إذْ قَدْ حَلَّهُ حُرْمَةُ الْعِتْقِ فَكَأَنَّهُ عَتِيقٌ (وَلَا مُسْتَأْجِرٍ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمُكْتَرِي وَقْفُ مَنْفَعَتِهِ لِمَا مَرَّ أَمَّا وَقْفُ رَقَبَتِهِ مِنْ مَالِكِهَا فَصَحِيحٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (وَأُمِّ فَرْعِهِ) أَيْ: وَلَا أُمِّ وَلَدٍ لِمَا مَرَّ فِي الْمُكَاتَبِ.
ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ قِسْمَانِ: مُعَيَّنٌ، وَجِهَةٌ فَقَالَ: (عَلَى أَهْلٍ لِمِلْكِ ذَاكَ) أَيْ: صَحَّ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ أَهْلٍ لِتَمَلُّكِ الْمَوْقُوفِ مِنْ الْوَاقِفِ بِأَنْ يُمْكِنَ تَمْلِيكُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ إنْ قُلْنَا بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ، وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ إنْ لَمْ نَقُلْ بِهِ. فَيَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الذِّمِّيِّ كَالْوَصِيَّةِ لَهُ وَالتَّصَدُّقِ عَلَيْهِ وَاعْتَبَرُوا إمْكَانَ تَمْلِيكِ الْمَوْقُوفِ لَا مَنْفَعَتِهِ لِيَدْخُلَ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ وَقْفُ الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ وَالْمُصْحَفِ عَلَى الْكَافِرِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ اعْتِبَارَ بَيَانِ الْمَصْرِفِ كَالْمُشْتَرِي وَلِأَنَّ جَهَالَتَهُ مُبْطِلَةٌ فَعَدَمُ ذِكْرِهِ أَوْلَى وَيُخَالِفُ مَا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ حَمْلًا عَلَى الْغَالِبِ مِنْ الْإِيصَاءِ لَهُمْ وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ فَتَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ وَالنَّجِسِ وَغَيْرِهِمَا بِخِلَافِ الْوَقْفِ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ.
(لَا) عَلَى. (الْبَهِيمَهْ) وَلَوْ عَلَى عَلَفِهَا سَوَاءٌ قَصَدَهَا بِالْوَقْفِ أَمْ أَطْلَقَ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِلْمِلْكِ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ مَالِكَهَا فَهُوَ وَقْفٌ عَلَيْهِ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَوْقُوفَةِ، أَمَّا الْمَوْقُوفَةُ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى عَلَفِهَا قِيَاسًا عَلَى مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى عِمَارَةِ الدَّارِ إنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً قَالَ الْغَزَالِيُّ وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى حَمَّامِ مَكَّةَ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ وَلَا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ (وَ) لَا عَلَى (نَفْسِهِ) لِتَعَذُّرِ تَمْلِيكِ الْإِنْسَانِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: أَمَّا وَقْفُ رَقَبَتِهِ) وَلَوْ مَسْجِدًا فَيَصِيرُ مَسْجِدًا مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُسْتَأْجِرِ إيَّاهَا لَكِنْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ كَوَضْعِ السِّرْجِينِ فِيهِ وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إنْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ الْمَقْصُودُ لَهُ م ر.
(قَوْلُهُ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ) حَيْثُ ذَكَرَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَلَى أَهْلٍ لِمِلْكِ ذَاكَ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ) الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ. اهـ. وَبَحَثَ م ر اخْتِصَاصَهُ بِفُقَرَائِهِمْ وَالِاكْتِفَاءَ بِالصَّرْفِ إلَى مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ أَيِّ أَرْضٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ قَوْمٍ كَانُوا وَفِيهِ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِتَعَذُّرِ تَمْلِيكِ الْإِنْسَانِ إلَخْ) هَلْ يَأْتِي هَذَا التَّعْلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ
ــ
[حاشية الشربيني]
مُتَجَانِسَانِ فِي أَنَّ كُلًّا لِلَّهِ فَقُدِّمَ أَقْوَاهُمَا لِأَنَّهُ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ لَكِنَّهُ خَرَجَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُتَشَوِّفٌ لِلْعِتْقِ فَيَبْقَى حَقُّهُ الْأَوَّلُ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُ إنَّمَا يُعْتَقُ إلَخْ ضَعِيفٌ.
(قَوْلُهُ: عَلَى أَهْلٍ لِمِلْكِ ذَاكَ) وَيَجِبُ بَيَانُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فِيمَا لَا يُضَاهِي التَّحْرِيرَ: فِيهِ كَالْمَسْجِدِ فَلَا يَجِبُ بَلْ إنْ بَيَّنَهُ بِبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ جَمِيعِهِمْ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَهُوَ جَمِيعُهُمْ. اهـ. سم عَلَى أَبِي شُجَاعٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى مُعَيَّنٍ) أَخْذُ التَّقْيِيدِ بِهِ مِنْ اعْتِبَارِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي الْمُعَيَّنِ دُونَ الْجِهَةِ. (قَوْلُهُ وَاعْتَبَرُوا إمْكَانَ تَمْلِيكِ الْمَوْقُوفِ إلَخْ) قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَصِحُّ وَقْفُ أَصْلِ الْكَافِرِ أَوْ فَرْعِهِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ وَقَدْ يَتَوَقَّفُ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ. اهـ. وَحَاصِلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْفَرْقِ أَنَّهُ بِالْمِلْكِ يُعْتَقُ فَلَا تَسَلُّطَ لَهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ لَوْ صَحَّحْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَدْعِي الْعِتْقَ اهـ تَأَمَّلْهُ.
(قَوْلُهُ: اعْتِبَارَ بَيَانِ الْمَصْرِفِ) فَلَا يَكْفِي وَقَفْت كَذَا وَلَا وَقَفْته لِلَّهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي الثَّانِيَةِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ قَصَدَهَا بِالْوَقْفِ أَوْ أَطْلَقَ) ظَاهِرُهُ جَرَيَانُ هَذَا التَّعْمِيمِ فِي الْوَقْفِ عَلَى عَلَفِهَا وَبِهِ قَالَ سم: وَهُوَ ظَاهِرُ الرَّوْضَةِ حَيْثُ قَالَ: الْأَصَحُّ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهَا الْبُطْلَانُ وَفِي الْوَقْفِ عَلَى عَلَفِهَا هَذَا الْخِلَافُ لَكِنْ فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْوَقْفِ عَلَى عَلَفِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الصِّحَّةُ وَأَنَّهُ إنْ قَصَدَ مَالِكُهَا صَحَّ قَطْعًا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ النَّاشِرِيِّ إنَّ بُطْلَانَ الْوَقْفِ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَشْرِطْ الصَّرْفَ فِي عَلَفِهَا وَصَنِيعُ شَرْحَيْ حَجَرٍ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ حَيْثُ قَالَا: وَخَرَجَ بِإِطْلَاقِ الْوَقْفِ عَلَيْهَا الْوَقْفُ عَلَى عَلَفِهَا أَوْ عَلَيْهَا بِقَصْدِ مَالِكِهَا فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ التَّقْيِيدَ لِمَا بَعْدُ أَيْ: وَيُقَوِّي هَذَا أَنَّ عَلَفَهَا لَمَّا كَانَ وَاجِبًا عَلَى مَالِكِهَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَقْفًا عَلَى الْمَالِكِ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَوْقُوفَةِ) أَيْ: بِالْوَقْفِ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى عَلَفِهَا. (قَوْلُهُ: الْمَوْقُوفَةُ إلَخْ) وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ الْقَبُولِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا رَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْغَزَالِيُّ إلَخْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَقْفِ عَلَى الْوُحُوشِ وَالطُّيُورِ الْمُبَاحَةِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ الشَّيْخَانِ أَنَّ حَمَامَ مَكَّةَ لَمَّا تَقَيَّدَ بِمَحَلٍّ مَخْصُوصٍ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ لَزِمَ أَهْلَهُ إطْعَامُهُ فَالْوَقْفُ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ إطْعَامُهُ فَيَصِحُّ كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِ ابْنِ الرِّفْعَةِ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَيْهِ، بِأَنَّ إطْعَامَهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَالْوَقْفُ عَلَيْهِ كَهُوَ عَلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ إطْعَامُهُ اهـ بِخِلَافِ الْوُحُوشِ وَالطُّيُورِ الْمُبَاحَةِ فِي ذَلِكَ. اهـ. ش الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يَأْتِي فِي الْوَقْفِ عَلَى الْبَهِيمَةِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمُعَيَّنَ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهَا.
(قَوْلُهُ قَالَ الْغَزَالِيُّ إلَخْ) وَمِثْلُ حَمَامِ مَكَّةَ الْخَيْلُ الْمُسَبَّلَةُ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ اشْتِرَاطَ إمْكَانِ التَّمْلِيكِ إنَّمَا هُوَ فِي الْوَقْفِ عَلَى مُعَيَّنٍ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمِنْهَاجِ فَإِنْ وُقِفَ عَلَى مُعَيَّنٍ اُشْتُرِطَ إمْكَانُ تَمْلِيكِهِ قَالَ ابْنُ شُكَيْلٍ: فِي شَرْحِهِ لِلْوَسِيطِ الْمُرَادُ جِنْسُ الْحَمَامِ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَالْوَقْفِ عَلَى الْجِهَةِ الْعَامَّةِ فَلَا تُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الْمِلْكِ فِي ذَلِكَ لَوْ وَقَفَ عَلَى حَمَامَاتٍ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَصِحَّ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إطْعَامُ حَمَامِ مَكَّةَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ فَيَصِحُّ. اهـ. نَاشِرِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى نَفْسِهِ)