لِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَرَادَ الْقَسْمَ نَعَمْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْأَقْوَى الْمُخْتَارُ وُجُوبُهُ مُطْلَقًا لِخَبَرِ أَنَسٍ وَيُسْتَحَبُّ تَخْيِيرُ الثَّيِّبِ بَيْنَ ثَلَاثٍ بِلَا قَضَاءٍ وَسَبْعٍ بِقَضَاءٍ، كَمَا «فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حَيْثُ قَالَ لَهَا: إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ عِنْدَكَ وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ عِنْدَكِ وَدُرْتُ» أَيْ: بِالْقَسْمِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا لَقَالَ: وَثَلَّثْتُ عِنْدَهُنَّ رَوَاهُ مَالِكٌ وَكَذَا مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ.
(وَإِنْ يُسَبِّعْ) لِلثَّيِّبِ (وَالْتِمَاسُهَا) لِلسَّبْعِ (بَدَا) أَيْ: ظَهَرَ (قَضَى) جَمِيعَ السَّبْعِ (لِغَيْرِهَا) ؛ لِأَنَّهَا طَمِعَتْ فِي الْحَقِّ الْمَشْرُوعِ لِغَيْرِهَا فَبَطَلَ حَقُّهَا، وَشَبَّهَهُ فِي التَّتِمَّةِ بِبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ سَبَّعَ لَهَا بِغَيْرِ الْتِمَاسِهَا لِلسَّبْعِ بِأَنْ لَمْ تَلْتَمِسْ شَيْئًا، أَوْ الْتَمَسَتْ مَا دُونَ السَّبْعِ قَضَى لِغَيْرِهَا (الزَّائِدَا) عَلَى الثَّلَاثِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَطْمَعْ فِي الْحَقِّ الْمَشْرُوعِ لِغَيْرِهَا، وَلَوْ الْتَمَسَتْ الْبِكْرُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهَا كَأَنْ الْتَمَسَتْ عَشْرًا لَمْ يَجُزْ إجَابَتُهَا فَإِنْ أَجَابَهَا لَمْ يَقْضِ إلَّا مَا زَادَ عَلَى السَّبْعِ.
قَالَ الشَّيْخَانِ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْطَعَهُ حَقُّ الزِّفَافِ عَنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ كَالْجَمَاعَةِ وَالْعِيَادَةِ وَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ نَهَارًا، أَمَّا لَيْلًا فَيُمْتَنَعُ الْخُرُوجُ لِذَلِكَ تَقْدِيمًا لِلْوَاجِبِ، وَفِي دَوَامِ الْقَسْمِ تَجِبُ التَّسْوِيَةُ فِي الْخُرُوجِ لِأَعْمَالِ الْبِرِّ وَعَدَمِهِ بِأَنْ يَخْرُجَ فِي لَيْلَةِ الْجَمِيعِ، أَوْ لَا يَخْرُجُ أَصْلًا، فَلَوْ خَرَجَ فِي لَيْلَةِ بَعْضِهِنَّ فَقَطْ حَرُمَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا ذَكَرَاهُ فِي اللَّيْلِ طَرِيقَةٌ شَاذَّةٌ لِبَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَضِيَّةُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامُ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي اسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ لِمَا ذُكِرَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ الْمَرَاوِزَةِ الْجُوَيْنِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي خُلَاصَتِهِ نَعَمْ الْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِزِيَادَةِ الْإِقَامَةِ فِي مُدَّةِ الزِّفَافِ عَلَى أَيَّامِ الْقَسْمِ فَيُرَاعَى ذَلِكَ، وَقَوْلُهُمْ: الْإِقَامَةُ لَيْلًا وَاجِبَةٌ فَلَا تُتْرَكُ لِلْمَنْدُوبِ، جَوَابُهُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ لَا عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْرُجُ لَيْلًا وَكَانَ يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهَا» وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ لَيَالِيِ الزِّفَافِ وَغَيْرِهَا، وَلَا أَحْفَظُ عَنْهُمْ أَمْرًا بِمُلَازَمَةِ الْعَرُوسِ تِلْكَ اللَّيَالِيِ.
(فَرْعٌ)
مِنْ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ نِسْوَةٌ فَزُفِّتَ الْجَدِيدَةُ بَعْدَمَا سَوَّى بَيْنَهُنَّ، فَيُوَفِّيهَا حَقَّهَا، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْقَسْمُ بَيْنَ الْجَمْعِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ زَوْجَتَانِ فَزُفِّتَ الْجَدِيدَةُ بَعْدَمَا قَسَمَ لِإِحْدَاهُمَا اللَّيْلَةَ، وَفِي حَقِّ الزِّفَافِ ثُمَّ يَقْسِمُ لِلْقَدِيمَةِ الْأُخْرَى لَيْلَةً وَيَبِيتُ عِنْدَ الْجَدِيدَةِ نِصْفَ لَيْلَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ ثُلُثَ الْقَسْمِ، ثُمَّ يَخْرُجُ بَقِيَّةَ اللَّيْلَةِ إلَى مَسْجِدٍ، أَوْ نَحْوِهِ، ثُمَّ
ــ
[حاشية العبادي]
الْجَدِيدَةِ لَمْ يَجِبْ الْمَبِيتُ عِنْدَ الْجَدِيدَةِ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ أَنَسٍ) لَكِنْ رَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ فِي مُسْلِمٍ طُرُقًا فِيهَا الصَّرَاحَةُ بِمَا إذَا كَانَتْ عِنْدَهُ زَوْجَةٌ، أَوْ أَكْثَرُ غَيْرَ الَّتِي زُفَّتْ إلَيْهِ فَتَكُونُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمُطْلَقَةُ مُقَيَّدَةً بِتِلْكَ الرِّوَايَاتِ شَرْحٌ رَوْضٌ. .
(قَوْلُهُ: وَشَبَهُهُ فِي التَّتِمَّةِ إلَخْ) أَيْ: حَيْثُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ وَلَا يَصِحُّ فِي دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ وَيَبْطُلُ الزَّائِدُ. (قَوْلُهُ: مَا دُونَ السَّبْعِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ فَوْقَ الثَّلَاثِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَقْضِ إلَّا مَا زَادَ) لِأَنَّهَا لَمْ تَطْمَعْ فِي حَقٍّ مَشْرُوعٍ لِغَيْرِهَا إذْ الْعَشْرُ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ لِأَحَدٍ بِخِلَافِ الْتِمَاسِ الثَّيِّبِ السَّبْعَ؛ لِأَنَّ السَّبْعَ مَشْرُوعَةٌ لِلْبِكْرِ. (قَوْلُهُ: حَرُمَ) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُكْمِ الْقَضَاءِ وَيُتَّجَهُ وُجُوبُهُ إنْ طَالَ زَمَنُ الْخُرُوجِ. (قَوْلُهُ: كَأَنْ يَخْرُجَ لَيْلًا) لَعَلَّهُ كَانَ بِرِضَاهُنَّ وَهِيَ وَقَائِعُ أَحْوَالٍ فَعَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ يَقْسِمُ لِلْقَدِيمَةِ الْأُخْرَى لَيْلَةً إلَخْ) وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ بِعُرُوضِ الْجَدِيدَةِ صَارَ الْقَسْمُ أَثْلَاثًا، وَصَارَتْ اللَّيْلَةُ الْأُولَى مُسْتَحَقَّةً بَيْنَ الْقَدِيمَتَيْنِ نِصْفُهَا حَقٌّ لِلْأُولَى وَنِصْفُهَا حَقٌّ لِلثَّانِيَةِ، فَكَانَتْ نَوْبَةُ الْأُولَى الَّتِي هِيَ حَقُّهَا نِصْفَ لَيْلَةٍ، فَيَكُونُ لِكُلٍّ مِنْ الْجَدِيدَةِ، وَالْأُخْرَى نِصْفُ لَيْلَةٍ فَيَبِيتُ عِنْدَ الْقَدِيمَةِ الْأُخْرَى لَيْلَةً نِصْفُهَا بِمُقْتَضَى حَقِّ الْقَسْمِ وَنِصْفُهَا عَنْ قَضَاءِ النِّصْفِ الَّذِي أَخَذَتْهُ ضَرَّتُهَا الْأُولَى مِنْ حَقِّهَا، ثُمَّ يَبِيتُ عِنْدَ الْجَدِيدَةِ نِصْفَ لَيْلَةٍ بِمُقْتَضَى حَقِّ الْقَسْمِ الَّذِي هُوَ أَثْلَاثٌ، كَمَا تَقَرَّرَ هَذَا مَا ظَهَرَ فِي إيضَاحِ الْحُكْمِ وَتَوْجِيهُهُ، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي آخِرِ الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ مَا يَسُوغُ لِلْبَاحِثِ أَنْ يَقُولَ يَنْبَغِي بَعْدَ وَفَاءِ حَقِّ الزِّفَافِ أَنْ يَقْرَعَ بَيْنَ الْجَدِيدَةِ، وَالْقَدِيمَةِ الْأُخْرَى فَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِلْقَدِيمَةِ فَعَلَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ، أَوْ لِلْجَدِيدَةِ بَاتَ عِنْدَهَا نِصْفَ لَيْلَةٍ ثُمَّ يَخْرُجُ لِنَحْوِ مَسْجِدٍ ثُمَّ يَبِيتُ عِنْدَ الْقَدِيمَةِ لَيْلَةً ثُمَّ يَقْسِمُ بِقُرْعَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِذَا نَظَرَتْ لِقَوْلِ الشَّارِحِ، ثُمَّ يَقْسِمُ دُونَ " يَبِيت "، عَلِمْت أَنَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى مَا قُلْنَاهُ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَقَوْلُهُ: لَكِنْ سَيَأْتِي إلَخْ كَأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْ نُوَبِ أَيَّةِ مَنْ كَانَتْ لِظُلْمِهِ سَبَبٌ مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ يَقْسِمُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَظْلُومَةِ بِالْقُرْعَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ ثُلُثَ الْقَسْمِ)
ــ
[حاشية الشربيني]
وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِدُونِ طَلَبِهَا فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: قَالَ الشَّيْخَانِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. اهـ. شَرْقَاوِيٌّ وَقَالَ ق ل: يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ فِي الزِّفَافِ لِجُمُعَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ، أَوْ نَحْوِ عِيَادَةِ مَرِيضٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهَا وَإِذَا رَضِيَتْ لَمْ يَسْقُطُ حَقُّهَا مَا لَمْ تُصَرِّحْ بِإِسْقَاطِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: يَسْتَأْنِفُ الْقَسْمَ إلَخْ) أَيْ بِقُرْعَةٍ، كَمَا يُفِيدُهُ ق ل وَهُوَ فِي الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: وَفِي حَقِّ الزِّفَافِ) لِأَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى بَقِيَّةِ دَوْرٍ مِنْ عِنْدِهِ إنْ لَمْ تَرْضَ بِتَأْخِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا. اهـ. ق ل.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ ثُلُثَ الْقَسْمِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهُوَ فِي لَيْلَةٍ وَنِصْفٍ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَدِيدَةِ كَالْمُسْتَأْنَفَةِ لِتِلْكَ