للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَالتَّلَطُّفِ) بِهِ (هَدِيَّةٌ) لِلْعُرْفِ فَلَا تَجْرِي فِي الْعَقَارِ لِامْتِنَاعِ نَقْلِهِ وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي بَابِ النَّذْرِ بِمَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالُوا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ هَذَا الْبَيْتَ أَوْ الْأَرْضَ أَوْ نَحْوَهُمَا مِمَّا لَا يُنْقَلُ صَحَّ وَبَاعَهُ وَنَقَلَ ثَمَنَهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْهَدْيِ وَالْهَدِيَّةِ مَعْلُومٌ فَالْهَدْيُ خَاصٌّ بِالْحَرَمِ بِخِلَافِ الْهَدِيَّةِ وَلِهَذَا أَفْرَدَ الْأَصْحَابُ الْهَدْيَ وَلَمْ يُدْخِلُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَوْ نَذَرَ الْهَدْيَ انْصَرَفَ إلَى الْحَرَمِ وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْهَدِيَّةِ إلَى فَقِيرٍ قَالَ السُّبْكِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِكْرَامَ لَيْسَ شَرْطًا، وَالشَّرْطُ هُوَ النَّقْلُ وَقَوْلُ النَّظْمِ وَالتَّلَطُّفِ تَفْسِيرٌ لِلْإِكْرَامِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ هِبَةٌ وَلَا عَكْسَ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ لَهُ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَوْ أَهْدَى لَهُ حَنِثَ وَلَا عَكْسَ وَقَدْ تَجْتَمِعُ الثَّلَاثَةُ بِأَنْ يَمْلِكَهُ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ وَيَنْقُلَهُ إلَيْهِ إكْرَامًا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ لَفْظُ بَلْ (بِالْبَعْثِ) مِنْ الْمُمَلِّكِ (وَالْقَبْضِ) مِنْ الْمُتَمَلِّكِ (اُكْتُفِيَ) كَمَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ فِي الْأَعْصَارِ وَلِهَذَا كَانُوا يَبْعَثُونَهَا عَلَى أَيْدِي الصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا تَصِحُّ عُقُودُهُمْ فَعِبَارَةُ النَّظْمِ لِشُمُولِهَا لَهُمَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْحَاوِي وَيَكْفِي فِيهَا أَيْ: الْهَدِيَّةِ الْبَعْثُ وَالْقَبْضُ وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُمَلِّكِ فِي الثَّلَاثَةِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ وَفِي التَّمَلُّكِ أَهْلِيَّةُ الْمِلْكِ.

(وَيَمْلِكُ) الْمُتَّهِبُ (الْمَوْهُوبَ بِالْقَبْضِ) لَا بِالْعَقْدِ وَإِلَّا لَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَرَضِهِ لِعَائِشَةَ فِيمَا نَحَلَهَا فِي صِحَّتِهِ مِنْ عِشْرِينَ وَسْقًا وَدِدْت أَنَّك حُزْته أَوْ قَبَضْته وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ رَوَاهُ مَالِكٌ وَرُوِيَ

ــ

[حاشية العبادي]

غَالِبًا إلَخْ وَفَسَّرَ فِي شَرْحِهِ الْحَمْلَ بِالْبَعْثِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَدْخَلَ بِقَوْلِهِ غَالِبًا مَا يُهْدَى بِلَا بَعْثٍ بِأَنْ نَقَلَهُ الْمُهْدِي. اهـ. وَقَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّ النَّقْلَ لَا بُدَّ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ بِبَعْثٍ أَوْ بِدُونِهِ وَعَلَيْهِ فَلَا يَحْتَاجُ لِتَقْيِيدِ النَّقْلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْغَلَبَةِ فَلْيُحَرَّرْ وَقَدْ يُقَالُ لَوْ قَالَ فِي شَيْءٍ بِيَدِهِ خُذْهُ هَدِيَّةً فَقَبِلَهُ كَانَ هَدِيَّةً بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ وَلَا نَقْلَ مُطْلَقًا فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ إلَخْ) فِي شَرْحِ الرَّوْضِ جَوَابٌ آخَرُ. (قَوْلُهُ قَالَ السُّبْكِيُّ إلَخْ) اعْتَرَضَ مَا قَالَهُ بِأَنَّ قَيْدَ الْإِكْرَامِ لِإِخْرَاجِ الرِّشْوَةِ وَمَا يُعْطَى لِلشَّاعِرِ خَوْفًا مِنْ هَجْوِهِ وَنَحْوِهِمَا قِيلَ وَيُرَدُّ بِأَنَّهُمَا خَرَجَا بِقَوْلِهِمْ هِيَ تَمْلِيكٌ مَا يُنْقَلُ إذْ كُلُّ هَذَيْنِ لَا تَمْلِيكَ فِيهِ فَيَصِحُّ أَنَّ قَوْلَهُمْ إكْرَامًا لِلْغَالِبِ إنْ أَرَادُوا قَصْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ لِبَيَانِ مِنْ شَأْنِ النَّقْلِ الْإِكْرَامُ. اهـ.

