الدَّعَاوَى تَعْيِينُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِكَوْنِ أَمَتِهِ وَلَدَتْهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَالْفَرْقُ صَحِيحٌ أَنَّ الْيَدَ نَصٌّ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمِلْكِ فَاشْتُرِطَ فِي زَوَالِهَا ذِكْرُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّةِ الدَّارِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ وَالرِّقُّ مُحْتَمَلٌ وَلِهَذَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى قَاتِلِهِ لِاحْتِمَالِ الرِّقِّ وَيَكْفِي فِيمَا ذُكِرَ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَشَهَادَةُ رَجُلٍ وَيَمِينٍ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ الْمَالُ بَلْ وَشَهَادَةُ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فِي وَلَدَتْهُ أَمَتُهُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِالْوِلَادَةِ ثُمَّ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي ضِمْنِهَا كَثُبُوتِ النَّسَبِ فِي ضِمْنِ الشَّهَادَةِ بِهَا فَتَعْبِيرُهُ بِالْحُجَّةِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا مِمَّا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ وَالتَّمْثِيلُ بِالْإِرْثِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَحَيْثُ لَا يَحْكُمُ لِذِي الْيَدِ بِرِقِّهِ بَعْدَ دَعْوَاهُ إمَّا لِعَدَمِ الْحُجَّةِ أَوْ لِعَدَمِ سَمَاعِهَا نَقَلَ الْمُزَنِيّ فِي جَامِعِهِ أَنَّهُ لَا يُنْزَعُ مِنْهُ لِمَا اسْتَلْحَقَهُ مِنْ كَفَالَتِهِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الَّذِي أَرَاهُ وُجُوبَ نَزْعِهِ مِنْهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْعَبَّادِيُّ فِي الزِّيَادَاتِ إذَا قَالَ الْوَصِيُّ: لِي عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أُخِذَتْ مِنْهُ الْوَصِيَّةُ مَخَافَةَ أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا أَنْ يُبْرِيَ.
(أَوْ بِاعْتِرَافِ بَالِغٍ) أَيْ وَيَرِقُّ أَيْضًا بِاعْتِرَافِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ رَقِيقٌ لِفُلَانٍ إذَا لَمْ يُكَذِّبْهُ وَكَانَ هُوَ بَالِغًا عَاقِلًا (مَا اعْتَرَفَا لِلْغَيْرِ بِالرِّقِّ) فَإِنْ كَانَ قَدْ اعْتَرَفَ بِهِ لِلْغَيْرِ فَقَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ فَلَا يَثْبُتُ رِقُّهُ لِلثَّانِي (وَإِنْ غَيْرٌ نَفَى) أَيْ وَإِنْ نَفَى الْغَيْرُ وَهُوَ الْأَوَّلُ رِقَّهُ؛ لِأَنَّ اعْتِرَافَهُ لِلْأَوَّلِ تَضَمَّنَ نَفْيَ الْمِلْكِ عَنْ نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ فَإِذَا نَفَاهُ الْأَوَّلُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا وَصَارَ حُرًّا بِالْأَصْلِ وَالْحُرِّيَّةُ مَظِنَّةُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعِبَادَةِ فَلَا سَبِيلَ إلَى إبْطَالِهَا بِاعْتِرَافِهِ لِلثَّانِي بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْمَالِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ لِلثَّانِي وَعَلَيْهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إقْرَارِ الْمَرْأَةَ بِالنِّكَاحِ لِزَيْدٍ ثُمَّ لِعَمْرٍو بِأَنَّ الْمُعْتَرِفَ إنْ كَانَ حُرًّا فَذَاكَ أَوْ رَقِيقًا فَالرَّقِيقُ لَا يَلْزَمُهُ غُرْمٌ لِسَيِّدِهِ أَمَّا لَوْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَلَا يَثْبُتُ رِقُّهُ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَدَّقَهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَذَّبَهُ ثَبَتَتْ حُرِّيَّتُهُ بِالْأَصْلِ فَلَا يَعُودُ رَقِيقًا وَلَوْ ادَّعَى شَخْصٌ رِقَّهُ فَأَنْكَرَهُ ثُمَّ صَدَّقَهُ فَفِي قَبُولِهِ وَجْهَانِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِنْكَارِ لَزِمَهُ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يَنْبَغِي أَنْ يُفَصِّلَ فَإِنْ قَالَ: لَسْت بِعَبْدٍ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ بَعْدَهُ أَوْ لَسْت بِعَبْدٍ لَك فَالْأَصَحُّ الْقَبُولُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ الْحُرِّيَّةُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا التَّفْصِيلُ مُتَعَيِّنٌ.
(وَلَا) أَيْ: مَا اعْتَرَفَ بِرِقِّهِ لِلْغَيْرِ كَمَا مَرَّ وَلَا (بِحُرِّيَّتِهِ) فَإِنْ كَانَ قَدْ اعْتَرَفَ بِهَا فَلَا يَثْبُتُ رِقُّهُ بِاعْتِرَافِهِ الثَّانِي لِالْتِزَامِهِ بِالْأَوَّلِ أَحْكَامَ الْأَحْرَارِ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِظَاهِرِ الدَّارِ تَأَكَّدَ بِاعْتِرَافِهِ فَلَا يُقْبَلُ مَا يُنَاقِضُهُ كَمَا لَوْ بَلَغَ وَأَفْصَحَ بِالْإِسْلَامِ ثُمَّ وَصَفَ الْكُفْرَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَيُجْعَلُ مُرْتَدًّا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي جَوَابِ خُصُومَةٍ وَإِلَّا لَمْ يُؤَثِّرْ كَمَا لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: لِمُدَّعِي مِلْكٍ مَا اشْتَرَاهُ عَلَى وَجْهِ الْخُصُومَةِ هُوَ مِلْكِي وَمِلْكُ بَايِعِي فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لِلْمُدَّعِي وَكَمَا لَوْ أَنْكَرَ شَخْصٌ الضَّمَانَ عَلَى وَجْهِ الْخُصُومَةِ فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِضَمَانِهِ بِالْإِذْنِ فَلَهُ الرُّجُوعُ إذَا أَدَّى وَكَمَا لَوْ أَنْكَرَ الزَّوْجُ الْقَذْفَ فَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ اللِّعَانُ (وَاسْتَثْنِ) أَنْتَ مِنْ
ــ
[حاشية العبادي]
(قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْيَدَ) فِي مَسْأَلَةِ الدَّعَاوَى
(قَوْلُهُ: وَإِنْ غَيْرٌ نَفَى) غَيْرٌ فَاعِلُ نَفَى مَحْذُوفٌ يُفَسِّرُهُ الْمَذْكُورُ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا نَفَاهُ الْأَوَّلُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا) هَذَا لَا يَظْهَرُ فِيمَا إذَا قَيَّدَ النَّفْيَ بِهِ بِأَنْ قَالَ: لَسْت بِرَقِيقٍ لِي إذْ هَذَا لَا يَقْتَضِي الْخُرُوجَ عَنْ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا فَهَلْ يُسْتَثْنَى ذَلِكَ أَوْ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِمْ وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ يَظْهَرُ فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ اعْتِرَافَهُ لِلْأَوَّلِ لَمَّا تَضَمَّنَ النَّفْيَ عَنْ غَيْرِهِ فَإِذَا نَفَى هُوَ عَنْ نَفْسِهِ انْتَفَى مُطْلَقًا سم. (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْمُعْتَرِفَ إلَخْ) الَّذِي فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِأَنَّ إقْرَارَهُ لَيْسَ هُوَ الْمُفَوِّتَ لِحَقِّ الثَّانِي بَلْ الْمُفَوِّتُ لَهُ الْأَصْلُ مَعَ تَكْذِيبِ الْأَوَّلِ لَهُ بِخِلَافِ إقْرَارِ الْمَرْأَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَثْبُتُ رِقُّهُ بِاعْتِرَافِهِ إلَخْ) فَرَّقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَيْنَ هَذَا وَمَا لَوْ أَنْكَرَتْ الرَّجْعَةَ، ثُمَّ أَقَرَّتْ بِهَا. (قَوْلُهُ: قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ الْحُرِّيَّةُ فِيهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَعُودُ لِمَا يُخَالِفُهَا سَوَاءٌ صَدَرَ ذَلِكَ فِي خُصُومَةٍ أَوْ لَا بِخِلَافِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي اسْتَنَدَ إلَيْهَا الْبُلْقِينِيُّ بِرّ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ إلَى قَوْلِهِ فَلَهُ اللِّعَانُ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَقِبَ ذَلِكَ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يَعْتَبِرُوا هَذَا الْقَيْدَ بِدَلِيلِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ دَعْوَى رِقِّهِ مَعَ الْإِنْكَارِ خُصُومَةٌ وَمَعَ ذَلِكَ أَثَرٌ وَبِالْفَرْقِ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ بِأَنَّ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ فِيهِ بَيِّنَةٌ فَاضْمَحَلَّ بِهَا الْإِقْرَارُ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. اهـ. وَفِي كِلَا الْجَوَابَيْنِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى فَالْأَوْجَهُ
[حاشية الشربيني]
يَكُونَ وَرِثَهُ مَثَلًا، ثُمَّ ضَاعَ، ثُمَّ الْتَقَطَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ رَقِيقُهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ هُوَ فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ) قَالَ فِي ش الْإِرْشَادِ: النَّظَرُ مَرْدُودٌ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ) لَعَلَّ وَجْهَهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِيمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ وَلَدَ أَمَتِهِ مِلْكُهُ. (قَوْلُهُ: فِي ضِمْنِ الشَّهَادَةِ بِهَا) أَيْ: فِي ضِمْنِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ بِالْوِلَادَةِ. (قَوْلُهُ: وُجُوبُ نَزْعِهِ مِنْهُ) أَيْ: لِأَنَّهُ صَارَ بِدَعْوَى الرِّقِّ غَيْرَ أَمِينٍ فَيُخْشَى أَنْ يَسْتَرِقَّ اللَّقِيطَ وَرُدَّ بِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ كَذِبَ هَذِهِ الدَّعْوَى حَتَّى يَكُونَ غَيْرَ أَمِينٍ فَيَبْقَى فِي يَدِهِ لَا سِيَّمَا إذَا أَشْهَدَ بَعْدُ بِحُرِّيَّتِهِ فَلِذَا كَانَ الْأَوْجَهُ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ
(قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُكَذِّبْهُ) بِأَنْ صَدَّقَهُ أَوْ سَكَنَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ: وَلَا بِحُرِّيَّةٍ) وَمِثْلُ إقْرَارِهِ بِالْحُرِّيَّةِ إقْرَارُ الْمُقَرِّ لَهُ بِالرِّقِّ بِهَا إذْ لَوْ أَقَرَّ إنْسَانٌ بِحُرِّيَّةِ لَقِيطٍ، ثُمَّ أَقَرَّ اللَّقِيطُ بِالرِّقِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute