بِنَاءً عَلَى الْأَشْبَهِ مِنْ أَنَّ الْمَرْعِيَّ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْجِهَةِ التَّمْلِيكُ كَمَا فِي الْمُعَيَّنِ وَالْوَصِيَّةِ لَا جِهَةُ الْقُرْبَةِ قَالَ الشَّيْخَانِ وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ لَكِنَّ الْأَحْسَنَ تَوَسُّطٌ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ صِحَّتُهُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَبُطْلَانُهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَسَائِرِ الْفَسَقَةِ لِتَضَمُّنِهِ الْإِعَانَةَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَخَرَجَ بِقَيْدِ عَدَمِ الْعِصْيَانِ الْوَقْفُ عَلَى بِيَعِ التَّعَبُّدِ وَكَنَائِسِهِ وَكِتَابَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَمَنْ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ أَوْ يَتَهَوَّدُ أَوْ يَتَنَصَّرُ وَآلَاتِ الْمَعَاصِي كَالسِّلَاحِ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ أَمَّا مَا وَقَفُوهُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ عَلَى كَنَائِسِهِمْ الْقَدِيمَةِ فَيُقِرُّ حَيْثُ تُقِرُّ الْكَنَائِسُ.
وَلِلْوَقْفِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ بَيَانُ الْمَصْرِفِ وَالتَّنْجِيزُ وَالتَّأْبِيدُ وَالْإِلْزَامُ وَقَدْ عُلِمَ الْأَوَّلُ مِمَّا مَرَّ، وَأَخَذَ فِي بَيَانِ الْبَقِيَّةِ فَقَالَ: (مُنَجَّزًا) أَيْ صَحَّ الْوَقْفُ مُنَجَّزًا فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَالْهِبَةِ كَوَقَفْتُ دَارِي إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَدَارِي وَقْفٌ أَوْ فَقَدْ وَقَفْتهَا، لَكِنْ لَوْ قَالَ: وَقَفْت دَارِي عَلَى الْفُقَرَاءِ بَعْدَ مَوْتِي فَأَفْتَى الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ بِصِحَّةِ وَقْفِهَا وَوُقُوعِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَعِتْقِ الْمُدَبَّرِ وَسَاعَدَهُ أَئِمَّةُ الزَّمَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا كَأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِقَوْلِ الْقَفَّالِ لَوْ عَرَضَهَا عَلَى الْبَيْعِ كَانَ رُجُوعًا وَقَالَ الْإِمَامُ: هَذَا تَعْلِيقٌ، بَلْ زَائِدٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إيقَاعُ تَصَرُّفٍ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ صِحَّةُ الْوَقْفِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْأُسْتَاذُ قَالَ: وَقَوْلُ الْإِمَامِ إنَّهُ تَعْلِيقٌ صَحِيحٌ، لَكِنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَوْتِ فِي التَّمْلِيكَاتِ يَصِحُّ وَصِيَّةً فَالْوَقْفُ أَوْلَى.
وَقَوْلُهُ: بَلْ زَائِدٌ عَلَيْهِ إلَى آخِرِهِ يُقَالُ لَهُ الْوَصِيَّةُ وَالتَّدْبِيرُ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَا إيقَاعَ تَصَرُّفٍ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهَذَا مِثْلُهُ أَوْ قَبْلَهُ وَهُوَ الْحَقُّ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ عِنْدَنَا تَصَرُّفٌ نَاجِزٌ وَأَثَرُهُ يَقَعُ عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ، بَلْ قَالَ: وَالْأَظْهَرُ صِحَّتُهُ أَيْضًا، فِيمَا لَوْ قَالَ:
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ وَكَنَائِسِهِ) قَالَ فِي الرَّوْضِ: وَلَوْ مِنْ ذِمِّيٍّ. (قَوْلُهُ: أَوْ يَتَنَصَّرُ) أَيْ: أَوْ يَفْسُقُ
(قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَمَحَلُّهُ فِيمَا لَا يُضَاهِي التَّحْرِيرَ، أَمَّا مَا يُضَاهِيهِ كَجَعَلْتُهُ مَسْجِدًا إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَيَنْبَغِي صِحَّتُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ
ــ
[حاشية الشربيني]
فَالْمُكْتَسِبُ مَا يَكْفِيهِ وَلَا مَالَ لَهُ يَكْفِيهِ مِنْ الْفُقَرَاءِ فَقَطْ وَكَتَبَ سم عَلَى قَوْلِ حَجَرٍ وَمِثْلُهُ م ر الْغَنِيُّ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ هُوَ شَامِلٌ لِلْمُكْتَسِبِ السَّابِقِ إلْحَاقُهُ بِالْفُقَرَاءِ فِي الْأَخْذِ مِنْ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ فَعَلَى هَذَا الشُّمُولِ يَلْزَمُ أَنْ يَأْخُذَ الْمُكْتَسِبُ الْمَذْكُورُ مَعَ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ وَهُوَ بَعِيدٌ اهـ ع ش وَالتَّمْثِيلُ بِالْأَغْنِيَاءِ صَحِيحٌ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ عَدَمَ صِحَّتِهِ لِسَنِّ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ فَكَيْفَ لَا يَظْهَرُ فِيهِمْ قَصْدُ الْقُرْبَةِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا لَا يَظْهَرُ وَمَا لَا يُوجَدُ وَالسَّنُّ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ الْوُجُودَ لَا الظُّهُورَ. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى الْأَشْبَهِ إلَخْ) وَلِذَا لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ عَلَى الْوُحُوشِ وَالطُّيُورِ الْمُبَاحَةِ إنْ كَانَ فِيهِمَا قُرْبَةٌ لِمَا فِي الْخَبَرِ «أَنَّ فِي كُلِّ كَبِدٍ حَرَّاءَ» أَجْرٌ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا التَّمْلِيكُ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى مَا لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ حَمَامِ مَكَّةَ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَذَكَرَهُ الْخَطِيبُ عَلَى الْمِنْهَاجِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر وَقَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ ضَعِيفٌ. (قَوْلُهُ: الْوَقْفُ عَلَى بِيَعِ التَّعَبُّدِ) بِأَنْ وَقَفَ عَلَى بِيَعٍ وَكَانَتْ لِلتَّعَبُّدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ لِنُزُولِ الْمَارَّةِ فَإِنْ شَرَّكَ بَيْنَهُمَا بَطَلَ قَالَ ع ش: وَإِنْ أَطْلَقَ فَالْأَقْرَبُ الْبُطْلَانُ وَانْظُرْ لِمَ لَمْ تُفَرَّقْ الصَّفْقَةُ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَيْهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ سم وَكَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ وَنَفْسِهِ حَيْثُ صَحَّ فِي نِصْفِهِ وَبَطَلَ فِي نِصْفِهِ كَمَا فِي التُّحْفَةِ، وَأَمَّا لَوْ وَقَفَ عَلَى كَنِيسَةٍ لِلتَّعَبُّدِ وَلِنُزُولِ الْمَارَّةِ مَعًا فَأَوْجَهُ الْوَجْهَيْنِ الْبُطْلَانُ كَمَا فِي سم عَلَى أَبِي شُجَاعٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا ظَاهِرٌ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ) بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ عَلَى قُطَّاعِ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ السَّابِقِ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا وَقَفَ عَلَى مَنْ يَتَهَوَّدُ أَوْ يَتَنَصَّرُ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ مَعَ صِحَّتِهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِمَا فِي الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَقْطَعُ أَوْ يَتَهَوَّدُ أَوْ يَتَنَصَّرُ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى إيجَادِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ بِخِلَافِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ مَثَلًا، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْمُتَّصِفُ بِهَذَا الْوَصْفِ وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ بَعْدُ وَعَلَى هَذَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَمَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ فَرَاجِعْهُ
(قَوْلُهُ: مُنَجَّزًا) هَذَا فِي غَيْرِ مَا يُضَاهِي التَّحْرِيرَ أَمَّا هُوَ كَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَقَدْ وَقَفْت هَذَا مَسْجِدًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْعِتْقِ. اهـ. تُحْفَةٌ. (قَوْلُهُ كَعِتْقِ الْمُدَبَّرِ) إلَّا أَنَّهُ إذَا عَرَضَ الْمُدَبَّرَ عَلَى الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا بِخِلَافِ مَا هُنَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَقَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالْمُدَبَّرِ وَهُوَ الْعِتْقُ أَقْوَى فَلَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ عَنْهُ إلَّا بِنَحْوِ الْبَيْعِ دُونَ الْعَرْضِ عَلَيْهِ. اهـ. ش م ر.
(قَوْلُهُ: كَأَنَّهُ وَصِيَّةٌ) قِيَاسُ مَا نَقَلَهُ الرَّشِيدِيُّ عَنْ حَجَرٍ فِيمَا لَوْ قَالَ: وَقَفْته عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي مِنْ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ مِنْ حَيْثُ تَوَقُّفُهُ عَلَى الْمَوْتِ وَعَلَى إجَازَةِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ إنْ زَادَ عَلَيْهِ وَمَا حَصَلَ مِنْ الْفَوَائِدِ قَبْلَ الْمَوْتِ يَكُونُ لِلْوَاقِفِ وَوَقْفٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ بَلْ يُؤَبَّدُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كَذَلِكَ فَرَاجِعْهُ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الرَّشِيدِيِّ عَلَى قَوْلِ م ر هُنَا قَالَ الشَّيْخَانِ وَكَأَنَّهُ وَصِيَّةٌ مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّارِحُ أَيْ: م ر