للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دُونَ النَّسَبِ وَالْأَصْلُ فِي إلْحَاقِ الْقَائِفِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسْرُورًا فَقَالَ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا عَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَقَدْ بَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» .

فَإِقْرَارُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِيَافَةَ حَقٌّ وَسَبَبُ سُرُورِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَطْعَنُونَ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ طَوِيلًا أَسْوَدَ أَقْنَى الْأَنْف وَكَانَ زَيْدٌ قَصِيرًا بَيْنَ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ أَخْنَسَ الْأَنْفِ وَكَانَ طَعْنُهُمْ مُغَايَظَةً لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ كَانَا حِبَّيْهِ فَمَا قَالَ الْمُدْلِجِيُّ ذَلِكَ وَهُوَ لَا يَرَى إلَّا أَقْدَامَهُمَا سُرَّ بِهِ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا يَدٌ غَيْرُ يَدِ اللَّقْطِ فَإِنْ سُمِعَ اسْتِلْحَاقُهُ قَبْلَ اسْتِلْحَاقِ الثَّانِي قُدِّمَ وَلَا حَاجَةَ لِلْقَائِفِ وَإِلَّا فَلَا يُقَدَّمُ بَلْ يُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ إذْ الْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْأَبِ أَنْ يَذْكُرَ نَسَبَ وَلَدِهِ وَيُشْهِرَهُ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ صَارَتْ يَدُهُ كَيَدِ الْمُلْتَقِطِ فِي أَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى النَّسَبِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَعَذُّرُهُ كَالْقَاضِي وَالْمُفْتِي. (عَلِمْ) مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ: بِقَائِفٍ عَالِمٍ فَالْقِيَافَةُ (أَهْلُ الشَّهَادَاتِ جَمِيعًا) أَيْ: جَمِيعَهَا فَيَجِبُ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا ذَكَرًا عَدْلًا حُرًّا بَصِيرًا نَاطِقًا لَا مُدْلِجِيًّا؛ لِأَنَّ الْقِيَافَةَ نَوْعٌ مِنْ الْعِلْمِ فَكُلٌّ مَنْ عَلِمَهُ عَمِلَ بِعِلْمِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ النَّظْمِ وَأَصْلِهِ اعْتِبَارُ سَمْعِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا سَيُعْلَمُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ (جَرَّبَهْ) غَيْرُهُ (بِعَرْضِ مَوْلُودٍ عَلِمْنَا نَسَبَهْ و) عَلِمْنَا (أَنَّهُ أَصَابَ) أَرْبَعَ مَرَّاتٍ (فِي أَصْنَافِ أَرْبَعَةٍ) مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ وَهُنَّ أَوْلَى (فِي رَابِعٍ) مِنْهَا.

(يُوَافِي) أَيْ: يَأْتِي (أَبٌ أَوْ أُمّ) وَلَيْسَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُولَى وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَقَوْلُهُ: فِي أَصْنَافٍ تَنَازَعَهُ عَرْضٌ وَأَصَابَ أَيْ: أَصَابَ فِي الثَّلَاثَةِ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ وَفِي الرَّابِعِ فِي إلْحَاقِهِ بِأَحَدِ أَبَوَيْهِ بَعْدَ عَرْضِهِ فِيهَا (قُلْتُ) كَالْبَازِرِيِّ كَذَا قَالُوهُ (مَعَ إشْكَالِ فِيهِ لِعِلْمِ قَائِفٍ) أَيْ:؛ لِأَنَّ الْقَائِفَ قَدْ يَعْلَمُ (بِالْحَالِ) أَيْ: بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُولَى أَحَدُ أَبَوَيْهِ فَلَا يَبْقَى فِيهَا فَائِدَةٌ وَقَدْ تَكُونُ إصَابَتُهُ فِي الرَّابِعَةِ اتِّفَاقًا فَلَا يُوثَقُ بِتَجْرِبَتِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُعْرَضَ مَعَ كُلِّ صِنْفٍ وَلَدٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَصْنَافِ وَلَا يَخُصُّ بِهِ الرَّابِعَ فَإِذَا أَصَابَ فِي الْكُلِّ قُبِلَ قَوْلُهُ: بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَقَالَ الْإِمَامُ الْعِبْرَةُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ وَقَدْ تَحْصُلُ بِدُونِ ثَلَاثٍ (كَوَاطِئَيْ طُهْرٍ) أَيْ: كَشَخْصَيْنِ وَطِئَا امْرَأَةً فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِقَوْلِ الْقَائِفِ لِتَعَذُّرِ إلْحَاقِهِ بِهِمَا وَنَفْيِهِ عَنْهُمَا سَوَاءٌ اسْتَلْحَقَاهُ أَمْ أَنْكَرَاهُ أَمْ أَحَدُهُمَا أَمْ انْتَفَى ذَلِكَ لِمَوْتٍ أَوْ نَحْوِهِ.

وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَثِّرْ الْإِنْكَارُ؛ لِأَنَّ لِلْوَلَدِ حَقًّا فَلَا يَسْقُطُ بِإِنْكَارِ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا زَوْجًا فَقِيلَ: يَلْحَقُ بِهِ إذْ فِرَاشُ الزَّوْجِيَّةِ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ كَمَا يَلْحَقُ بِالزَّوْجِ الثَّانِي بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مَعَ إمْكَانِهِ مِنْ الْأَوَّلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعِدَّةَ أَمَارَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي بَرَاءَةِ الْأَوَّلِ لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ وَطْءُ

ــ

[حاشية العبادي]

الْآخَرُ اسْتَوَيَا. اهـ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْيَدِ لَا أَثَرَ لِسَبْقِ أَحَدِهِمَا بِالِاسْتِلْحَاقِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ فَالْعَرْضِ عَلَى الْقَائِفِ. (قَوْلُهُ: بَلْ يُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ) وَكَذَا لَوْ سَبَقَ اسْتِلْحَاقُ أَحَدِهِمَا وَكَانَتْ يَدُهُ عَنْ لَقْطٍ فَيُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ قَالَ فِي الرَّوْضِ نَعَمْ مَنْ ادَّعَى لَقِيطًا اسْتَلْحَقَهُ مُلْتَقِطُهُ عُرِضَ مَعَهُ عَلَى الْقَائِفِ فَإِنْ أُلْحِقَ بِهِ عُرِضَ مَعَ الْمُلْتَقِطِ فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِهِ أَيْضًا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِ. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِهِ وَإِنْ نَفَاهُ عَنْهُ فَهُوَ لِلْمُدَّعِي اهـ أَيْ: وَإِنْ نَفَاهُ أَوْ أَوَّلًا عَنْ الْمُدَّعِي فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لِلْمُلْتَقِطِ فَلْيُرَاجَعْ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا زَوْجًا) بِأَنْ وُطِئَتْ زَوْجَتُهُ بِشُبْهَةٍ. (قَوْلُهُ: لَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ وَطْءُ الزَّوْجِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ ثُبُوتُ وَطْئِهِ

ــ

[حاشية الشربيني]

ق ل. (قَوْلُهُ: بِعَرْضِ مَوْلُودٍ إلَخْ) هَذَا أَقَلُّ مُجْزِئٍ فِي مَعْرِفَةِ تَجْرِبَتِهِ وَإِلَّا فَالْأَكْمَلُ أَنْ يُجَرِّبَ بِعَرْضِ أَصْنَافٍ عَلَيْهِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَكْثَرَ وَقَالَ الْإِمَامُ الْعِبْرَةُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ وَقَدْ يَحْصُلُ بِدُونِ ثَلَاثٍ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا أَوْ فِي بَعْضِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَصَّ بِهِ الرَّابِعَةَ وَلَدٌ لِبَعْضٍ مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ فَإِذَا عُرِضَ عَلَيْهِ صِنْفٌ مَعَ وَلَدٍ لِبَعْضِهِمْ فَعَرَفَ أَصْلَهُ ثُمَّ صِنْفٌ كَذَلِكَ فَعَرَفَ، ثُمَّ صِنْفٌ ثَالِثٌ كَذَلِكَ فَعَرَفَ وَثِقَ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدٍ لِلتَّجْرِبَةِ وَلَوْ فِي غَيْرِ اللَّقِيطِ. اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ، ثُمَّ رَأَيْته بَعْدُ فِي الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: وَهُنَّ أَوْلَى) أَيْ: لِتَيَقُّنِ الْوَلَدِ مِنْهُنَّ. اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ. (قَوْلُهُ كَوَاطِئٍ إلَخْ) أَيْ: يُحْكَمُ بِقَوْلِ الْقَائِفِ فِي اللَّقِيط كَمَا يُحْكَمُ بِهِ فِي وَاطِئِ طُهْرٍ إلَخْ. (قَوْلُهُ: كَوَاطِئِ طُهْرٍ) الطُّهْرُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لَوْ وَطِئَ فِي حَيْضٍ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَذَا بِهَامِشٍ لِبَعْضِ الْفُضَلَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: يُمْكِنُ كَوْنُهُ إلَخْ) بِأَنْ تَلِدَهُ لِمَا بَيْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ الْوَطْأَيْنِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لِكُلٍّ بَيِّنَةٌ وَتَعَارَضَتَا. اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا بِأَنْ يَطَأَهَا الْأَوَّلُ فِي طُهْرٍ، ثُمَّ يَمْتَدَّ الطُّهْرُ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ يَطَأَهَا رَجُلٌ بِشُبْهَةٍ بَعْدَهَا فِيهِ فَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ انْتَفَى عَنْهُمَا وَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ لِلثَّانِي وَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ تَمَامِ الْأَرْبَعِ فَإِنْ أَتَتْ بِهِ فِيهِمَا لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ أَوْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ. اهـ. نَاشِرِيٌّ وَقَدْ احْتَرَزَ حَجَرٌ عَنْ غَيْرِ الْأَخِيرَةِ بِقَوْلِهِ لِمَا بَيْنَ إلَخْ تَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُحْكَمُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>