وَقَدْ احْتَرَزُوا بِقَيْدِ الْإِكْرَامِ عَنْ الْبَعْثِ إلَى مُحْتَاجٍ لِأَجْلِ احْتِيَاجِهِ أَوْ قَصْدِ الْأُجْرَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ إلَخْ) يُشْكِلُ هَذَا بِمَا سَلَفَ مِنْ اعْتِبَارِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْهِبَةِ دُونَهُمَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ التَّمْلِيكُ بِلَا عِوَضٍ مَعَ الْبَعْثِ هِبَةٌ وَهَدِيَّةٌ وَمَعَ قَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ يُسَمَّى هِبَةً وَصَدَقَةً وَإِنْ تَجَرَّدَ التَّمْلِيكُ عَنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ اخْتَصَّ بِاسْمِ الْهِبَةِ وَهُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ إلَيْهِ الِاسْمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَاشْتِرَاطُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إنَّمَا هُوَ فِي هَذَا النَّوْعِ أَعْنِي التَّمْلِيكَ الْمُجَرَّدَ عَنْ الْأَمْرَيْنِ الَّذِي يَنْصَرِفُ إلَيْهِ اسْمُ الْهِبَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ بِرّ وَأَقُولُ قَدْ يَرِدُ قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ إلَيْهِ الِاسْمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى قَوْلِهِ لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ لَهُ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَوْ أَهْدَى لَهُ حَنِثَ إذْ مُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْحِنْثِ فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ: بَلْ بِالْبَعْثِ وَالْقَبْضِ اكْتَفَى) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَعْثَ فِي الصَّدَقَةِ أَيْضًا فَلَوْ وُجِدَ وَانْتَفَى الِاحْتِيَاجُ وَقُصِدَ الثَّوَابُ وَقُصِدَ الْإِكْرَامُ، فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْهَدِيَّةِ أَوْ الصَّدَقَةِ وَلَوْ حُكْمًا؟ فِيهِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ: لِشُمُولِهَا لَهُمَا أَوْلَى) لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْبَعْثِ. (قَوْلُهُ: أَهْلِيَّةُ الْمِلْكِ) قَدْ يَقْتَضِي عَدَمَ الْمِلْكِ وَجَوَازَ الِاسْتِرْدَادِ إذَا دُفِعَ لِصَغِيرٍ تَصَدُّقًا إذْ الْمِلْكُ هُنَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْقَبْضِ وَقَبْضُ الصَّغِيرِ لَا يَصِحُّ فَلْيُتَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ) يَعْنِي إنْ شَاءَ أَمْضَاهُ بِالْإِقْبَاضِ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَ مِنْ إقْبَاضِهِ فَلَا يُنَافِي مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَهُوَ الْمُرَادُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِرّ

ــ

[حاشية الشربيني]

وَالْهَدِيَّةِ وَاشْتِرَاطِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِيهَا بِالْمَعْنَى الْخَاصِّ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَبِمَا تَقَرَّرَ) أَيْ: مِنْ دُخُولِ مَعْنَى الْهِبَةِ الَّذِي هُوَ التَّمْلِيكُ بِلَا عِوَضٍ فِي كُلٍّ مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَصِحُّ إلَخْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقَ التَّمْلِيكِ بِلَا عِوَضٍ الَّذِي هُوَ الْهِبَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا صَحِيحٌ مَعَ الِاحْتِيَاجِ أَوْ قَصْدِ الثَّوَابِ أَوْ النَّقْلِ إكْرَامًا بِدُونِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ كَمَا قَرَّرَهُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَرْجِعُ ضَمِيرِ تَصِحُّ هُوَ الْهِبَةُ الْخَاصَّةُ الَّتِي هِيَ قَسِيمُ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَهُوَ مَا خَلَا عَنْ قَصْدِ الثَّوَابِ وَالِاحْتِيَاجِ وَالنَّقْلِ إكْرَامًا فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَلَا عَكْسَ) أَيْ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَلَيْسَ كُلُّ هِبَةٍ صَدَقَةً وَهَدِيَّةً وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي الْحَلِفِ فَمَنْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ لَمْ يَحْنَثْ بِهِبَةٍ أَوْ هَدِيَّةٍ أَوْ حَلَفَ لَا يُهْدِي لَمْ يَحْنَثْ بِصَدَقَةٍ وَهِبَةٍ أَوْ لَا يَهَبُ حَنِثَ بِهِمَا. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ

(قَوْلُهُ وَكَيْفِيَّةُ الْقَبْضِ إلَخْ) نَعَمْ لَا يَكْفِي هُنَا الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لَهُ فَاعْتُبِرَ تَحَقُّقُهُ شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ وَمَثَّلَهُ م ر فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَسَوَاءٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>