لِأَنَّهُ كَالْوَطْءِ فِي تَقْرِيرِ الْمُسَمَّى فَكَذَا فِي إيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي التَّفْوِيضِ؛ «وَلِأَنَّ بِرْوَعَ بِنْتَ وَاشِقٍ نُكِحَتْ بِلَا مَهْرٍ، فَمَاتَ زَوْجُهَا قَبْل أَنْ يَفْرِضَ لَهَا فَقَضَى لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَهْرِ نِسَائِهَا وَبِالْمِيرَاثِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا قِيلَ فِي إسْنَادِهِ وَلَوْ زَوَّجَهَا بِإِذْنِهَا عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ فِي الْحَالِ وَلَا عِنْدَ الدُّخُولِ وَلَا غَيْرِهِ صَحَّ النِّكَاحُ، وَهَلْ هُوَ تَفْوِيضٌ فَاسِدٌ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ لِلْمَهْرِ، أَوْ يُلْغِي النَّفْيَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَكُونُ تَفْوِيضًا صَحِيحًا، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ النَّاظِمِ وَجْهَانِ وَبِالْأَوَّلِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، وَبِالثَّانِي قَالَ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ كَثِيرٍ، وَوَجَّهَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ إنَّمَا يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ حَيْثُ ذَكَرَ مُسَمًّى دُونَ مَا إذَا فَوَّضَ بِزِيَادَةِ النَّفْيِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ أَنَّهُ لَوْ نَكَحَهَا عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ وَلَا نَفَقَةَ كَانَ أَبْلَغَ فِي التَّفْوِيضِ، مَعَ أَنَّ عَدَمَ النَّفَقَةِ يَقْتَضِيَ فَسَادَ الْمُسَمَّى لَوْ كَانَ مَوْجُودًا فَكَمَا لَا يَقْتَضِي هَذَا الْفَسَادَ عِنْدَ التَّفْوِيضِ، فَكَذَا اشْتِرَاطُ نَفْيِ الْمَهْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ نَكَحَهَا فِي الْكُفْرِ مُفَوِّضَةً، ثُمَّ أَسْلَمَا وَاعْتِقَادُهُمْ أَنْ لَا مَهْرَ لِلْمُفَوِّضَةِ بِحَالٍ، ثُمَّ وَطِئَ فَلَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ وَطْئًا بِلَا مَهْرٍ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ لِعَبْدِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا، أَوْ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْوَطْءِ لَا يَجِبُ لَهَا مَهْرٌ لِذَلِكَ وَالتَّقْيِيدُ بِالرَّشِيدَةِ مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ وَكَذَا قَوْلُهُ: (فِي يَوْمِ عَقْدٍ) أَيْ: يُعْتَبَرُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِوَقْتِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِهِ بِالْوَطْءِ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَالشَّرْحُ الصَّغِيرُ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي سِرَايَةِ الْعِتْقِ عَنْ اعْتِبَارِ الْأَكْثَرِينَ لَكِنْ صَحَّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ هُنَا، أَنَّهُ يَجِبُ أَكْثَرُ مَهْرٍ مِنْ الْعَقْدِ إلَى الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ دَخَلَ بِالْعَقْدِ فِي ضَمَانِهِ وَاقْتَرَنَ بِهِ الْإِتْلَافُ فَوَجَبَ الْأَكْثَرُ كَالْمَقْبُوضِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطْءٌ بَلْ مَوْتٌ، أَوْ فَرْضُ حَاكِمٍ، فَالْعِبْرَةُ بِوَقْتِ الْعَقْدِ لِانْتِفَاءِ الْإِتْلَافِ، وَأَمَّا فَرْضُ الزَّوْجِ فَيَحْسِبُ مَا يَتَّفِقُ مَعَ الزَّوْجَةِ عَلَيْهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي.
