وَحِرْفَةً مِنْ حَيِّزِ النَّسَبِ، فَإِنَّ مَفَاخِرَ الْآبَاءِ وَمَثَالِبَهُمْ هِيَ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا أَمْرُ النَّسَبِ
قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: وَإِذَا كَانَتْ الْحِرْفَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْخِصَالِ تُرْعَى فِي الْآبَاءِ فَالسَّلَامَةُ مِنْ الْعُيُوبِ أَوْلَى أَنْ تُرْعَى، فَإِنَّ الْبَرَصَ وَالْجُذَامَ وَالْجُنُونَ أَشْنَعُ وَأَبْلَغُ شَيْءٍ يُعَيَّرُ بِهِ الْوَلَدُ
. (وَ) مَا (مَنْ تَعِفُّ) عَنْ الْمَعَاصِي كُفُؤًا لِغَيْرِ الْعَفِيفِ قَالَ تَعَالَى {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} [السجدة: ١٨] ، فَلَا يُكَافِئُ الْعَفِيفَةَ إلَّا عَفِيفٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ بِالْعِفَّةِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ بِالْأَوْلَى أَنَّ الْمُبْتَدِعَ لَيْسَ كُفُؤًا لِلسُّنِّيَّةِ، وَلَا الْكَافِرُ كُفُؤًا لِلْمُسْلِمَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَعُدَّ الْغَزَالِيُّ الْإِسْلَامَ فِي خِصَالِ الْكَفَاءَةِ وَوَجَّهَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْفَضَائِلَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الْكَفَاءَةِ هِيَ الَّتِي يُحْتَمَلُ فَوَاتُهَا عِنْدَ التَّرَاضِي وَإِسْلَامُ الزَّوْجِ لَا يُحْتَمَلُ فَوَاتُهُ، لَكِنْ يُعْتَبَرُ فِيهَا إسْلَامُ الْآبَاءِ وَكَثْرَتُهُمْ فِيهِ، فَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ كُفُؤًا لِمَنْ لَهَا أَبٌ أَوْ أَكْثَرُ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ لَيْسَ كُفُؤًا لِمَنْ لَهَا ثَلَاثَةُ آبَاءٍ فِيهِ. (وَ) مَا (حُرَّةٌ) أَصْلِيَّةٌ أَوْ عَتِيقَةٌ كُفُؤًا لِغَيْرِ الْحُرِّ وَلَوْ مُبَعَّضًا أَوْ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهَا تُعَيَّرُ بِهِ وَتَتَضَرَّرُ بِأَنَّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا إلَّا نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ، وَالْعَتِيقُ لَيْسَ كُفُؤًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ بِخِلَافِ الْعَتِيقَةِ، وَمَنْ مَسَّ الرِّقُّ أَحَدَ آبَائِهِ لَيْسَ كُفُؤًا لِمَنْ لَمْ يَمَسَّ وَاحِدًا مِنْ آبَائِهَا أَوْ مَسَّ أَبًا أَبْعَدَ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الرِّقُّ فِي الْأُمَّهَاتِ مُؤَثِّرًا؛ وَلِذَلِكَ تَعَلَّقَ بِهِ الْوَلَاءُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَقَالَ: مَنْ وَلَدَتْهُ رَقِيقَةٌ كُفُؤٌ لِمَنْ وَلَدَتْهُ عَرَبِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَبَ فِي النَّسَبِ، وَقَوْلُهُ: (كُفُؤًا لِغَيْرِ مَنْ وُصِفْ) أَيْ: بِمَا ذَكَرَ خَبَرُ مَا كَمَا تَقَرَّرَ وَمَا عَبَّرَ بِهِ مُوَافِقٌ لِمَا عَبَّرَ بِهِ الْحَاوِي، وَلَوْ عَكَسَا كَغَيْرِهِمَا فَقَالَا: وَمَا غَيْرُ نَسِيبٍ إلَى آخِرِهِ كُفُؤًا لِمَنْ وُصِفَ كَانَ أَوْضَحَ لِظُهُورِهِ فِي كَوْنِهِ دُونَهَا
إذْ الْمُتَبَادِرُ إلَى الْفَهْمِ عُرْفًا مِنْ قَوْلِنَا: لَيْسَ زَيْدٌ كُفُؤَ عُمَرَ، وَأَنَّ عُمَرَ أَشْرَفُ، وَهُوَ عَكْسُ الْمُرَادِ، وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا مَحَلُّهُ فِي الْأَسْمَاءِ الْجَامِدَةِ لَا فِي الصِّفَاتِ وَنَحْوِهَا لِدَلَالَتِهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ عَلَى تَفْضِيلِ السَّابِقِ. (وَلَوْ بِفَضْلٍ) آخَرَ (خُصَّ) غَيْرُ مَنْ وُصِفَ بِمَا مَرَّ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُفُؤًا لِمَنْ وُصِفَ بِهِ فَلَيْسَ عَجَمِيٌّ عَفِيفٌ كُفُؤًا لِعَرَبِيَّةٍ فَاسِقَةٍ، وَلَا مَعِيبٌ نَسِيبٌ كُفُؤًا لِسَلِيمَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ دَنِيئَةٍ وَلَا عَبْدٌ عَفِيفٌ كُفُؤًا لِحُرَّةٍ فَاسِقَةٍ، وَلَا فَاسِقٌ حُرٌّ كُفُؤًا لِعَفِيفَةٍ رَقِيقَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّقْصِ الْمَانِعِ مِنْ الْكَفَاءَةِ، وَلَا يَنْجَبِرُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْفَضْلِ الزَّائِدِ عَلَيْهَا (وَالْيَسَارُ) مَا بِهِ اعْتِبَارٌ فِي الْكَفَاءَةِ فَالْمُعْسِرُ كُفُؤٌ لِلْمُوسِرَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ، وَلَا يَفْتَخِرُ بِهِ أَهْلُ الْمُرُوآتِ وَالْبَصَائِرِ. (وَنَحْوُ حُسْنٍ) كَشُبُوبِيَّةٍ وَعِلْمٍ وَبَصَرٍ وَطُولٍ وَنَحْوِهَا. (مَا بِهِ اعْتِبَارُ) فَالذَّمِيمُ وَالشَّيْخُ وَالْجَاهِلُ وَالْأَعْمَى وَالْبَخِيلُ وَالْقَصِيرُ كُفُؤُ جَمِيلَةٍ وَشَابَّةٍ وَعَالِمَةٍ وَبَصِيرَةٍ وَكَرِيمَةٍ وَطَوِيلَةٍ وَلَفْظَةُ نَحْوُ مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ
. (وَجَازَ) تَزْوِيجُ الْمَرْأَةِ لِغَيْرِ كُفُؤٍ لَهَا (إنْ ذِي) أَيْ: الْمَرْأَةُ. (وَالْوَلِيُّ رَضِيَا بِالْغَيْرِ) أَيْ:
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: فَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ كُفُؤًا لِمَنْ لَهَا أَبٌ أَوْ أَكْثَرُ فِي الْإِسْلَامِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: الْمُنَاسِبُ لِصَنِيعِ الْمُصَنِّفِ الْمُنَبِّهِ عَلَيْهِ فِيمَا يَأْتِي بِقَوْلِهِ: وَمَا عَبَّرَ بِهِ مُوَافِقٌ لِمَا عَبَّرَ بِهِ الْحَاوِي إلَخْ أَنْ يَقُولَ: وَمَنْ لَهَا أَبٌ أَوْ أَكْثَرُ فِي الْإِسْلَامِ لَيْسَتْ كُفُؤًا لِمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ إلَخْ
[حاشية الشربيني]
بِهِ كَلَامُهُمْ. اهـ
(قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْأَنْوَارِ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الدِّينِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْعِفَّةِ وَالْحِرْفَةِ وَفَقْدِ الْعُيُوبِ يُعْتَبَرُ فِي الشَّخْصِ وَآبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ وَأَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالنَّسَبَ يُعْتَبَرَانِ فِي الْآبَاءِ فَقَطْ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَقَوْلُهُ: وَفَقْدِ الْعُيُوبِ إلَخْ هَلْ مِنْهَا الْعُنَّةُ وَالرَّتْقُ وَنَحْوُهُمَا فِي الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ؟ اسْتَبْعَدَهُ الرَّشِيدِيُّ، وَقَوْلُهُ: فَقَطْ أَيْ: دُونَ الْأُمَّهَاتِ إذْ مَعْلُومُ اعْتِبَارِهَا فِي الشَّخْصِ أَيْضًا ثُمَّ رَأَيْتُ نَقْلًا عَنْ هَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّ نَحْوَ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا فِي الشَّخْصِ نَفْسِهِ وَرَأَيْتُ فِي سم عَلَى حَجَرٍ خِلَافَهُ فَلْيُحَرَّرْ، الْمُعْتَمَدُ مِنْهُمَا. (قَوْلُهُ: تُرَاعَى فِي الْآبَاءِ) أَيْ: وَالْأُمَّهَاتِ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ
(قَوْلُهُ فَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ الصَّحَابِيَّ الَّذِي أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ كُفْئًا لِبَنَاتِ التَّابِعِينَ اللَّاتِي أَسْلَمَ آبَاؤُهُنَّ، وَاعْتَمَدَهُ حَجَرٌ وَوَافَقَهُ م ر إذْ لَا مِرْيَةَ أَنَّهَا مُتَمَيِّزَةٌ عَلَيْهِ بِصِفَةٍ خَلَا عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْخِصَالِ لَا يُقَابَلُ بِبَعْضٍ. اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ: تَعَلَّقَ بِهِ الْوَلَاءُ) أَيْ: فِيمَا لَوْ انْعَقَدَ وَلَدٌ بَيْنَ عَتِيقَةٍ وَرَقِيقٍ فَيَكُونُ حُرًّا، وَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى أُمِّهِ أَيْ: مَا لَمْ يَعْتِقْ أَبُوهُ، وَإِلَّا انْجَرَّ وَلَاؤُهُ إلَى أَبِيهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْجَبِرُ بِمَا فِيهِ) ، وَمِثْلُهُ الْأُصُولُ فَيُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي وَاحِدٍ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ نَقْصٌ عَمَّنْ يُقَابِلُهُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ مُقَابِلِهِ أَكْمَلَ فَلَيْسَ عَالِمٌ بْنُ جَاهِلٍ كُفْئًا لِجَاهِلَةٍ بِنْتِ عَالِمٍ وَلَا عَكْسُهُ، وَهَذَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ: غَادٍ) أَيْ: ذَاهِبٌ وَرَائِحٌ أَيْ: آتٍ كَذَا فِي ق ل وَفِي غَيْرِهِ عَكْسُهُ. اهـ. شَيْخُنَا ذ. (قَوْلُهُ: وَعَالِمَةٍ) ضَعِيفٌ كَمَا مَرَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute