كَذَلِكَ إذْ لَا يَلِيقُ بِمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ دُخُولُهَا فِيهِ لِمَا قَصَدَ مِنْهَا مِنْ الْحَيَاءِ وَعَدَمِ ذِكْرِهِ أَصْلًا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ وَتَقَدَّمَ خَبَرُ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ خَبَرَ «لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا» وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وقَوْله تَعَالَى {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٢] أَصْرَحُ دَلِيلٍ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَلِيِّ وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِعَضْلِهِ مَعْنًى.
وَيُقَدَّمُ مِنْ جِهَاتِ الْوِلَايَةِ الْقَرَابَةُ لِاخْتِصَاصِ الْأَقَارِبِ بِزِيَادَةِ الشَّفَقَةِ ثُمَّ الْوَلَاءُ لِالْتِحَاقِهِ بِالنَّسَبِ بِخَبَرِ «الْوَلَاءِ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» ثُمَّ السَّلْطَنَةُ لِخَبَرِ السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْوَلِيُّ وَالسُّلْطَانُ فَحَكَّمَتْ عَدْلًا يُزَوِّجُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا جَازَ عَلَى الْمُخْتَارِ فِي الرَّوْضَةِ الْمُوَافِقِ لِظَاهِرِ نَصٍّ نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ
ثُمَّ بَيَّنَ تَرْتِيبَ الْأَوْلِيَاءِ فَقَالَ (وَالِدٍ) بِالْجَرِّ بَدَلًا مِنْ وَلِيٍّ فَيُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَشْفَقُ مِنْ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ وَلِأَنَّهُمْ يُدْلُونَ بِهِ (وَإِنْ عَرَضْ عِتْقٌ لَهَا جَمِيعِهَا) بِالْجَرِّ تَأْكِيدًا لِلْهَاءِ (حَالَ الْمَرَضْ) أَيْ مَرَضِ مَوْتِ السَّيِّدِ وَأَمْكَنَ رَقُّ بَعْضِهَا لِضِيقِ الثُّلُثِ عَنْ جَمِيعِهَا فَإِنَّمَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا بِوَلِيٍّ مِنْ وَالِدٍ أَوْ غَيْرِهِ لِلْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهَا ظَاهِرًا ثُمَّ إنْ اسْتَمَرَّ عِتْقُهَا فَذَاكَ وَإِلَّا بَانَ فَسَادُ نِكَاحِهَا وَلَوْ قَدَّمَ قَوْلَهُ وَإِنْ عَرَضَ إلَى آخِرِهِ عَلَى وَالِدٍ كَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ تَخْصِيصُهُ بِهِ (وَبِهِمَا) أَيْ وَبِإِيجَابِ السَّيِّدِ أَوْ وَلِيِّهِ وَوَلِيِّ الْمَرْأَةِ (إذْ بَعْضُهَا يُحَرَّرُ) أَيْ وَقْتَ كَوْنِ بَعْضِهَا حُرًّا وَفَاءً بِحَقِّ الْمِلْكِ وَالْحُرِّيَّةِ.
(ثُمَّ) صِحَّةُ النِّكَاحِ بَعْدَ الْأَبِ (بِجَدٍّ عَنْ أَبٍ) وَإِنْ عَلَا الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَادَةً وَعُصُوبَةً كَالْأَبِ فَيُقَدَّمُ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ إلَّا عُصُوبَةٌ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ عَنْ أَبٍ الْجَدُّ لِأُمٍّ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَهُ بِقَوْلِهِ لِأَبٍ لَمَا ضَرَّهُ وَكَانَ أَوْضَحَ
(وَيُجْبِرُ) كُلٌّ مِنْ الْأَبِ وَالْجَدِّ مُوَلِّيَتَهُ الَّتِي لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى النِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ
ــ
[حاشية العبادي]
مَنْفَعَةَ بُضْعِهِ أَيْ الْعَبْدِ وَقَوْلُهُ: وَالْأَمَةُ يَمْلِكُ أَيْ السَّيِّدُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَعَذَّرَ الْوَلِيُّ وَالسُّلْطَانُ) قَالَ بَعْضُهُمْ مُطْلَقًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ لَا يَسْهُلُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ عَادَةً (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا) الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ شَيْخِنَا الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ جَوَازُ تَحْكِيمِ الْمُجْتَهِدِ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْحَاكِمِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ لَا يَجُوزُ تَحْكِيمُهُ مَعَ وُجُودِهِ وَلَوْ قَاضِي ضَرُورَةٍ وَسَوَاءٌ فِي الشِّقَّيْنِ السَّفَرُ وَالْحَضَرُ
(قَوْلُهُ: مِنْ الْأَبِ) وَإِنْ لَمْ يَلِ الْمَالَ لِطُرُوِّ سَفَهٍ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى النَّصِّ؛ لِأَنَّ الْعَارَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ فَزَعَمَ أَنَّ وِلَايَةَ تَزْوِيجِهَا حِينَئِذٍ لِلْقَاضِي كَوِلَايَةِ مَالِهَا حَجّ (قَوْلُهُ: الَّتِي لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَبِرَ فِي الْإِجْبَارِ أَيْضًا انْتِفَاءَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ. اهـ.
وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ ظُهُورُ الْعَدَاوَةِ هُنَا كَمَا اُعْتُبِرَ ثَمَّ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الزَّوْجُ وَالْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ بَلْ قَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى مَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلِيِّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُزَوِّجَهَا إلَّا مَنْ يَحْصُلُ لَهَا مِنْهُ حَظٌّ وَمَصْلَحَةٌ لِشَفَقَتِهِ عَلَيْهَا إمَّا لِمُجَرَّدِ كَرَاهَتِهَا لَهُ فَلَا يُؤَثِّرُ لَكِنْ يُكْرَهُ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلِيِّ وَالزَّوْجِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ وَكَوْنَهُ مِنْ كُفْءٍ مُوسِرٍ بِحَالِ الْمَهْرِ مُعْتَبَرَانِ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ وَأَمَّا كَوْنُهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ فَمُعْتَبَرٌ لِجَوَازِ الْإِجْبَارِ لَا لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، فَلَا يُفْسِدُهُ الْإِخْلَالُ بِهِ
ــ
[حاشية الشربيني]
إنْ كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ ثَلَاثًا بَعْدَ طَلَاقِ الْحَنَفِيِّ لَهَا وَأَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ إعَانَةُ عَاقِدِهِ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْخَلْوَةِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهَا أَوْ أُمِّهَا وَبِنْتِهَا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّا نَحْكُمُ عَلَى الْحَنَفِيِّ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ إذْ أَحْكَامُهُ تَابِعَةٌ لِاعْتِقَادِهِ.
وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ عَوَضٌ عَلَى الْخَطِيبِ وَغَيْرُهُ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ فِيهِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَأَمَّا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ فَالْأَصَحُّ ثُبُوتُهَا بِالْوَطْءِ فِيهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَحْرَمِيَّةِ أَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ تَثْبُتُ تَغْلِيظًا فَلَا تُثْبِتُ الْمَحْرَمِيَّةَ تَغْلِيظًا كَمَا فِي الْبَحْرُ لِلرُّويَانِيِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ: فَلَا تُثْبِتُ إلَخْ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَحْرَمِيَّةِ إنَّمَا هُوَ التَّخْفِيفُ كَحِلِّ الْمُسَافَرَةِ بِهَا وَعَدَمِ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ أُمِّهَا وَهَكَذَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ الْمَحْرَمِيَّةُ كَمَا فِي الْمُلَاعَنَةِ وَأُمِّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ غَيْرِ هَذِهِ وَبِنْتِهَا وَقَدْ نَصَّ عَلَى عَدَمِ التَّلَازُمِ فِي شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ السَّلْطَنَةُ) قَالَ م ر الْمُرَادُ بِالسُّلْطَانِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي مَنْ شَمِلَهَا وِلَايَتُهُ عَامًّا كَانَ أَوْ خَاصًّا كَالْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي لِعُقُودِ الْأَنْكِحَةِ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْمُتَوَلِّي لِعُقُودِ الْأَنْكِحَةِ مَنْ نَصَّبَهُ بَدَلَهُ فِي وِلَايَةِ الْعُقُودِ لَا مَنْ نَصَّبَهُ لِإِجْرَاءِ الْعَقْدِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ كَمَا هُمْ الْآنَ
(قَوْلُهُ: وَلَدٌ) وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي وَلِيَّ مَالِهَا لِطُرُوِّ سَفَهِهَا بَعْدَ الرُّشْدِ إذْ لَا تَتْبَعُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ وِلَايَةَ الْمَالِ خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ. اهـ. حَجَرٌ سم عَلَى الْمَنْهَجِ
(قَوْلُهُ: عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ) أَمَّا وَكِيلُ الْوَلِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ انْتِفَاءِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَلَوْ خُفْيَةً. اهـ. م ر (قَوْلُهُ: عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ) بِأَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهَا أَهْلُ مَحَلَّتِهَا وَهَذَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَيُشْتَرَطُ لَهَا أَيْضًا الْيَسَارُ بِحَالِ الصَّدَاقِ وَالْكَفَاءَةِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا وَعَدَمُ عَدَاوَةِ الزَّوْجِ لَهَا وَلَوْ بَاطِنًا فَإِذَا اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ وَيُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى الْعَقْدِ كَوْنُهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ أَيْ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِيهَا وَلَوْ عَرَضًا حَالًا إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِحُلُولِهِ وَالْمُرَادُ بِقُدْرَتِهِ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِقَدْرِهِ مِمَّا يُبَاعُ فِي الدِّينِ وَإِذَا حَرُمَ الْإِقْدَامُ فَسَدَ عَقْدُ الصَّدَاقِ فَقَطْ وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ وَيَرْجِعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا كَانَ غَيْرُ نَقْدِ الْبَلَدِ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ. اهـ.
ق ل وَإِذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ بَطَلُ النِّكَاحِ وَلَوْ عَقَدَ لِمَنْ مَهْرُهَا مِائَةٌ بِمِائَتَيْنِ حَالَّتَيْنِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مِائَةٍ فَقَطْ فَهَلْ يُقَالُ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُ قَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ حَالًّا مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَالشَّرْطُ مَوْجُودٌ فَمَا هَذِهِ الصُّورَةُ؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ فَحَرِّرْهُ قَالَ ق ل وَمَحَلُّ اعْتِبَارِ هَذِهِ