قَالَ «إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَخْطُبَ لِحَاجَةٍ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلْيَقُلْ إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} [النساء: ١] إلَى قَوْلِهِ {رَقِيبًا} [النساء: ١] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الأحزاب: ٧٠] إلَى قَوْلِهِ {عَظِيمًا} [الأحزاب: ٧١] » . وَتُسَمَّى هَذِهِ الْخُطْبَةُ خُطْبَةُ الْحَاجَةِ
وَكَانَ الْقَفَّالُ يَقُولُ بَعْدَهَا أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِيَدِ اللَّهِ يَقْضِي فِيهَا مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ لَا مُؤَخِّرَ لِمَا قَدَّمَ وَلَا مُقَدِّمَ لِمَا أَخَّرَ وَلَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ وَلَا يَفْتَرِقَانِ إلَّا بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ وَكِتَابٍ قَدْ سَبَقَ وَأَنَّ مِمَّا قَضَى اللَّهُ تَعَالَى وَقَدَّرَ أَنْ خَطَبَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ عَلَى صَدَا قِ كَذَا أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ أَجْمَعِينَ وَلَا تَتَعَيَّنُ الْخُطْبَةُ مِنْ الْخَاطِبِ وَالْوَلِيِّ بَلْ غَيْرُهُمَا كَهُمَا.
وَلَمَّا ذَكَرَ هُنَا حُكْمَ النَّظَرِ لِلْمَخْطُوبَةِ اسْتَطْرَدَ ذِكْرَ حُكْمِهِ مُطْلَقًا مُقَدِّمًا عَلَيْهِ حُكْمَ الْمَسِّ فَقَالَ: (وَمِنْ نِسَاءٍ مَسُّ) أَيْ وَمَسُّ (شَيْءٍ) مِنْ النِّسَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ مِنْ (شَعَرٍ وَغَيْرِهِ مُحَرَّمٌ لِلذَّكَرِ) أَيْ عَلَى الذَّكَرِ الْفَحْلِ الْبَالِغِ (وَإِنْ أُبِينَ) الشَّيْءُ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ النَّظَرُ إلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي فَالْمَسُّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي اللَّذَّةِ وَقَدْ يَحْرُمُ الْمَسُّ دُونَ النَّظَرِ كَمَا سَيَأْتِي
(وَكَذَاكَ) يَحْرُمُ عَلَيْهِ (النَّظَرُ) إلَى مَا ذَكَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: ٣٠] وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ نَظَرُهُ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا مَعَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ بِهَا وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ وَوَجَّهَهُ الْإِمَامُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْعِ النِّسَاءِ مِنْ الْخُرُوجِ سَافِرَاتِ الْوُجُوهِ وَبِأَنَّ النَّظَرَ مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ وَمُحَرِّكٌ لِلشَّهْوَةِ فَاللَّائِقُ بِمَحَاسِّ الشَّرْعِ سَدُّ الْبَابِ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ تَفَاصِيلِ الْأَحْوَالِ كَالْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ لَكِنْ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: ٣١] وَهُوَ مُفَسَّرٌ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ لَكِنْ يُكْرَهُ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ إنَّهُ الصَّوَابُ لِكَوْنِ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: التَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الْمُدْرِكِ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ وَقَوْلُهُ: مِنْ زِيَادَتِهِ كَذَاك تَأْكِيدٌ (لَا) إنْ كَانَ النَّظَرُ (لِاحْتِيَاجٍ) فِي غَيْرِ السَّوْأَةِ (كَالْعِلَاجِ) مِنْ فَصْدٍ وَحِجَامَةٍ وَغَيْرِهِمَا وَكَمُعَامَلَةٍ وَشَهَادَةٍ تَحَمُّلًا وَأَدَاءً فَقَوْلُهُ:
ــ
[حاشية العبادي]
الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَمِنْ الْأَمَةِ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَهُمَا يَنْظُرَانِهِ مِنْهُ اهـ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهَا تَنْظُرُ مِنْ الرَّجُلِ مَا عَدَا مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ خِلَافَ قَوْلِ الشَّارِحِ هُنَا إلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ
(قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) وَكَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخَاطِبِ
وقَوْله تَعَالَى {مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: ٣٠] مِنْ ظَاهِرَةٌ فِي التَّبْعِيضِ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى صُوَرِ الْجَوَازِ.
(قَوْلُهُ: يَحْظُرُ) أَيْ النَّظَرُ
ــ
[حاشية الشربيني]
الْجَلَالِ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَبَيْنَ) أَيْ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ فَإِنْ جَهِلَ جَازَ سم عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: أَيْضًا وإنْ أَبَيْنَ) قَالَ حَجَرٌ غَيْرُ الدَّمِ وَالرِّيقِ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ ذَلِكَ لَيْسَتْ مَظِنَّةً لِلْفِتْنَةِ عِنْدَ أَحَدٍ (قَوْلُهُ: أَيْضًا وَإِنْ أَبَيْنَ) وَالْعِبْرَةُ فِي الْمُبَانِ بِوَقْتِ النَّظَرِ لَا بِوَقْتِ الْإِبَانَةِ فَلَوْ أَبَانَتْ شَعْرًا وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا هَلْ لَهُ نَظَرُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبَانَتْهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَيَحْرُمُ ح ل
(قَوْلُهُ: مَعَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ بِهَا) أَيْ وَالنَّظَرِ بِلَا شَهْوَةٍ. اهـ. حَجَرٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ (قَوْلُهُ: وَوَجَّهَهُ الْإِمَامُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ الْإِمَامِ لَهُنَّ مِنْ الْكَشْفِ لِكَوْنِهِ مَكْرُوهًا وَلِلْإِمَامِ الْمَنْعُ مِنْ الْمَكْرُوهِ لِمَا فِيهِ مِنْ
الْمَصْلَحَةِ
الْعَامَّةِ. وُجُوبُ السَّتْرِ عَلَيْهِنَّ بِدُونِ مَنْعٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى حُرْمَةِ نَظَرِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَلَعَلَّهُ لِهَذَا عَزَاهُ لِلْإِمَامِ وَمَعَ هَذَا فَالْأَصَحُّ حُرْمَةُ خُرُوجِهِنَّ سَافِرَاتِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْحَرَامِ الَّذِي هُوَ النَّظَرُ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ. اهـ. حَجَرٌ وم ر وق ل وطب مَعَ زِيَادَةٍ وَأَمَّا الرَّجُلُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ سَتْرُ وَجْهِهِ إلَّا إنْ عَلِمَ أَنَّ امْرَأَةً تَنْظُرُ إلَيْهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ النِّسَاءَ مَحَلُّ الشَّهْوَةِ أَصَالَةً وَأَنَّ سَتْرَهُنَّ أَسْهَلُ مِنْ سَتْرِ الرِّجَالِ وَلِقِلَّةِ بُرُوزِهِنَّ فِي الْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهَا. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَنْعِ إلَخْ) أَيْ مَنْعِ الْوُلَاةِ لَهُنَّ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: التَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الْمُدْرَكِ) أَيْ لَا بِكَوْنِ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ قُوَّةِ الْمُدْرَكِ أَنَّ الْآيَةَ كَمَا دَلَّتْ عَلَى جَوَازِ كَشْفِهِنَّ لِوُجُوهِهِنَّ دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ غَضِّ الرِّجَالِ أَبْصَارَهُمْ عَنْهُنَّ وَيَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الْغَضِّ حُرْمَةُ النَّظَرِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حِلِّ الْكَشْفِ جَوَازُهُ. اهـ. شَرْحُ الْمِنْهَاجِ لِحَجَرٍ.
وَقَوْلُهُ: دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: ٣٠] (قَوْلُهُ: وَشَهَادَةٌ) وَإِنْ تَيَسَّرَ وُجُودُ نِسَاءٍ أَوْ مَحَارِمَ يَشْهَدُونَ؛ لِأَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا هُنَا بِخِلَافِ التَّعْلِيمِ. اهـ. حَجَرٌ وزي وَلَوْ عَرَفَهَا الشَّاهِدُ مِنْ النِّقَابِ حَرُمَ الْكَشْفُ. اهـ. ح ل. اهـ. بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ: وَشَهَادَةٌ) وَلَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ إلَّا إنْ تَعَيَّنَ كَمَا مَرَّ وَانْظُرْ غَيْرَ الشَّهَادَةِ ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِأَنَّهُ كَالشَّهَادَةِ فَلَا يَنْظُرُ إلَّا إنْ تَعَيَّنَ وَمَعَ ذَلِكَ يَضْبِطُ نَفْسَهُ فَإِنْ حَصَلَتْ شَهْوَةٌ قَالَ السُّبْكِيُّ أَثِمَ وَحَمَلَهُ م ر عَلَى مَا إذَا كَانَ بِاخْتِيَارِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اخْتِيَارٌ فَلَا إثْمَ (قَوْلُهُ: