَرَجَ بِالْمُحْرَزِ بِظَرْفٍ الدَّاخِلُ فِي مِلْكِهِ بِسَيْلٍ، أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ بِدُخُولِهِ حَتَّى لَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ الدُّخُولُ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَاثْنَانِ إنْ تَسَاوَقَا) تَبِعَ كَأَصْلِهِ فِي تَعْبِيرِهِ بِالْمُسَاوَقَةِ الْغَزَالِيَّ وَهِيَ تَقْتَضِي التَّعَاقُبَ كَمَا أَفَادَهُ النَّوَوِيُّ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ الْمَعِيَّةَ، فَلَوْ قَالَ: وَإِنْ تَسَاوَيَا بِالْيَاءِ لَوَفَّى بِالْمُرَادِ، وَقَدْ وُجِدَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْ: وَإِنْ جَاءَ اثْنَانِ مَعًا إلَى شَيْءٍ مِنْ الْمُشْتَرَكَاتِ السَّابِقَةِ (يَشْتَرِكَا) فِيهِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: مُكِّنَ مِنْهُ) ظَاهِرُهُ، وَلَوْ بَعْدَ شُرُوعِ الْآخَرِ فِي السَّقْيِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: مَنْ أَحْيَا) فَاعِلٌ وَقَوْلُهُ: مِنْهُ مَفْعُولٌ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ) ظَاهِرُهُ لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْ دُخُولِ مِلْكِهِ لِذَلِكَ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّ السَّيْلَ، إذَا دَخَلَ مِلْكَهُ فَالْمَاءُ بَاقٍ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَلَكِنْ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِلْكَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ بِرّ وَكَتَبَ أَيْضًا: لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ؛ حَيْثُ لَا دُخُولَ إلَى مِلْكِهِ بِأَنْ أُرِيدَ الْأَخْذُ مِنْهُ لِلْمَذْكُورَاتِ، مَعَ عَدَمِ دُخُولِ الْآخِذِ كَأَنْ يَمُدَّ يَدَهُ إلَيْهِ لِلْأَخْذِ مِنْهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي: لَكِنْ لَيْسَ لَهُ الدُّخُولُ إلَخْ وَكَتَبَ أَيْضًا يَنْبَغِي أَنَّ لَهُ الْمَنْعَ مِنْ دُخُولِ الدَّوَابِّ مِلْكَهُ، إنْ أَضَرَّ دُخُولُهَا، بَلْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: كَالسَّيْلِ يَدْخُلُ مِلْكَهُ امْتِنَاعُ دُخُولِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ السَّيْلِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الدُّخُولُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. (قَوْلُهُ: بِظَرْفٍ) اُنْظُرْ لَوْ حَصَلَ فِي الظَّرْفِ الْمَذْكُورِ بِنَفْسِهِ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ إلَخْ) زَادَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَإِذَا خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ أَخَذَهُ مَنْ شَاءَ، نَعَمْ إنْ حَوَّطَ عَلَيْهِ كَأَنْ كَانَ فِي دَارٍ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ قَالَ: وَيَشْهَدُ لَهُ مَا لَوْ دَخَلَ صَيْدٌ إلَى مِلْكِهِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ لَيْسَ لَهُ الدُّخُولُ إلَخْ) يُحْتَمَلُ تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ مِلْكٍ لَا يَتَأَثَّرُ هُوَ، أَوْ مَالِكُهُ بِالدُّخُولِ بِوَجْهٍ كَأَرْضٍ خَارِجِ الْعُمْرَانِ لَا تَتَأَثَّرُ بِوَجْهٍ بِالدُّخُولِ هِيَ، وَلَا مَالِكُهَا. (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ: أَوْ ظَنِّ رِضَاهُ
[حاشية الشربيني]
إلَى أَوَّلِ الْكَعْبَيْنِ فَالْغَايَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ خَارِجَهُ. (قَوْلُهُ: مِنْ إيهَامِ إلَخْ) لِأَنَّ الْأَقْرَبَ إنَّمَا يُقَدَّمُ إنْ عُلِمَ سَبْقُهُ بِالْإِحْيَاءِ، أَوْ جُهِلَ الْحَالُ كَمَا فِي ق ل وَغَيْرِهِ وَيُزَادُ مَا إذَا تَقَارَنَا.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ ارْتِفَاعٌ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ فَإِنْ انْخَفَضَ بَعْضٌ مِنْ أَرْضِ الْأَعْلَى بِحَيْثُ يَأْخُذُ فَوْقَ الْحَاجَةِ قَبْلَ سَقْيِ الْمُرْتَفِعِ مِنْهَا أُفْرِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِسَقْيٍ بِأَنْ يَسْقِيَ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ يَسُدَّهُ، ثُمَّ يَسْقِيَ الْآخَرُ. (قَوْلُهُ: مُكِّنَ مِنْهُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْدَ شُرُوعِ مَنْ بَعْدَهُ فِي السَّقْيِ، وَالْتَزَمَهُ م ر لَكِنْ أَظُنُّ الْعُبَابَ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر سَقَى الْأَعْلَى، وَإِنْ زَادَ عَلَى مَرَّةٍ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ أَرْضَهُ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مَا دَامَتْ لَهُ بِهِ حَاجَةٌ. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ بَلْ صَرِيحٌ فِي الْأَوَّلِ.
(قَوْلُهُ: فَقَالَ الشَّيْخُ إلَخْ) قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: يَجُوزُ الشُّرْبُ وَسَقْيُ الدَّوَابِّ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْجَدَاوِلِ الْمَمْلُوكَةِ وَلَوْ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ، أَوْ الْمَوْقُوفَةِ وَلَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِمَالِكِهَا، أَوْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَمُحْرِزٍ إلَخْ) سُئِلَ عَمَّنْ سَدَّ بِرْكَةً مُبَاحَةً، أَوْ مَمْلُوكَةً هَلْ يَمْلِكُ مَا فِيهَا مِنْ السَّمَكِ؟ فَأَجَابَ م ر بِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ سَدَّهَا بِقَصْدِ اصْطِيَادِهِ وَاعْتِيدَ اصْطِيَادُهُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْبِرْكَةِ مَلَكَهُ وَإِلَّا كَانَ مُتَحَجِّرًا فَإِذَا انْصَرَفَ الْمَاءُ عَنْهُ جَازَ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَلِمْهُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ؛ لِعَدَمِ الْمِلْكِ كَمَا لَوْ وَحَلَ أَرْضَهُ فَتَوَحَّلَ بِهَا صَيْدٌ، فَإِنَّهُ إنْ قَصَدَ بِتَوْحِيلِهَا اصْطِيَادَ الصَّيْدِ وَاعْتِيدَ تَوْحِيلُهَا لِذَلِكَ مَلَكَهُ وَإِلَّا فَلَا سم عَلَى التُّحْفَةِ. (قَوْلُهُ: أَيْ: مَلَكَهُ مَنْ أَحْرَزَهُ) فَلَوْ أَعَادَهُ إلَى مَا أَحْرَزَهُ مِنْهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ لِاخْتِلَاطِهِ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ عَنْهُ كَمَا لَوْ غَصَبَ مَاءً خَلَطَهُ بِمَائِهِ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا فِيهِ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ مَالِكِهِ بَلْ هَذَا أَوْلَى؛ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ شَرِيكٍ لَهُ؛ إذْ لَا مَالِكَ لِلْمَخْلُوطِ بِهِ وَبِهَذَا ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ مَا إذَا مَلَكَ صَيْدًا بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ، ثُمَّ سَيَّبَهُ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ شَيْءٌ مُقْتَضٍ لِزَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ مَالِكِهِ؛ إذْ هُوَ مُتَمَيِّزٌ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ انْبِهَامٌ يُصَيِّرُهُ مُبَاحًا، بِخِلَافِ الْمَاءِ، فَإِنَّهُ انْبَهَمَ بِمُبَاحٍ لَا يُمْكِنُ تَمَيُّزُهُ عَنْهُ بِوَجْهٍ فَأُعْطِيَ حُكْمَهُ كَذَا فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ وَجْهُ بَقَاءِ الْمِلْكِ فِي اخْتِلَاطِ حَمَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute