اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ: لَا قُلْت فَالشَّطْرُ قَالَ: لَا» قُلْت فَالثُّلُثُ قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أَوَكَبِيرٌ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ.
قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَغَيْرُهُ مَكْرُوهَةٌ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُ مُحَرَّمَةٌ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْئًا وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ وَرَثَتُهُ فُقَرَاءَ وَإِلَّا فَيُسْتَحَبُّ اسْتِيعَابُ الثُّلُثِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَالْعِبْرَةُ بِكَوْنِ الْمُوصَى بِهِ زَائِدًا أَوْ غَيْرَ زَائِدٍ (إذَنْ) أَيْ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ فَلَوْ أَوْصَى بِقَدْرِ الثُّلُثِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَلَمْ يَفِ بِهِ الثُّلُثُ عِنْدَ مَوْتِهِ افْتَقَرَ إلَى الْإِجَازَةِ فِي الزَّائِدِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَوَفَّى بِهِ الثُّلُثُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ خَاصٌّ فَالْوَصِيَّةُ بِالزَّائِدِ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا مُجِيزَ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَيَنْبَغِي لِلْوَارِثِ أَنْ يَعْرِفَ قَدْرَ التَّرِكَةِ، وَالزَّائِدَ عَلَى الثُّلُثِ فَإِنْ جَهِلَ أَحَدَهُمَا وَأَجَازَ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ أَجَازَ وَقَالَ: اعْتَقَدْت قِلَّةَ التَّرِكَةِ وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ حَلَفَ وَتَنْفُذُ فِيمَا كَانَ يَتَحَقَّقُهُ وَلَوْ أَقَامَ الْمُوصَى لَهُ بَيِّنَةً بِعِلْمِهِ بِقَدْرِهَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ لَزِمَتْ وَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِمُعَيَّنٍ كَعَبْدٍ فَأَجَازَ ثُمَّ قَالَ: ظَنَنْت كَثْرَتَهَا وَأَنَّ الْعَبْدَ خَارِجٌ مِنْ ثُلُثِهَا فَبَانَ قِلَّتُهَا أَوْ تَلِفَ بَعْضُهَا أَوْ دَيْنٌ عَلَى الْمَيِّتِ فَقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَحْلِفُ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الثُّلُثُ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمُشَاعِ. وَالثَّانِي صِحَّةُ الْإِجَازَةِ وَعَدَمُ قَبُولِ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعْلُومٌ، وَالْجَهَالَةُ فِي غَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ
(وَلَوْ) كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ (بِعَيْنٍ قَدْرَ حَظِّهِ) مِنْ التَّرِكَةِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ وَثَلَاثُ دُورٍ، قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِائَةٌ وَأَوْصَى لِكُلٍّ بِوَاحِدَةٍ فَإِنَّمَا تَصِحُّ بِشَرْطِ الْإِجَازَةِ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِي الْأَعْيَانِ وَمَنَافِعِهَا (وَإِنْ صُحِّحَ عَنْهُ بَيْعُهَا) أَيْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِجَازَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ صَحَّ بَيْعُ الْعَيْنِ مِنْ الْوَارِثِ بِغَيْرِ إجَازَةٍ (وَ) الْحَالَةُ أَنَّ مُوَرِّثَهُ (مَا غُبِنْ) فِي بَيْعِهَا إذْ لَا تَبَرُّعَ فِيهِ.
(وَهِيَ) أَيْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ (بِقَدْرِ الْحَظِّ) لَهُ مِنْ التَّرِكَةِ مُشَاعًا كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ وَأَوْصَى لِكُلٍّ مِنْهُمْ بِثُلُثِ مَالِهِ (لَغْوٌ) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِلَا وَصِيَّةٍ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ مَا يُخْرِجُ مِنْ ثُلُثِهِ عَلَى وَرَثَتِهِ بِقَدْرِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ وَرَثَتُهُ فُقَرَاءَ) الْمُعْتَمَدُ اسْتِحْبَابُ النَّقْصِ مُطْلَقًا م ر.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ جَهِلَ أَحَدَهُمَا إلَخْ) قَدْ يُسْتَشْكَلُ جَهْلُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ بِنَاءً عَلَى تَوَهُّمِ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَحَدَهُمَا عَلِمَ الْآخَرَ وَلَا إشْكَالَ فَمِنْ صُوَرِ جَهْلِ الزَّائِدِ فَقَطْ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ التَّرِكَةَ مِائَةٌ وَأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِهَذَا الْمُعَيَّنِ وَأَنَّهُ زَائِدٌ وَلَا يَعْلَمُ عَدَدَهُ وَمِنْ صُوَرِ جَهْلِ التَّرِكَةِ فَقَطْ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِهَذَا الْمُعَيَّنِ وَأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى الثُّلُثِ عَشَرَةً وَلَا يَعْلَمَ قَدْرَ الْمَجْمُوعِ مِنْ الثُّلُثِ، وَالزَّائِدِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعْلُومٌ) أَيْ أَثَرٌ لِعِلْمِهِ مَعَ الْجَهْلِ بِالتَّرِكَةِ الَّتِي شَرَطَ مَعْرِفَةَ قَدْرِهَا
ــ
[حاشية الشربيني]
وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْكَرَاهَةِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِجَازَةِ، وَعَدَمِهَا فَالْعِبْرَةُ بِمَا عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ (قَوْلُهُ مَكْرُوهٌ) مُعْتَمَدٌ، وَلَوْ قَصَدَ حِرْمَانَ الْوَرَثَةِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِالزَّائِدِ مَعَ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الزِّيَادَةِ لِأَمْرٍ لَازِمٍ، وَهُوَ التَّفْوِيتُ عَلَى الْوَرَثَةِ لَكِنَّهُ لَازِمٌ أَعَمُّ لِحُصُولِ التَّفْوِيتِ بِغَيْرِ الْوَصِيَّةِ، وَالنَّهْيُ لِلَّازِمِ الْأَعَمِّ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ. اهـ. سم فِي الْآيَاتِ وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ إنَّ الْوَصِيَّةَ بِالزَّائِدِ هُنَا وَقَعَتْ تَابِعَةً لِلْوَصِيَّةِ بِالْأَصْلِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ، وَيُغْتَفَرُ فِي التَّابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ. اهـ. كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَمْ أَجِدْهُ فِي حَاشِيَةِ التُّحْفَةِ
(قَوْلُهُ: وَالْعِبْرَةُ بِكَوْنِ الْمُوصَى بِهِ زَائِدًا إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ، وَشَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ فَرْعٌ يُعْتَبَرُ لِمَعْرِفَةِ الثُّلُثِ فِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ أَيْ قِيمَتِهِ فِيهِ لِأَنَّهُ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَفِيمَنْ نَجَّزَ عِتْقَهُ فِي الْمَرَضِ يَوْمَ الْعِتْقِ أَيْ قِيمَتَهُ فِيهِ لِذَلِكَ، وَفِيمَا يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ أَقَلُّ قِيمَةً مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ إلَى أَنْ يَقْبِضُوا التَّرِكَةَ فَإِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا عِتْقًا مُنَجَّزًا، وَأَوْصَى بِعِتْقِ آخَرَ قَوَّمْنَا كُلًّا مِنْهُمَا وَقْتَهُ فَيُقَوَّمُ الْمُنَجَّزُ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ، وَالْآخَرُ وَقْتَ الْمَوْتِ، وَيُقَوَّمُ مَا يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ بِأَقَلَّ قِيمَةً مِنْ الْمَوْتِ إلَى الْقَبْضِ فَإِنْ خَرَجَا مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَا، وَإِلَّا فَالْمُنَجَّزُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ مَا خَرَجَ مِنْهُ إنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ إلَّا قَدْرُهُ فَإِنْ زَادَ الثُّلُثُ عَلَى الْمُنَجَّزِ عَتَقَ مَعَ الْمُنَجَّزِ مِنْ الْآخَرِ الزَّائِدِ. اهـ. سُجَاعِيٌّ عَلَى الْخَطِيبِ. اهـ. مِنْ خَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ، وَقَوْلُهُ أَقَلُّ قِيمَةً إلَخْ أَيْ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى يَوْمِ الْمَوْتِ فِي مِلْكِهِ، وَالنَّقْصُ عَنْ يَوْمِ الْقَبْضِ لَمْ يَدْخُلْ فِي أَيْدِيهِمْ فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِمْ. اهـ. سَبْط طب ثُمَّ رَأَيْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الشَّرْحِ فِيمَا سَيَأْتِي
(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي لِلْوَارِثِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا فِي م ر أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ إجَازَةِ مَا يُتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ مَعْرِفَةُ الْمُجِيزِ قَدْرَ الْمُجَازِ مِنْ التَّرِكَةِ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِمُشَاعٍ، وَعَيَّنَهُ إنْ كَانَتْ بِمُعَيَّنٍ فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ إنَّمَا أَجَازَ لِظَنِّ عَدَمِ الْمُشَارِكِ، وَقَدْ ظَهَرَ بَطَلَتْ الْإِجَازَةُ فِيمَا يَخُصُّ شَرِيكَهُ وَنِصْفَ مَا يَخُصُّهُ أَوْ لِظَنِّ كَثْرَةِ التَّرِكَةِ، وَقَدْ بَانَ قِلَّتُهَا صُدِّقَ إنْ كَانَتْ بِمُشَاعٍ دُونَ مَا إذَا كَانَتْ بِمُعَيَّنٍ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا مَعْرِفَةُ الْعَيْنِ، وَيَبْعُدُ عَدَمُ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهَا اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعْلُومٌ إلَخْ) ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: مَا يَخْرُجُ إلَخْ) فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَلَهُمْ إبْطَالُ الزَّائِدِ إذْ لَيْسَ لَهُ تَفْوِيتُهُ عَلَيْهِمْ فَإِنْ أَجَازُوا لَزِمَ الْوَقْفُ فَإِنْ وَقَفَهُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، وَكَانَ ابْنًا