فَيَجْعَلُهُ مَنِيًّا وَيَغْتَسِلُ أَوْ مَذْيًا وَيَتَوَضَّأُ وَيَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِمُقْتَضَى أَحَدِهِمَا بَرِئَ مِنْهُ يَقِينًا وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْآخَرِ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ بِخِلَافِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ فِعْلُهُمَا لِاشْتِغَالِ ذِمَّتِهِ بِهِمَا جَمِيعًا وَالْأَصْلُ بَقَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَفَارَقَ مَا هُنَا مَا سَيَأْتِي فِي الزَّكَاةِ مِنْ وُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ بِتَزْكِيَةِ الْأَكْثَرِ ذَهَبًا وَفِضَّةً فِي الْإِنَاءِ الْمُخْتَلِطِ بِأَنَّ الْيَقِينَ ثَمَّةَ مُمْكِنٌ بِسَبْكِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا عَلَى أَنَّهُ قِيلَ بِذَلِكَ هُنَا أَيْضًا وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ رُجْحَانُهُ لِاشْتِغَالِ ذِمَّتِهِ بِطُهْرٍ وَلَا يَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ إلَّا بِطُهْرٍ مُتَيَقَّنٍ أَوْ مَظْنُونٍ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ
ــ
[حاشية العبادي]
فَاخْتَارَ كَوْنَهُ مَذْيًا كَفَاهُ الْوُضُوءُ وَلَمْ يَجِبْ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ وَمِنْهَا لَوْ أَصَابَ مَا خَرَجَ مِنْهُ غَيْرَهُ فَالْوَجْهُ لَا يَلْزَمُهُ غَسْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بِالنِّسْبَةِ لَهُ الطَّهَارَةُ وَلَمْ يَتَرَدَّدْ الْخَارِجُ فِي حَقِّهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ كَوْنَهُ مَنِيًّا وَاغْتَسَلَ فَهَلْ يُحْكَمُ عَلَى الْمَاءِ بِالِاسْتِعْمَالِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ الْحُكْمُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى اخْتِيَارِهِ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ اخْتَارَ بَعْدَ الْغَسْلِ أَنَّهُ مَذْيٌ وَتَوَضَّأَ فَهَلْ يَنْقَطِعُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ عَنْ مَاءِ الْغُسْلِ وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ صَلَّى بِغُسْلِهِ قَبْلَ اخْتِيَارِ كَوْنِهِ مَذْيًا لَمْ يَنْقَطِعْ لِاسْتِقْرَارِهِ بِالتَّعْوِيلِ عَلَيْهِ وَإِلَّا انْقَطَعَ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى الْحَدَثَيْنِ فَصَارَ الِاسْتِعْمَالُ مَشْكُوكًا فِيهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ أَفْتَى شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ كَوْنَهُ مَنِيًّا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ إذْ لَا نُحَرِّمُ بِالشَّكِّ فَقَدْ يُشْكِلُ بِإِيجَابِ غَسْلِ مَا أَصَابَهُ مِنْهُ إذَا اخْتَارَ كَوْنَهُ مَذْيًا إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ، بِأَنَّ نَجَاسَةَ الْمَذْيِ صِفَةٌ قَائِمَةٌ وَتَحْرِيمَ الْمُكْثِ لَيْسَ صِفَةً قَائِمَةً بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَلْزَمَ وَأَقْوَى فَلْيُتَأَمَّلْ سم
(قَوْلُهُ: أَحَبَّا) وَلَوْ بِالتَّشَهِّي حَتَّى لَوْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ كَانَ لَهُ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ وَالْأَخْذُ بِالْآخَرِ م ر (قَوْلُهُ: فَيَجْعَلُهُ مَنِيًّا إلَخْ) قَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَمَهْمَا اخْتَارَهُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ سَائِرُ أَحْكَامِهِ اهـ وَقَضِيَّتُهُ تَحْرِيمُ نَحْوِ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا اخْتَارَ كَوْنَهُ مَنِيًّا لَكِنْ أَفْتَى شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ بِعَدَمِ تَحْرِيمِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّا لَا نُحَرِّمُ بِالشَّكِّ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ كَوْنَهُ مَذْيًا وَمَسَّ بِهِ شَيْئًا خَارِجًا لَا يُنَجِّسُهُ؛ لِأَنَّا لَا نُنَجِّسُ بِالشَّكِّ وَقَضِيَّةُ مَا قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ التَّنْجِيسُ وَيُؤَيِّدُ عَدَمَ التَّنْجِيسِ أَوْ يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ الْآتِي بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِهِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَا أَصَابَ ثَوْبَهُ إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: فَيَغْتَسِلُ) وَلَوْ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا فَلَهُ قَبْلَ فِعْلِهِ الرُّجُوعُ إلَى اخْتِيَارِ الْآخَرِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ، وَأَمَّا بَعْدَ فِعْلِهِ لِمُقْتَضَاهُ فَالرُّجُوعُ إلَى اخْتِيَارِ الْآخَرِ عَمَلٌ بِمُوجِبِهِمَا وَلَا إشْكَالَ فِيهِ بِالنَّظَرِ لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لِمَا مَضَى فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهُ وَأَنْ يُحْكَمَ بِالِاعْتِدَادِ بِنَحْوِ صَلَاتِهِ الْمَاضِيَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ
[حاشية الشربيني]
مُقْتَضَى الْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ جَمِيعًا (قَوْلُهُ: أَوْ مَظْنُونٍ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ أَوْ مُسْتَصْحَبٌ وَكَتَبَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ هَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ اسْتِصْحَابَ الطَّهَارَةِ حَاصِلٌ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ. اهـ.
أَيْ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا (قَوْلُهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute