(وَ) فِي (نَحْوِ حَبَّتَيْنِ قَمْحَا) وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ كَمَا مَرَّ لِانْتِفَاءِ الْمُقَابِلِ هُنَا (قُلْت وَمَا نَبَّهَ جُلُّ الْكُتُبِ لِهَذِهِ) أَيْ: عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَزِيدَةِ بَلْ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ إنَّهَا سَبْقُ قَلَمٍ أَوْ وَهَمٌ فَفِي الرَّافِعِيِّ فِي تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ أَنَّ مَا لَا يُتَمَوَّلُ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ وَزَبِيبَةٍ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ بَحْثٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ مَا فِي الْمِنْهَاجِ إذْ لَا مَحْذُورَ فِي التَّصْدِيقِ بِتَمْرَةٍ أَوْ بِشِقِّهَا كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ فَكَذَا الْهِبَةُ انْتَهَى وَقَدْ يُقَالُ: التَّصَدُّقُ بِذَلِكَ بِمَعْنَى نَقْلِ الْيَدِ عَنْهُ لَا تَمْلِيكِهِ لِعَدَمِ تَمَوُّلِهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هِبَتِهِ بِمَعْنَى تَمْلِيكِهِ، وَقَدْ مَالَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ إلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى نَقْلِ الْيَدِ وَقَوْلُ النَّظْمِ فِيمَا صَحَّ بَيْعًا قَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْأَعْيَانَ الْمَبِيعَةَ فِي الذِّمَّةِ وَلَيْسَتْ مُرَادَهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّ بَيْعُهَا سَلَمًا لَا تَصِحُّ هِبَتُهَا كَأَنْ يَقُولَ وَهَبْتُك أَلْفًا فِي ذِمَّتِي ثُمَّ يُعَيِّنُهَا فِي الْمَجْلِسِ وَيَقْبِضُهَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ وَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَنَافِعَ فَإِنَّهَا تُبَاعُ بِالْإِيجَارِ وَهَلْ تَكُونُ هِبَتُهَا هِبَةً أَمْ عَارِيَّةً؟ وَجْهَانِ نَقَلَهُمَا الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُرْجَانِيَّاتِ وَذَكَرَ فِي الْإِقْرَارِ مَا يُرَجِّحُ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ فَقَوْلُهُ: وَهَبْتُك مَنْفَعَةَ دَارِي لِلسُّكْنَى عَارِيَّةً وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ أَنَّهَا هِبَةٌ (وَدَيْنُهُ إنْ يَهَبْ مِمَّنْ) هُوَ (عَلَيْهِ فَقَدْ أَبْرَا عُنُقَهْ) بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ الْأُولَى وَإِسْكَانِ الثَّانِيَةِ أَيْ: فَهُوَ إبْرَاءٌ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَلَوْ قَالَ تَرَكْته لَك فَهُوَ كِنَايَةٌ إبْرَاءً وَقِيلَ صَرِيحَةٌ، أَمَّا إذَا وَهَبَهُ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ لِعَجْزِهِ عَنْ تَسْلِيمِهِ.
(و) التَّمْلِيكُ بِلَا عِوَضٍ (لِلثَّوَابِ فِي الْمَعَادِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ الْآخِرَةِ وَلَوْ لِغَنِيٍّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ (صَدَقَهْ) فَلَا يَعْتَبِرُ فِيهَا الْحَاجَةَ كَمَا اعْتَبَرَهَا الْمِنْهَاجُ وَالرَّوْضَةُ كَأَصْلَيْهِمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَقَالَ: إنَّ كَوْنَهَا لِمُحْتَاجٍ هُوَ أَظْهَرُ أَنْوَاعِ الصَّدَقَةِ وَالْغَالِبُ مِنْهَا فَلَا مَفْهُومَ لَهُ قَالَ: وَلَوْ مَلَكَ شَخْصًا لِحَاجَتِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْضَارِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَدَقَةً أَيْضًا فَيَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، إمَّا الْحَاجَةُ، أَوْ قَصْدُ ثَوَابِ الْآخِرَةِ.
(و) التَّمْلِيكُ بِلَا عِوَضٍ مَعَ (النَّقْلِ) لِلْمَوْهُوبِ إلَى مَكَانِ الْمُتَّهِبِ (لِلْإِكْرَامِ) لَهُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ) أَيْ: نَحْوُ حَبَّتَيْنِ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى نَقْلِ الْيَدِ) الْوَجْهُ أَنَّهُ بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَالتَّمَوُّلُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مَعَ الْعِوَضِ فَإِنْ قُلْت: لَا فَائِدَةَ لِكَوْنِهِ بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ خَوَاصُّ الْمِلْكِ مِنْ نَحْوِ نَقْلِهِ إلَى غَيْرِهِ بِعِوَضٍ قُلْت: بَلْ يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ أَمْثَالُهُ مِنْ جِهَاتٍ عَلَى وَجْهِ التَّصَدُّقِ حَتَّى بَلَغَ الْمَجْمُوعُ قَدْرًا يُتَمَوَّلُ فَيَجُوزُ نَقْلُهُ بِالْعِوَضِ وَلَوْلَا الْحُكْمُ بِالْمِلْكِ مَا ثَبَتَ لِلْمَجْمُوعِ ذَلِكَ سم. (قَوْلُهُ: وَهَلْ يَكُونُ هِبَتُهَا هِبَةً) أَيْ: لِلْمَنَافِعِ أَمْ عَارِيَّةً أَيْ: لِلذَّاتِ وَجْهَانِ تَظْهَرُ فَائِدَتُهُمَا فِي الْعَيْنِ فَهِيَ أَمَانَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ مَضْمُونَةٌ عَلَى الثَّانِي فَانْدَفَعَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْخِلَافِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَ قَبْضِهَا بِاسْتِيفَائِهَا تَصِيرُ تَالِفَةً غَيْرَ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِمَا. (قَوْلُهُ: أَنَّهَا هِبَةٌ) فَالدَّارُ أَمَانَةٌ وَتُمْلَكُ الْمَنَافِعُ بِقَبْضِهَا أَيْ: بِاسْتِيفَائِهَا دُونَ قَبْضِ الدَّارِ حَجَرٌ. (قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قُلْنَا: بِصِحَّةِ بَيْعِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَعَلَى ذَلِكَ مَشَى شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ لَكِنْ خُولِفَ.
(قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا عَنْ السُّبْكِيّ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَيَلْزَمُهُمْ أَنَّهُ لَوْ مَلَّكَ غَنِيًّا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ لَا يَكُونُ صَدَقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ إيجَابٌ وَلَا قَبُولٌ بِشَرْطِهِمَا وَلَا نَقُلْ لِلْإِكْرَامِ لَيْسَ هِبَةً وَلَا هَدِيَّةً وَحِينَئِذٍ فَأَيُّ شَيْءٍ هُوَ؟ فَلْيُتَأَمَّلْ وَقَدْ يَلْتَزِمُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَمْلِكُهُ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ لَكِنَّهُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنْ قُوَّةِ كَلَامِهِمْ. (قَوْلُهُ: إمَّا الْحَاجَةُ أَوْ قَصْدُ ثَوَابِ الْآخِرَةِ) وَعَلَيْهِ فَتَمْلِيكُ غَنِيٍّ لِابْنِهِ أَيْ: لَا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ إمَّا هِبَةٌ خَاصَّةٌ إنْ وُجِدَ شَرْطَهَا أَوْ هَدِيَّةٌ إنْ وُجِدَ شَرْطُهَا وَإِلَّا فَهُوَ عَقْدٌ يُشْبِهُ الصَّدَقَةَ وَلَيْسَ بِصَدَقَةٍ حَقِيقَةً حَجَرٌ
(قَوْلُهُ: وَالنَّقْلُ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ مَا يُحْمَلُ
[حاشية الشربيني]
وَهُوَ خِلَافُ إلْحَاقِهَا بِالْوَقْفِ لِلْجِهَةِ الْعَامَّةِ سم عَلَى التُّحْفَةِ
(قَوْلُهُ: لَا تَصِحُّ هِبَتُهَا) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةٌ وَالْمُعَاوَضَةُ يُحْتَاجُ إلَيْهَا. اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ قَالَ ح ش: وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ عَدَمُ صِحَّةِ هِبَةِ الْأَعْمَى وَالْهِبَةُ لَهُ
(قَوْلُهُ: الْمُتَّهَبِ) يَجُوزُ كَوْنُهُ اسْمَ فَاعِلٍ وَاسْمَ مَفْعُولٍ. اهـ. جَمَلٌ عَلَى الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ وَبِمَا تَقَرَّرَ) أَيْ: مِنْ اعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ بِلَا عِوَضٍ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الْهِبَةِ بِالْمَعْنَى الْعَامِّ فِي حَدِّ كُلٍّ مِنْ الصَّدَقَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute