بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ وَإِنْ أَحْسَنَ الْمُتَرْجِمُ الْعَرَبِيَّةَ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى وَمَحِلِّهِ إذَا فَهِمَ كُلٌّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ كَلَامَ الْآخَرِ فَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ وَأَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِمَعْنَاهُ فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ الْمَنْعَ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ كَلَفْظِ الْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْهِبَةِ وَالْإِحْلَالِ وَالْإِبَاحَةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ» وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْزِعُ إلَى الْعِبَادَاتِ لِوُرُودِ النَّدْبِ فِيهِ، وَالْأَذْكَارُ فِي الْعِبَادَاتِ تُتَلَقَّى مِنْ الشَّرْعِ وَالشَّرْعُ إنَّمَا وَرَدَ بِلَفْظَيْ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَأُلْحِقَ بِهِمَا تَرْجَمَتُهُمَا كَمَا تَقَرَّرَ.
وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» فَقِيلَ: وَهْمٌ. وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ مُعَارِضٌ بِرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ زَوَّجْتُكهَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْجَمَاعَةُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ الْوَاحِدِ وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَكْفِي تُزَوِّجُنِي بِنْتَك أَوْ زَوَّجْتهَا مِنِّي فَيَقُولُ الْوَلِيُّ زَوَّجْتهَا مِنْك إلَّا أَنْ يَقْبَلَ الزَّوْجُ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ مُتَوَسِّطٌ لِلْوَلِيِّ زَوَّجْت بِنْتَك مِنْ فُلَانٍ فَقَالَ زَوَّجْت ثُمَّ قَالَ لِلزَّوْجِ قَبِلْتَ نِكَاحَهَا فَقَالَ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا صَحَّ لِوُجُودِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مُرْتَبِطَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَا أَوْ أَحَدُهُمَا نَعَمْ وَإِنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ قَبِلْتُ لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِحَاجَةِ النِّكَاحِ إلَى مَزِيدِ احْتِيَاطٍ وَنَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ قَبِلْتُ النِّكَاحَ أَوْ التَّزْوِيجَ صَحَّ أَوْ قَبِلْتُهَا لَمْ يَصِحَّ وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ قَدْ يَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ فِيهِمَا حَيْثُ قَالَا بَعْدَ تَصْحِيحِ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي قَبِلْتُ وَلَوْ قَالَ قَبِلْتُ النِّكَاحَ أَوْ قِبْلَتَهَا فَخِلَافٌ مُرَتَّبٌ وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ.
وَقَوْلِي فِي مَسْأَلَةِ الْمُتَوَسِّطِ فَقَالَ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا هُوَ مَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي أَكْثَرِ نُسَخِهِ وَأَنَّهُ مُرَادُهُ بِتَعْبِيرِهِ فِي بَعْضِهَا بِقَبِلْتُ قَالَ وَأَمَّا تَعْبِيرُ الرَّوْضَةِ بِقَبِلْتُهُ فَيُوهِمُ أَنَّ الْهَاءَ تَقُومُ مَقَامَ نِكَاحِهَا وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ. اهـ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الرَّوْضَةَ مُخْتَصَرَةٌ مِنْ النُّسَخِ الَّتِي عَبَّرَ فِيهَا بِقَبِلْتُ مَعَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ نُسَخَهَا أَيْضًا مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّ الْأَصْفُونِيَّ عَبَّرَ فِي مُخْتَصَرِهَا بِقَبِلْتُ نِكَاحَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّهُ مُرَادُ الرَّوْضَةِ وَيَعْتَبِرُ تَعْيِينُ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ وَالْعِلْمُ بِذُكُورَةِ الزَّوْجِ وَأُنُوثَةِ الزَّوْجَةِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: رَجَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ الْمَنْعَ) زَادَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ وَصُورَتُهُ أَنْ لَا يُفْهِمَهَا إلَّا بَعْدَ إتْيَانِهِ بِهَا فَلَوْ أَخْبَرَ بِمَعْنَاهَا قَبْلُ صَحَّ إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ. اهـ. مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَلْيُتَأَمَّلْ التَّقْيِيدُ بِعَدَمِ طُولِ الْفَصْلِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِيمَا إذَا لَمْ يَفْهَمْ الْمُتَأَخِّرُ كَلَامَ الْمُتَقَدِّمِ وَعَرَفَهُ قَبْلَ إتْيَانِ الْمُتَقَدِّمِ بِهِ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ عَدَمِ الطُّولِ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَهُوَ شَيْءٌ آخَرُ مَعْلُومٌ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ هُنَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَفْهَمْ الْمُتَقَدِّمُ كَلَامَ الْمُتَأَخِّرِ وَعَرَفَهُ قَبْلَ إتْيَانِ الْمُتَأَخِّرِ بِهِ فَيُشْتَرَطُ عَدَمُ الطُّولِ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِهِ لِئَلَّا يَطُولَ مَا بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ تَعْيِينُ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ) قَالَ فِي الرَّوْضِ فَزَوَّجْتُك إحْدَى بَنَاتِي أَوْ زَوَّجْتُ أَحَدَكُمَا بَاطِلٌ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَلَوْ مَعَ الْإِشَارَةِ كَالْبَيْعِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْعِلْمُ بِذُكُورَةِ الزَّوْجِ إلَخْ) لَا يَبْعُدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ وَالِاعْتِقَادَ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ اعْتَقَدَ أَوْ ظَنَّ ذُكُورَةَ الزَّوْجِ ثُمَّ بَانَ بَعْدَ الْعَقْدِ خُنْثَى ثُمَّ ذَكَرًا أَوْ أُنُوثَةَ الزَّوْجَةِ ثُمَّ بَانَتْ بَعْدَ
[حاشية الشربيني]
إنْ قَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ لَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهِ بِخِلَافِ قَبِلْت النِّكَاحَ وَسَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ (قَوْلُهُ: كَلَامُ الْآخَرِ) أَيْ وَكَلَامُ نَفْسِهِ أَيْضًا وَلَوْ بِإِخْبَارِ الثِّقَةِ (قَوْلُهُ: وَأَخْبَرَهُ ثِقَةٌ) أَيْ بِالْإِيجَابِ أَوْ الْقَبُولِ بَعْدَ تَقَدُّمِهِ مِنْ عَارِفٍ بِهِ وَلَوْ بِإِخْبَارِ الثِّقَةِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: وَأَخْبَرَهُ ثِقَةٌ) أَيْ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهَا وَالْأَصَحُّ إنَّ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ عُرْفًا بَيْنَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ يَقُولُ إنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهَا صَحَّ الْعَقْدُ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الشَّرْطَ قَبُولُ مَا عَرَفَهُ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مَوْجُودٌ.
(قَوْلُهُ: وَهْمٌ) أَيْ مِنْ الرَّاوِي (قَوْلُهُ: أَوْ زَوَّجْتهَا مِنِّي) فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ أَوْ زَوِّجْهَا مِنِّي بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَهُوَ خَطَأٌ لِصِحَّةِ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: فَقَالَ زَوَّجْت) قَالَ ع ش لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْوَلِيُّ بَعْدَ قَوْلِ الْمُتَوَسِّطِ زَوَّجْتَ بِنْتَك فُلَانًا زَوَّجْتَهَا لَهُ أَوْ زَوَّجْتُهُ إيَّاهَا وَلَا يَكْفِي زَوَّجْت بِدُونِ الضَّمِيرِ وَلَا زَوَّجْتهَا بِدُونِ ذِكْرِ الزَّوْجِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ قَبِلْت نِكَاحَهَا) وَلَا يَكْفِي قَبِلْت عَلَى الرَّاجِحِ. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلِهِ قَبِلْت) مِثْلُهُ قَبِلْته كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: صَحَّ) لِذِكْرِ النِّكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ وَقَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ أَيْ لِعَدَمِ ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْهُمَا فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا قَبِلْته؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ هُنَا (قَوْلُهُ: وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute