النِّكَاحِ أَيْضًا عَقْدُ الْوَلِيِّ أَوْ وَكِيلِهِ (دُونَ مَأْمُورٍ) أَيْ: بِدُونِ مَا أَمَرَتْ بِهِ الْمُحْتَاجَ فِي نِكَاحِهَا إلَى إذْنِهَا لِلْمُخَالَفَةِ، كَمَا فِي نِكَاحِهَا لِغَيْرِ مَنْ عَيَّنَتْهُ (وَ) دُونَ (مَهْرِ الْمِثْلِ إنْ تَطْلُقْ) أَيْ: الْإِذْنَ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ مَحْمُولٌ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَقَدْ نَقَصَ عَنْهُ كَذَا صَحَّحَهُ فِيهِمَا الْمُحَرَّرُ وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ الْمِنْهَاجُ فَصَحَّحَ فِيهِمَا الصِّحَّةَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ لِلصَّدَاقِ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الثَّانِيَةِ وَنَقَلَهُ فِي الْأُولَى عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَمُقَابِلُهُ عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَلَوْ أَطْلَقَ، كَمَا أَطْلَقَتْ صَحَّ النِّكَاحُ عَلَى الْأَصَحِّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ مُطَابِقٌ لِلْإِذْنِ؛ وَلِأَنَّ الْمُطْلَقَ إذَا اقْتَضَى مَهْرَ الْمِثْلِ كَانَ إطْلَاقُ الْعَقْدِ كَذِكْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلْوَكِيلِ: زَوِّجْهَا بِأَلْفٍ وَجَارِيَةٍ فَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ لَمْ يَصِحَّ جَارٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (كَأَنْ يُزَوِّجَ) السَّيِّدُ (الْحُرَّةَ مِنْ عَبْدٍ لَهُ بِالْعَبْدِ) فَإِنَّهُ فَاسِدٌ لِاقْتِرَانِهِ بِمَا يُنَافِيهِ وَهُوَ مِلْكُ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا، وَخَرَجَ بِالْحُرَّةِ الْأَمَةُ؛ إذْ الْمَهْرُ لِسَيِّدِهَا، كَمَا مَرَّ وَفِي مَعْنَى الْحُرَّةِ الْمُكَاتَبَةُ كِتَابَةً صَحِيحَةً.
(أَوْ أَنْ يَجْعَلْنَ بُضْعًا) لِامْرَأَةٍ (صَدَاقًا) لِأُخْرَى وَهُوَ نِكَاحُ الشِّغَارِ فَيَفْسُدُ النِّكَاحَانِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ وَهُوَ: أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ» وَهَذَا التَّفْسِيرُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا، وَأَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ، وَالْمَعْنَى فِي الْفَسَادِ بِهِ التَّشْرِيكُ فِي الْبُضْعِ حَيْثُ جُعِلَ مَوْرِدًا لِلنِّكَاحِ وَصَدَاقًا لِلْأُخْرَى فَأَشْبَهَ تَزْوِيجَ وَاحِدَةٍ مِنْ اثْنَيْنِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَسُمِّيَ شِغَارًا: إمَّا مِنْ قَوْلِهِمْ: شَغَرَ الْبَلَدُ عَنْ السُّلْطَانِ إذَا خَلَا عَنْهُ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْمَهْرِ وَقِيلَ لِخُلُوِّهِ عَنْ بَعْضِ الشَّرَائِطِ، وَإِمَّا مِنْ قَوْلِهِمْ: شَغَرَ الْكَلْبُ إذَا رَفَعَ رِجْلَهُ لِيَبُولَ كَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقُولُ لِلْآخَرِ: لَا تَرْفَعُ رِجْلَ ابْنَتَيْ حَتَّى أَرْفَعَ رِجْلَ ابْنَتَك، وَسَوَاءٌ ذَكَرَ مَعَ ذَلِكَ مَهْرًا آخَرَ أَمْ لَا، كَقَوْلِهِ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي أَوْ أَمَتِي بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ أَوْ أَمَتَكَ بِأَلْفٍ، وَبُضْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا صَدَاقُ الْأُخْرَى أَوْ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي أَوْ أَمَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ أَوْ أَمَتَكَ وَبُضْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا صَدَاقُ الْأُخْرَى فَيَقُولُ الْخَاطِبُ: تَزَوَّجْتُ بِنْتَكَ أَوْ أَمَتَكَ وَزَوَّجْتُكَ بِنْتِي أَوْ أَمَتِي عَلَى مَا ذَكَرْتَ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ الْبُضْعُ صَدَاقًا صَحَّ النِّكَاحَانِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إلَّا شَرْطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ وَهُوَ لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ، فَلَوْ جَعَلَهُ صَدَاقًا فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَقَطْ بَطَلَ نِكَاحُ الَّتِي جَعَلَ بُضْعَهَا صَدَاقًا، فَلَوْ قَالَ لَهُ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ وَبُضْعُ بِنْتِكَ صَدَاقٌ لِبِنْتِي فَقَبِلَ بَطَلَ نِكَاحُ بِنْتِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ بُضْعَهَا صَدَاقًا لِبِنْتِ الْأَوَّلِ.
(فَرْعٌ)
لَوْ قَالَ طَلَّقْتُ زَوْجَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ وَبُضْعُ زَوْجَتِي صَدَاقٌ لَهَا، فَزَوَّجَهُ بِنْتَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ وَجْهَانِ أَفْقَهُهُمَا فِي الرَّوْضَةِ صِحَّتُهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ.
(وَلْيَجِبْ مَهْرُ الْعَلَنْ) فِيمَا إذَا اتَّفَقُوا سِرًّا عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ أَعْلَنُوا أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِهِ لَوْ عَقَدُوا سِرًّا بِشَيْءٍ ثُمَّ أَعْلَنُوا أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ فَالْوَاجِبُ مَهْرُ السِّرِّ فَالْمَدَارُ عَلَى مَا عُقِدَ بِهِ الْعَقْدُ، وَعَلَى هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ حُمِلَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي مَوْضِعٍ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ مَهْرُ السِّرِّ وَفِي آخَرَ عَلَى أَنَّهُ مَهْرُ الْعَلَنِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ تَفْوِيضَ الْمَرْأَةِ نَوْعَانِ: تَفْوِيضُ مَهْرٍ كَقَوْلِهَا: زَوِّجْنِي بِمَا شِئْتَ أَوْ شَاءَهُ الْخَاطِبُ أَوْ فُلَانٌ، وَقَدْ مَرَّ فِي قَوْلِهِ: أَوْ بِمَا شِئْتَ، وَتَفْوِيضُ بُضْعٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَأَنْ يُزَوِّجْ) سَيِّدٌ (أَمَةً) لَهُ (مِنْ غَيْرِ مَا صَدَاقٍ) بِأَنْ نَفَاهُ (أَوْ بِالْمَهْرِ مَا تَكَلَّمَا) بِأَنْ سَكَتَ عَنْهُ (أَوْ قَالَتْ) الْحُرَّةُ (الرَّشِيدُ) مُرَخَّمُ " الرَّشِيدَةُ " لِلْوَزْنِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا لِوَلِيِّهَا (زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ) أَوْ
ــ
[حاشية العبادي]
أَوْ مُسَاعَدَتِهِ لَهَا نَظَرًا هَذَا مَنْعٌ لَا يَضُرُّ فِي مُسَاعِدَتِهِ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالِابْتِدَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ اقْتِضَائِهَا الصِّحَّةَ أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ اقْتِضَائِهَا الصِّحَّةَ فَتَأَمَّلْهُ.
(قَوْلُهُ: أَيْ: بِدُونِ مَا) أَيْ: الصَّدَاقُ الَّذِي أُمِرَتْ بِهِ فَصَحَّحَ فِيهِمَا الصِّحَّةَ ظَاهِرُهُ فِي الْأُولَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الصِّحَّةِ بَيْنَ كَوْنِ مَأْمُورِهَا فَوْقَ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمِثْلِهِ وَدُونَهُ (قَوْلُهُ: كَأَنْ يُزَوِّجَ الْحُرَّةَ إلَخْ) بَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ صِحَّةَ النِّكَاحِ وَالصَّدَاقِ، ثُمَّ يُفْسَخُ وَيَكُونُ فَائِدَتُهُ فِي التَّعَالِيقِ وَنَحْوِهَا قَالَ: قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ قَالَ: إنْ بِعْتُكَ فَأَنْت حُرٌّ وَإِنْ رَاجَعْتُكِ فَأَنْت طَالِقٌ بِرّ (قَوْلُهُ: الْمُكَاتَبَةُ) يَنْبَغِي وَالْمُبَعِّضَةُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ أَنْ يَجْعَلْنَ بُضْعًا صَدَاقًا لِأُخْرَى) أَيْ: يَكُونَ الْجُعْلُ فِي الْجَانِبَيْنِ بِدَلِيلٍ فَيَفْسُدُ النِّكَاحَانِ مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي فَلَوْ جَعَلَهُ صَدَاقًا فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَقَطْ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَأَشْبَهَ تَزْوِيجَ وَاحِدَةٍ مِنْ اثْنَيْنِ) أَيْ: مِنْ حَيْثُ مُطْلَقُ الِاشْتِرَاكِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِرّ.
(قَوْلُهُ: أَفْقَهُهُمَا فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَوَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ قَالَ ابْنُ كَجٍّ: وَكَانَ ابْنُ الْقَطَّانِ يَقُولُ: لَا رَجْعَةَ لِلْمُطَلِّقِ وَلَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُزَوِّجِ، ثُمَّ قَالَ (فَرْعٌ)
لَوْ قَالَ لَهُ: طَلِّقْ امْرَأَتَكَ عَلَى أَنْ أُطَلِّقَ امْرَأَتِي، وَجَعَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا طَلَاقَ هَذِهِ بَدَلًا عَنْ طَلَاقِ الْأُخْرَى قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: يَقَعُ الطَّلَاقَانِ إذَا فَعَلَاهُ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرَّجْعَةُ وَعِنْدِي لَا رَجْعَةَ لِوَاحِدٍ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ عَلَى الْآخَرِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَيْ: لِيُوَافِقَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ خُلْعٌ فَاسِدٌ وَقَدْ يُوَجَّهُ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ بِأَنَّهُ خُلْعٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ عِوَضَهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ كَالدَّمِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ بِالْمَهْرِ مَا تَكَلَّمَا) مِنْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي فِي الشَّرْحِ مَا إذَا طَلُقَتْ فَلَيْسَ بِتَفْوِيضٍ يُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَ إطْلَاقِهَا وَإِطْلَاقِ السَّيِّدِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ لَهَا مَنْ يَقُومُ مَقَامَهَا وَهُوَ الْوَلِيُّ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ مَا صَدَاقٍ) بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَ السَّيِّدُ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ، أَوْ غَيْرَ نَقْدِ الْبَلَدِ مَثَلًا فَلَيْسَ تَفْوِيضًا وَيَقَعُ الْعَقْدُ بِمَا سَمَّاهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ. اهـ. ق ل بِزِيَادَةِ التَّعْلِيلِ