(الْأَفْقَهُ) مِنْهُمْ بِبَابِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِشَرَائِطِهِ. (ثُمَّ) إنْ اسْتَوَوْا فِي الْفِقْهِ قُدِّمَ (الْأَوْرَعُ) الْمَزِيدُ عَلَى الْحَاوِي؛ لِأَنَّهُ أَشْفَقُ وَأَحْرَصُ عَلَى طَلَبِ الْحَظِّ (وَبَعْدَهُ الْأَسَنُّ) لِزِيَادَةِ تَجْرِبَتِهِ. (ثُمَّ) مَحَلُّ مَا ذَكَرَ إنْ لَمْ يَتَشَاجَرُوا، وَإِلَّا (يُقْرَعُ) بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ زَوَّجَ هَذَا إنْ اتَّحَدَ الْخَاطِبُ، فَإِنْ تَعَدَّدَ وَرَغِبَ كُلُّ وَلِيٍّ فِي خَاطِبٍ زُوِّجَتْ مِمَّنْ رَضِيَتْهُ، فَإِنْ رَضِيَتْ الْكُلَّ عَيَّنَ الْحَاكِمُ الْأَصْلَحَ مِنْهُمْ، وَأَذِنَ فِي التَّزْوِيجِ مِنْهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ اهـ
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي: يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ بِأَصْلَحِهِمْ، وَهُمْ عَاضِلُونَ؛ لِامْتِنَاعِ كُلٍّ مِنْ التَّزْوِيجِ مِمَّنْ رَضِيَهُ الْآخَرُ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» ، وَإِنْ أَذِنَتْ لِوَاحِدٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ زَوَّجَهَا هُوَ فَقَطْ، وَلَوْ قَالَتْ: زَوِّجُونِي اُشْتُرِطَ اجْتِمَاعُهُمْ. (وَصَحَّ) النِّكَاحُ (مِنْ غَيْرٍ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ الْأَفْقَهِ وَالْأَرْوَعِ وَالْأَسَنِّ، وَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ إذَا بَادَرَ فَزَوَّجَ بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، وَفَائِدَةُ الْقُرْعَةِ قَطْعُ النِّزَاعِ بَيْنَهُمْ لَا نَفْيُ وَلَايَةِ الْبَعْضِ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ التَّقْدِيمَ بِمَا ذَكَرَ مَنْدُوبٌ كَمَا تَقَرَّرَ، وَأَنَّ أَحَدَ الْأَوْلِيَاءِ لَوْ زَوَّجَ قَبْلَ الْقُرْعَةِ صَحَّ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْوِلَايَةُ كَوَلَايَةِ الْقَوَدِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى اسْتِيفَائِهِ؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ مَبْنِيٌّ عَلَى الدَّرْءِ وَالْإِسْقَاطِ، وَالنِّكَاحُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِثْبَاتِ وَالْإِلْزَامِ، وَلِهَذَا لَوْ عَضَلَ أَحَدُهُمْ زَوَّجَ الْآخَرُ، وَلَوْ عَفَا وَاحِدٌ عَنْ الْقَوَدِ سَقَطَ الْكُلِّ. (وَقِفْ) أَنْتَ النِّكَاحَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْحَالُ (لِلَّبْسِ فِي سَابِقِ اثْنَيْنِ) بِأَنْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ مِنْ
ــ
[حاشية العبادي]
الْأَفْقَهُ) يُفِيدُ تَقْدِيمَ الْفَقِيهِ وَالْأَوْرَعِ وَالْأَسَنِّ عَلَى أَضْدَادِهِمْ بِالْأَوَّلِ بِرّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُقْرَعُ) وُجُوبًا كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَالْمَنْهَجِ وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَأَطْلَقَ ابْنُ كَجٍّ أَنَّ الَّذِي يَقْرَعُ بَيْنَ الْأَوْلِيَاءِ هُوَ السُّلْطَانُ وَقَالَ ابْنُ دَاوُد يَنْدُبُ أَنْ يَقْرَعَ السُّلْطَانُ، فَإِنْ أَقْرَعَ غَيْرُهُ جَازَ اهـ (تَنْبِيهٌ)