(وَلَهَا) أَيْ: الْمُفَوِّضَةِ (أَنْ تَطْلُبَا مِنْ زَوْجِهَا الْفَرْضَ) لِمَهْرِهَا لِتَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا (وَ) لَهَا (حَبْسُ النَّفْسِ) عَنْهُ (لَهُ) أَيْ: لِلْغَرَضِ (وَلِلتَّسْلِيمِ) لِلْمَفْرُوضِ بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ (قَبْلَ الْمَسِّ) أَيْ: الدُّخُولِ كَالْمُسَمَّى ابْتِدَاءً فَإِنْ قُلْتَ هَلَّا كَانَ رِضَاهَا بِعَدَمِ الْمَهْرِ كَرِضَاهَا بِهِ مُؤَجَّلًا قُلْنَا: الْمُؤَجَّلُ لَهُ أَمَدٌ يُنْتَظَرُ بِخِلَافِ مَا هُنَا هَذَا، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَا حَبْسَ لَهَا بَلْ نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقَالَ: لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَلَا يَلِيقُ بِهَا الْمُضَايَقَةُ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ (وَلَيْسَ فَرْضُ أَجْنَبِيٍّ) مِنْ مَالِهِ (يَمْضِي) أَيْ: يَصِحُّ وَإِنْ رَضِيَتْ بِهِ الْمُفَوِّضَةُ إذْ الْفَرْضُ تَعْيِينٌ لِمَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَلَا يَلِيقُ بِغَيْرِ الْعَاقِدِ اسْتِقْلَالًا، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِأَدَاءِ الصَّدَاقِ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ نَعَمْ إنْ أَذِنَ لَهُ الزَّوْجُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَبِالْأَوَّلِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ وَبِالثَّانِي أَيْ: وَهُوَ الْأَوَّلُ هُنَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَصَاحِبَا الْمُهَذَّبِ، وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ: كَمَا فِي سَائِرِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ قَضِيَّةُ إيرَادِ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فَهُوَ الْمَذْهَبُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْعِبْرَةُ بِوَقْتِ الْعَقْدِ) وَقِيلَ: بِالْأَكْثَرِ أَيْضًا وَقِيلَ: بِيَوْمِ الْمَوْتِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ أَكْثَرُ مَا كَانَ مِنْ الْعَقْدِ إلَى الْوَطْءِ وَكَذَا فِي الْمَوْتِ فِي وَجْهٍ وَيَوْمَ الْعَقْدِ فِي وَجْهٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ: هَذَا وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَا حَبْسَ) صَنِيعُهُ، كَمَا تَرَى يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ فِي الْحَبْسِ لِلْفَرْضِ وَفِي الْحَبْسِ لِلتَّسْلِيمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ خَاصٌّ بِالثَّانِي كَمَا يُفْهِمُهُ آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ الْمَذْكُورِ وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ: وَلَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا لِيَفْرِضَ وَكَذَا التَّسْلِيمُ الْمَفْرُوضُ فِي الْأَصَحِّ. اهـ. وَصَرَّحَ شَارِحُوهُ بِأَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ فِي الشِّقِّ الثَّانِي بِرّ
ــ
[حاشية الشربيني]
إلَخْ) مُعْتَمَدٌ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ) قُدِّمَ الْقِيَاسُ عَلَى النَّصِّ لِاحْتِمَالِ الْخُصُوصِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَفْيُ الْوَطْءِ أَيْضًا. اهـ. ق ل. (قَوْلُهُ: بِرْوَعَ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَمَا قِيلَ: إنَّهُ يُكْسَرُ أَيْضًا مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ مَكْسُورًا بِهَذِهِ الزِّنَةِ إلَّا خِرْوَعٌ وَعِتْوَدٌ، الْأَوَّلُ اسْمُ نَبْتٍ وَالثَّانِي اسْمُ مَكَان. اهـ. ق ل وَقَالَ غَيْرُهُ: جَاءَ عِتْوَرٌ اسْمٌ لِوَادٍ خشن ودرود اسْمٌ لِجَبَلٍ وَفِي الْقَامُوسِ بِرْوَعَ بِالْفَتْحِ وَلَا يُكْسَرُ. (قَوْلُهُ: أَبُو إِسْحَاقَ) أَيْ الْإسْفَرايِينِيّ وَمَا قَالَهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَوْ نَكَحَهَا إلَخْ) أَيْ وَهُمَا حَرْبِيَّانِ أَمَّا الذِّمِّيَّانِ فَيَحْكُمُ لَهُمَا بِحُكْمِنَا. اهـ. سم وَزي عَنْ م ر. (قَوْلُهُ: بِوَقْتِ الْعَقْدِ) أَيْ مِنْ نَقْدِ بَلَدِ الْفَرْضِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَوْ كَانَ الْفَرْضُ بِغَيْرِ بَلَدِ الزَّوْجَةِ كَأَنْ بَعَثَتْ وَكِيلًا لِلْفَرْضِ بِغَيْرِ بَلَدِهَا. اهـ. م ر مَعَ إيضَاحٍ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ صَحَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِلتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ شَرْحُ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ. (قَوْلُهُ: فَالْعِبْرَةُ بِوَقْتِ الْعَقْدِ) الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ م ر وُجُوبُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْعَقْدِ إلَى الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ دَخَلَ بِالْعَقْدِ فِي ضَمَانِهِ وَاقْتَرَنَ بِالْمُقَرَّرِ وَهُوَ الْمَوْتُ.
(قَوْلُهُ: وَلَهَا حَبْسُ النَّفْسِ) أَيْ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وَهُوَ الْعَقْدُ قَدْ وُجِدَ فَانْدَفَعَ أَنَّهُ حَبْسٌ لِمَا لَمْ يَجِبْ ق ل وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ بِالْفَرْضِ وَهَذَا لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِ الطَّلَبِ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ لَهَا حَقًّا وَهُوَ أَنْ تَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ. اهـ. ثُمَّ رَأَيْت فِي خ ط عَلَى الْمِنْهَاجِ أَنَّ الْعَقْدَ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ الْمَهْرَ، لَكِنْ أَوْجَبَ لَهَا الْمُطَالَبَةَ بِأَنْ يَفْرِضَ لَهَا. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فَرْضُ أَجْنَبِيٍّ يَمْضِي) أَيْ: لَا يَلْزَمُهُمَا الرِّضَا بِهِ فَلَوْ رَضِيَا بِهِ صَحَّ. اهـ. بج. (قَوْلُهُ: أَجْنَبِيٍّ) وَهُوَ مَنْ لَيْسَ وَكِيلًا عَنْ