للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُنَا عُلِمَ أَنَّ مَحَلَّ نَظَرِهِ إلَيْهِمَا إذَا كَانَتْ سَاتِرَةً لِمَا عَدَاهُمَا وَبِهِ جَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الرُّويَانِيُّ وَابْنُ دَاوُد وَنَقَلَاهُ عَنْ النَّصِّ وَلَهُ تَكْرِيرُ نَظَرِهِ لِيَتَبَيَّنَ هَيْئَتَهَا فَلَا يَنْدَمُ بَعْدَ نِكَاحِهَا عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِضَبْطِ التَّكْرَارِ وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيرُهُ بِثَلَاثٍ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ الرُّؤْيَةَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ «أَرَيْتُك ثَلَاثَ لَيَالٍ» (وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرَا) بِإِبْدَالِ الْأَلْفِ مِنْ نُونِ التَّوْكِيدِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُؤَمِّرْنَ بِأَنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ الْوَلِيُّ وَالْمَرْأَةُ لِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ وَلِئَلَّا تَتَزَيَّنَ فَيَفُوتُ غَرَضُهُ وَوَقْتُهُ قَبْلَ الْخِطْبَةِ (إذَا ارْتَضَاهَا) أَيْ عَزَمَ عَلَى نِكَاحِهَا إذْ لَوْ كَانَ بَعْدَهَا فَرُبَّمَا أَعْرَضَ عَنْهَا فَيُؤْذِيَهَا وَقَبْلَ الْعَزْمِ لَا حَاجَةَ إلَى النَّظَرِ.

وَالْمُرَادُ بِخَطَبَ فِي الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ عَزَمَ عَلَى خِطْبَتِهَا بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «إذَا أَلْقَى فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا» قَالَ الْإِمَامُ وَالرُّويَانِيُّ: وَلَهُ النَّظَرُ وَإِنْ خَافَ الْفِتْنَةَ لِغَرَضِ التَّزَوُّجِ وَإِذَا لَمْ تُعْجِبْهُ فَلْيَسْكُتْ وَلَا يَقُلْ لَا أُرِيدُهَا؛ لِأَنَّهُ إيذَاءٌ (وَهِيَ أَيْضًا تَنْظُرُ) إلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ نَدْبًا إذَا عَزَمَتْ عَلَى نِكَاحِهِ؛ لِأَنَّهُ يُعْجِبُهَا مِنْهُ مَا يُعْجِبُهُ مِنْهَا وَخَرَجَ بِالنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ الْمَسُّ إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ (وَمَنْ عَلَى الرُّؤْيَةِ لَيْسَ يَقْدِرُ) أَوْ لَمْ يُرِدْهَا (يَبْعَثُ مَنْ يَأْتِي لَهُ بِالصِّفَةِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَعَثَ أُمَّ سُلَيْمٍ إلَى امْرَأَةٍ وَقَالَ اُنْظُرِي عُرْقُوبَيْهَا وَشُمِّي عَوَارِضَهَا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ «وَشُمِّي مَعَاطِفَهَا» وَتَعْبِيرُ النَّظْمِ بِمَنْ يَأْتِي لَهُ بِالصِّفَةِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِامْرَأَةٍ لِتَنَاوُلِهِ الْمَحْرَمَ وَنَحْوَهُ مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا.

وَيُؤْخَذُ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّ لِلْمَبْعُوثِ أَنْ يَصِفَ لِلْبَاعِثِ زَائِدًا عَلَى مَا يَنْظُرُهُ هُوَ فَيَسْتَفِيدُ بِالْبَعْثِ مَا لَا يَسْتَفِيدُهُ بِنَظَرِهِ

(بِخُطْبَةٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَهِيَ حَمْدُ اللَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى نَبِيِّهِ وَالْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى أَيْ يُنْدَبُ النِّكَاحُ مَعَ تَقَدُّمِ خُطْبَةٍ لِلْعَقْدِ (وَ) مَعَ تَقَدُّمِ (خُطْبَةٍ) أُخْرَى (لِلْخِطْبَةِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ وَهِيَ الْتِمَاسُ التَّزْوِيجِ لِخَبَرِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» فَيَحْمَدُ اللَّهَ الْخَاطِبُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُوصِي بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يَقُولُ جِئْتُكُمْ خَاطِبًا كَرِيمَتَكُمْ وَيَخْطُبُ الْوَلِيُّ كَذَلِكَ ثُمَّ يَقُولُ لَسْت بِمَرْغُوبٍ عَنْك أَوْ نَحْوَهُ وَسَيَأْتِي لِلْعَقْدِ خُطْبَةٌ ثَانِيَةٌ تَتَخَلَّلُهُ كَمَا أَنَّ لِلْخِطْبَةِ خُطْبَةٌ ثَانِيَةٌ مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ كَمَا عَرَفْت فَالْخُطَبُ أَرْبَعٌ وَتَبَرَّك الْأَئِمَّةُ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا

ــ

[حاشية العبادي]

الْفِتْنَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ هُنَا كَمَا سَيَأْتِي فَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ غَيْرِهِ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَحْتَمِلُ تَقْدِيرُهُ بِثَلَاثٍ) الْوَجْهُ ضَبْطُهُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ: وَوَقْتُهُ قَبْلَ الْخِطْبَةِ) فَقَوْلُهُ: فِي خَبَرِ جَابِرٍ إذَا خَطَبَ يُحْمَلُ عَلَى مَعْنَى أَرَادَ أَنْ يَخْطُبُ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ قَبْلَهُ وَقَدْ خَطَبَ أَيْ الْمُغِيرَةُ امْرَأَةً فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ ثُمَّ رَأَيْت كَلَامَ الشَّارِحِ الْآتِي (قَوْلُهُ: إذَا ارْتَضَاهَا) أَيْ الْمَرْأَةَ بِدَلِيلِ تَفْسِيرِهِ (قَوْلُهُ: إذْ لَوْ كَانَ بَعْدَهَا) أَيْ الْخِطْبَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ خَافَ الْفِتْنَةَ) قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ وَنَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: إلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَأَنْ يَنْظُرَ كُلٌّ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ الْآخَرِ قَبْلَ الْخِطْبَةِ وَبَعْدَ عَزْمِهِ عَلَى نِكَاحِهِ غَيْرَ الْعَوْرَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ فَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ الْحُرَّةِ

ــ

[حاشية الشربيني]

وَقِيلَ مِنْ الْإِدَامِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ يَطِيبُ بِهِ. اهـ. ق ل وَتَفْسِيرُ الشَّارِحِ إنَّمَا يُنَاسِبُ الْأَوَّلَ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ سَاتِرَةً) يُفِيدُ أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ السَّتْرِ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ قَالَ م ر وَاشْتِرَاطُ النَّصِّ وَكَثِيرِينَ سَتْرَ مَا عَدَاهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْعُ نَظَرِ غَيْرِهِمَا أَوْ نَظَرِهِمَا إنْ أَدَّى إلَى نَظَرِ غَيْرِهِمَا.

وَرُؤْيَتُهُمَا مَعَ عَدَمِ عِلْمِهَا لَا تَسْتَلْزِمُ تَعَمُّدَ رُؤْيَةِ مَا عَدَاهُمَا قَالَ ع ش أَيْ فَإِنْ اتَّفَقَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِلنَّظَرِ وَجَبَ الْغَضُّ سَرِيعًا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَتَى نَظَرَ إلَيْهِمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى نَظَرِ غَيْرِهِمَا حَرُمَ النَّظَرُ وَبَعَثَ إلَيْهَا مَنْ يَصِفُهَا لَهُ إنْ أَرَادَ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثَلَاثٌ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بَلْ حَتَّى تَتَبَيَّنَ لَهُ هَيْئَتُهَا وَمِنْ ثَمَّ لَوْ اكْتَفَى بِنَظْرَةٍ حَرُمَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ: وَوَقْتُهُ) أَيْ الْأَفْضَلُ لِئَلَّا يَعْرِضَ بَعْدَ الْخِطْبَةِ فَتَتَأَذَّى وَإِلَّا فَسَنُّ النَّظَرُ إنْ احْتَاجَهُ بَاقٍ بَعْدَ الْخِطْبَةِ. اهـ. م ر بِزِيَادَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ خَافَ الْفِتْنَةَ) وَلَوْ بِشَهْوَةٍ وَاسْتَغْنَى عَنْ النَّظَرِ بِالِاسْتِيصَافِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ لَيْسَ لَهُ النَّظَرُ مَعَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ إلَّا إنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ

مَصْلَحَةَ

النَّظَرِ هُنَا دَائِمَةٌ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ: فِي الْحَدِيثِ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا أَيْ تَدُومَ الْمَوَدَّةُ وَالْأُلْفَةُ فَتَسَامَحُوا فِيهِ بِمَا لَمْ يَتَسَامَحُوا فِي الشَّهَادَةِ وَقِيَامُ الِاسْتِيصَافِ مَقَامَهُ إنَّمَا هُوَ فِي أَمْرٍ تَابِعٍ وَهُوَ إدْرَاكُ مُجَرَّدِ الصُّورَةِ دُونَ مَعْنَاهَا الْمَطْبُوعِ فِيهَا الَّذِي الْمَدَارُ عَلَى إدْرَاكِهِ كَمَا يُفِيدُهُ خَبَرُ «لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ» . اهـ. حَوَاشِي شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ عَلَى الرُّؤْيَةِ لَيْسَ يَقْدِرُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ عَدَمُ جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الرُّؤْيَةِ وَالِاسْتِيصَافِ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ تَكْرِيرُ النَّظَرِ لَعَلَّهُ يَزِيدُ رَغْبَةً أَوْ إعْرَاضًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ ضَمُّ الِاسْتِيصَافِ لِلنَّظَرِ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا حَرُمَ اسْتِيصَافُ امْرَأَةٍ خَلِيَّةٍ مِنْ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ عَلَى الْخِطْبَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّجَسُّسِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَمِنْ ثَمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ عَلَى الْمَرْأَةِ اسْتِيصَافُ رَجُلٍ خَلِيٍّ لَمْ يَعْزِمْ هُوَ وَلَا هِيَ عَلَى نِكَاحِهَا وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهَا عَدَمُ إجَابَتِهِ لَهَا. اهـ. حَوَاشِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ

(قَوْلُهُ: وَهِيَ حَمْدُ اللَّهِ إلَخْ) سَكَتَ عَنْ قِرَاءَةِ الْآيَةِ وَالدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ مَعَ نَدْبِهِمَا أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مَعَ أَنَّهَا لَا تُسَمَّى خِطْبَةً إلَّا بِذَلِكَ إمَّا؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ. اهـ. ق ل عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>