صَوَّرَ الْإِقْرَاعَ الشَّارِحُ كَمَا تَرَى بِمَا إذَا تَشَاجَرُوا وَصَوَّرَهُ الْعِرَاقِيُّ بِمَا إذَا اسْتَوَوْا حَيْثُ شَرَحَهُ بِقَوْلِهِ قُدِّمَ الْأَفْقَهُ ثُمَّ الْأَوْرَعُ ثُمَّ الْأَسَنُّ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي ذَلِكَ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ اهـ وَتَصْوِيرُ الشَّارِحِ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْأَوْلِيَاءُ فِي دَرَجَةٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُزَوِّجَهَا أَفْقَهُهُمْ وَأَسَنُّهُمْ بِرِضَاهُمْ، وَإِنْ تَشَاجَرُوا أُقْرِعَ. اهـ. وَإِذَا أُقْرِعَ عِنْدَ التَّشَاجُرِ مَعَ تَفَاوُتِهِمْ، فَمَعَ تَسَاوِيهِمْ أَوْلَى (قَوْلُهُ: عَيَّنَ الْحَاكِمُ الْأَصْلَحَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَهُوَ عَضْلٌ فَيُزَوِّجُ الْقَاضِي الْأَصْلَحَ مِنْهُمْ قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ «فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» اهـ أَيْ: وَبِتَشَاجُرِهِمْ صَارَتْ كَأَنَّهَا لَا وَلِيَّ لَهَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي حَاصِلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا إذَا رَضِيَتْ الْكُلَّ، فَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْحَاكِمَ يُعَيِّنُ الْأَصْلَحَ وَيَأْذَنُ فِي التَّزْوِيجِ مِنْهُ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي أَنَّهَا يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ بِأَصْلَحِهِمْ، وَهُمْ عَاضِلُونَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَوْ عَيَّنَ الْحَاكِمُ الْأَصْلَحَ وَأَذِنَ فِي التَّزْوِيجِ مِنْهُ فَتَنَازَعُوا فَهُوَ عَضْلٌ فَيُزَوِّجُ الْقَاضِي فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَمَنْ مَعَهُ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ: عَيَّنَ الْحَاكِمُ الْأَصْلَحَ وَأَذِنَ فِي التَّزْوِيجِ مِنْهُ وَمَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْحَاشِيَةِ عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ عَيَّنَ الْحَاكِمُ الْأَصْلَحَ إلَخْ إشَارَةٌ إلَى تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَتَشَاجَرُوا، فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَهُوَ عَضْلٌ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَبِذَلِكَ عُلِمَ إلَخْ) فِي الْعِلْمِ بِذَلِكَ بَحْثٌ لِأَنَّ الصِّحَّةَ مِنْ الْغَيْرِ إنَّمَا تُنَافِي اشْتِرَاطَ التَّقْدِيمِ لَا مُطْلَقَ وُجُوبِهِ فَتَأَمَّلْهُ. فَفِيهِ دِقَّةٌ سم
[حاشية الشربيني]
قَالَتْ زَوِّجُونِي اُشْتُرِطَ اجْتِمَاعُهُمْ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ، وَهَذَا فِي أَوْلِيَاءِ النَّسَبِ، أَمَّا الْمُعْتَقُونَ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهَا لِجَمِيعِ مُعْتَقِيهَا وَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْعَقْدِ بِأَنْ يُوجِبُوا وَيَفْرُغُوا مِنْ الْحَرْفِ الْأَخِيرِ مَعًا أَوْ تَوْكِيلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَيَعْقِدُ الْوَكِيلُ فِي حِصَّتِهِ بِالْوِلَايَةِ وَفِي حِصَّةِ غَيْرِهِ بِالْوَكَالَةِ، وَمِثْل ذَلِكَ يُقَالُ فِي الْعَصَبَةِ الَّتِي لَمْ تَتَعَدَّدْ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ،
