وَبِهِ أَفْتَى السُّبْكِيُّ فِي قَوْلِهِ لَهَا: إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ مَهْرِكِ فَأَنْت طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي هَذِهِ: لَا طَلَاقَ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ لَمْ يُوجَدْ قَالَ: وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْخُوَارِزْمِيَّ وَلَهُ أَعْنِي الْبُلْقِينِيَّ فِي صُورَةِ الْإِعْطَاءِ احْتِمَالَانِ أَرْجَحُهُمَا أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِالْإِعْطَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ وَلَيْسَتْ كَالْأَمَةِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ يَلْزَمُهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِخِلَافِ السَّفِيهَةِ، وَالثَّانِي أَنْ يَنْسَلِخَ الْإِعْطَاءُ عَنْ مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ التَّمْلِيكُ إلَى مَعْنَى الْإِقْبَاضِ فَتَطْلُقُ رَجْعِيًّا. اهـ.
وَهَذَا، أَوْجَهُ تَنْزِيلًا لِإِعْطَائِهَا مَنْزِلَةَ قَبُولِهَا، وَالْهَاءُ فِي عَرُوضِ الْبَيْتِ وَضَرْبِهِ سَاكِنَةٌ فَفِيهِمَا تَذْيِيلٌ، وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَ هَذَا الْبَيْتِ " لَا أَنَّ تَعَلُّقَهُ وَشَرْطٌ فِيهِ أَهْلُ الْتِزَامٍ، وَمِنْ السَّفِيهِ " بِتَحْرِيكِ الْهَاءِ فَلَا تَذْيِيلَ.
(وَ) الْخُلْعُ (بِدَمٍ) رَجْعِيٍّ؛ لِأَنَّ الدَّمَ لَا يُقْصَدُ بِحَالٍ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَطْمَعْ فِي شَيْءٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ فَإِنَّ الدَّمَ قَدْ يُقْصَدُ لِأَغْرَاضٍ وَقَضِيَّتُهُ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَيَكُونُ ذِكْرُ الدَّمِ كَالسُّكُوتِ عَنْ الْمَهْرِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذِكْرَهُ مَا لَا يُقْصَدُ صَارِفٌ لِلَّفْظِ عَنْ اقْتِضَائِهِ الْعِوَضَ بِخِلَافِ السُّكُوتِ عَنْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَائِلَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّمَ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَالرَّافِعِيُّ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ، نَعَمْ أَجَابَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الدَّمَ، وَإِنْ قُصِدَ فَإِنَّمَا يُقْصَدُ لِأَغْرَاضٍ تَافِهَةٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْمَيْتَةُ قَدْ تَقْصِدُهُ لِإِطْعَامِ الْجَوَارِحِ وَلِلضَّرُورَةِ فَتَلْحَقُ بِالْخَمْرِ لَا بِالدَّمِ.
(وَشَرْطِ) أَيْ: وَالْخُلْعُ بِشَرْطِ (إعْطَاء الْحُرِّ) كَقَوْلِهِ: إنْ أَعْطَيْتِنِي هَذَا الْحُرَّ، أَوْ حُرًّا فَأَنْت طَالِقٌ فَتُعْطِيهِ رَجْعِيٌّ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يُمْلَكُ، فَالزَّوْجُ لَمْ يَطْمَعْ فِي شَيْءٍ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ تَبَعًا لِاخْتِيَارِ الْإِمَامِ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ أَنَّهُ بَائِنٌ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْخُلْعِ بِمَغْصُوبٍ (وَ) الْخُلْعُ بِشَرْطٍ (رَجْعَةٍ) كَخَالَعْتُكِ بِدِينَارٍ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْكِ الرَّجْعَةَ رَجْعِيٌّ لِتَنَافِي شَرْطَيْ الْمَالِ وَالرَّجْعَةِ فَيَتَسَاقَطَانِ وَيَبْقَى أَصْلُ الطَّلَاقِ وَقَضِيَّتُهُ ثُبُوتُ الرَّجْعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ خَالَعَهَا بِدِينَارٍ عَلَى أَنَّهُ مَتَى شَاءَ رَدَّهُ، وَلَهُ الرَّجْعَةُ يَقَعُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِرِضَاهُ بِسُقُوطِهَا هُنَا وَمَتَى سَقَطَتْ لَا تَعُودُ.
(وَمِنْ أَبِيهَا يَجْرِي وَلَا نِيَابَةً وَلَا اسْتِقْلَالَا أَبْدَى بِمَا مِنْ مَالِ بِنْتِي قَالَا) بِأَلْفِ الْإِطْلَاقِ أَيْ: وَالْخُلْعُ الْجَارِي مِنْ أَبِيهَا بِشَيْءٍ قَالَ: إنَّهُ مِنْ مَالِهَا، وَلَا أَظْهَرُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ نِيَابَةً عَنْهَا، وَلَا اسْتِقْلَالًا رَجْعِيٌّ كَخُلْعِ السَّفِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ وَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِلْقَبُولِ، لَكِنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهَا كَالسَّفِيهِ وَهِيَ لَمْ تَلْتَزِمْ مَالًا فَلَا يُمْكِنُ مُطَالَبَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالزَّوْجُ مُسْتَقِلٌّ بِالطَّلَاقِ فَيَقَعُ رَجْعِيًّا وَهَذَا التَّوْجِيهُ مَوْجُودٌ فِي اخْتِلَاعِهَا بِمَغْصُوبٍ وَلِهَذَا خَرَّجَ الْقَاضِي هُنَا وَجْهًا أَنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الزَّوْجَةَ تَبْذُلُ الْمَالَ لِيُصَيِّرَ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ لَهَا وَالزَّوْجُ لَمْ يَبْذُلْ الْمِلْكَ لَهَا مَجَّانًا فَلَزِمَهَا الْمَالُ وَالْأَبُ مُتَبَرِّعٌ بِمَا يَبْذُلُهُ، لَا تَحْصُلُ لَهُ فِيهِ فَائِدَةٌ فَإِذَا أَضَافَ إلَى مَالِهَا فَقَدْ صَرَّحَ بِتَرْكِ التَّبَرُّعِ، وَبَنَى الْبَغَوِيّ عَلَى الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ خَالَعَ الْأَجْنَبِيُّ بِمَغْصُوبٍ، أَوْ غَيْرِ مَالٍ وَقَعَ رَجْعِيًّا، كَمَا قَدَّمْتُهُ، فَإِنْ أَبْدَى نِيَابَةً لَمْ تَطْلُقْ، كَمَا سَيَأْتِي، أَوْ اسْتِقْلَالًا بَانَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَيْهِ، كَمَا مَرَّ.
وَكَذَا لَوْ
ــ
[حاشية العبادي]
الزَّوْجَةِ لِلِالْتِزَامِ، أَوْجَبْنَا مَهْرَ الْمِثْلِ فَتَأَمَّلْ سم. (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي أَنْ يُفْسَخَ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: قِيَاسُ هَذَا أَنْ يَنْسَلِخَ الْإِبْرَاءُ عَنْ مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ جَعْلُ الذِّمَّةِ بَرِيئَةً، إلَى مَعْنَى الْإِتْيَانِ بِالصِّيغَةِ، وَهَذَا يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ السُّبْكِيّ فِي الْإِبْرَاءِ.
(قَوْلُهُ: كَخَالَعْتُكِ بِدِينَارٍ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْكِ الرَّجْعَةَ) مِثْلُهُ: إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ صَدَاقِكِ، فَأَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، كَمَا أَفْتَى بِهِ جَمْعٌ أَخْذًا مِنْ فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ، وَأَجْرَوْا فِيهِ التَّوْجِيهَ الْمَذْكُورَ بِقَوْلِهِ: لِتَنَافِي إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَاهُ بُطْلَانُ الْبَرَاءَةِ) لِقَوْلِهِمْ: فَلْيَتَسَاقَطَا، وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ، كَمَا بَيَّنَّا بِهَامِشِ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلشِّهَابِ فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ: بِمَغْصُوبٍ) بِأَنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْوَصْفِ. (قَوْلُهُ: أَوْ اسْتِقْلَالًا بَانَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَيْهِ) قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْمُرَادُ بِتَصْرِيحِهِ بِالِاسْتِقْلَالِ أَنْ يَقُولَ: اخْتَلَعْتُ لِنَفْسِي، أَوْ عَنْ نَفْسِي. اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ صَرِيحَ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْأَبَ إذَا قَالَ: خَالَعْتُكِ عَلَى عَبْدِهَا هَذَا لِنَفْسِي، أَوْ عَنْ نَفْسِي وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَبِكَوْنِ ذَلِكَ نَظِيرَ مَا لَوْ قَالَ: خَالَعْتُكِ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ صَدَاقِهَا وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ، قَالَ شَيْخُنَا الْبُرُلُّسِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ قَالَ: لَكِنْ رُبَّمَا يَلْزَمُ هَذَا أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إذَا قَالَ: خَالَعْتُكِ عَلَى عَبْدِهَا هَذَا عَنْ نَفْسِي، أَوْ لِنَفْسِي يَكُونُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِتَصْرِيحِهِ بِالِاسْتِقْلَالِ، بَلْ لَوْ قَالَ: عَلَيَّ عَبْدُ فُلَانٍ هَذَا الْمَغْصُوبُ لِنَفْسِي يَكُونُ كَذَلِكَ أَيْضًا، وَيَلْزَمُ أَيْضًا مِثْلُهُ: فِيمَا لَوْ قَالَ: عَلَيَّ الْبَرَاءَةُ مِنْ صَدَاقِهَا، وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ وَيَكُونُ مَحَلُّ قَوْلِهِمْ إذَا صَرَّحَ الْأَجْنَبِيُّ بِالْغَصْبِ يَقَعُ رَجْعِيًّا عِنْدَ عَدَمِ تَصْرِيحِهِ بِالِاسْتِقْلَالِ أَوْ الضَّمَانِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ الْتِزَامِ ذَلِكَ كُلِّهِ. اهـ. وَذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ الصَّغِيرِ، فَإِنَّهُ قَيَّدَ الْوُقُوعَ رَجْعِيًّا فِيمَا إذَا خَالَعَ الْأَجْنَبِيُّ بِنَحْوِ مَغْصُوبٍ، وَصَرَّحَ بِالْمَانِعِ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَضْمَنْ، أَوْ يُصَرِّحْ بِالِاسْتِقْلَالِ قَالَ: أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي خُلْعِ الْأَبِ الْمُنَزَّلِ مَنْزِلَتَهُ الْأَجْنَبِيُّ بِعَبْدِهَا مَثَلًا. اهـ. وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَبِ، وَالْأَجْنَبِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: وَبِهِ أَفْتَى السُّبْكِيُّ إلَخْ) ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ حُصُولِ الْبَرَاءَةِ.
(قَوْلُهُ: أَرْجَحُهُمَا إلَخْ) ، كَذَا م ر وَلَمْ يَسْتَوْجِهْ غَيْرَهُ.
(قَوْلُهُ: كَالسُّكُوتِ عَنْ الْمَهْرِ) لَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ صَرِيحٌ بِدُونِ ذِكْرِ الْمَالِ وَنِيَّتِهِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ مَالِهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ أَظْهَرُ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