أَمَّا الْمُتَعَدِّدَةُ كَذَلِكَ كَابْنَيْنِ لِهَذَا وَأَخَوَيْنِ لِهَذَا، فَالشَّرْطُ فِيهَا أَنْ تَأْذَنَ، وَلَوْ لِوَاحِدٍ مِنْ كُلِّ عَصَبَةٍ وَفِي الْمَأْذُونِ مَا مَرَّ مِنْ الِاجْتِمَاعِ أَوْ التَّوْكِيلِ، هَذَا حَاصِلُ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمَنْهَجِ وَحَوَاشِيهِ فَتَأَمَّلْهُ. كَذَا عَنْ شَيْخِنَا ذ وَقَوْلُهُ: اُشْتُرِطَ اجْتِمَاعُهُمْ بِأَنْ يَقُولُوا زَوَّجْنَاكِ أَمَّا لَوْ قَالَ كُلٌّ: زَوَّجْتُكِ فَلَا يَصِحُّ. اهـ. جَمَلٌ وَقَوْلُهُ: أَمَّا الْمُتَعَدِّدَةُ إلَخْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُعْتَقِينَ ثُمَّ عَصَبَتَهُمْ يَجِبُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي الْعَقْدِ، وَلَوْ بِوَكَالَةٍ، نَعَمْ يَكْفِي وَاحِدٌ مِنْ عَصَبَةِ مَنْ تَعَدَّدَتْ عَصَبَتُهُ مَعَ عَصَبَةِ الْبَاقِي وَكَتَبَ عَلَيْهِ الْبُجَيْرِمِيُّ قَوْلُهُ: مَعَ عَصَبَةِ الْبَاقِي كَأَنْ أَعْتَقَهَا اثْنَانِ وَلِأَحَدِهِمَا إخْوَةٌ، وَلِلْآخَرِ أَخٌ فَقَطْ فَيَكْفِي حُضُورُ وَاحِدٍ مِنْ الْإِخْوَةِ مَعَ هَذَا الْأَخِ. اهـ. شَيْخُنَا وَكَتَبَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: فَيَكْفِي حُضُورُ وَاحِدٍ أَيْ: فِي الصِّحَّةِ، وَإِنْ شُرِطَ فِي حِلِّ الْإِقْدَامِ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْعَقْدِ فَعَصَبَةُ كُلِّ مُعْتَقٍ فِي حِلِّ الْإِقْدَامِ كَالْمُعْتَقِ وَفِي الصِّحَّةِ يَكْفِي بَعْضُهُمْ أَيْ: بَعْضُ عَصَبَةِ مَنْ تَعَدَّدَتْ عَصَبَتُهُ. اهـ وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا إذَا كَانُوا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ التَّشَاجُرِ فَحَرِّرْ. (قَوْلُهُ: زُوِّجَتْ مِمَّنْ رَضِيَتْهُ إلَى قَوْلِهِ وَأَذِنَ فِي التَّزْوِيجِ مِنْهُ) وَالْمُزَوِّجُ لَهَا مِنْهُ مِنْ أَوْلِيَائِهَا مَنْ خَطَبَهَا مِنْهُ هَذَا الَّذِي رَضِيَتْهُ أَوْ هَذَا الَّذِي هُوَ أَصْلَحُ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَوْلِيَائِهَا لِتَعَيُّنِهِ بِتَوْجِيهِ خِطْبَةِ الَّذِي رَضِيَتْهُ أَوْ الَّذِي هُوَ أَصْلَحُ إلَيْهِ. اهـ. جَمَلٌ. (قَوْلُهُ: خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ) لَكِنْ يُكْرَهُ إنْ كَانَ الْقَارِعُ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ، وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ فِي الْأَوَّلِ جَرَيَانُ وَجْهٍ بِالْبُطْلَانِ وَلَا يُنَافِي هَذَا وُجُوبَ ` الْقُرْعَةِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ قَطْعُ النِّزَاعِ كَذَا فِي التُّحْفَةِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ: مُقْتَضَى وُجُوبِ الْإِقْرَاعِ امْتِنَاعُ الِاسْتِقْلَالِ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ قَطْعِ النِّزَاعِ وَلَا امْتِنَاعَ مِنْ حَيْثُ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا كُرِهَ بَعْدَ اقْتِرَاعِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لِجَرَيَانِ قَوْلٍ حِينَئِذٍ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: اُشْتُرِطَ اجْتِمَاعُهُمْ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute