الْأُخْرَى، (وَقَالَ) فِي الثَّانِيَةِ: (زَوْجَاتِي أَوْ نِسْوَتِيَا طَوَالِق) بِالصَّرْفِ لِلْوَزْنِ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ خَاطَبَ بِالطَّلَاقِ سُعَادَ دُونَ جَمَلٍ، وَلَا أَثَرَ لِلظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ لِوَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ، وَهُوَ يَظُنُّهَا غَيْرَهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا دُونَ الْمَظْنُونَةِ، فَلَوْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا سُعَادُ وَقَصَدْت طَلَاقَ جَمَلٍ طَلُقَتْ جَمَلٌ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا؛ لِأَنَّهُ سَمَّاهَا وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ خَاطَبَهَا وَأَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَيْهَا، وَسُعَادَ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ وَاجَهَهَا بِالطَّلَاقِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ وَالنِّسَاءِ. (وَأَيُّ عَدٍّ) مِنْ طَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ (نُوِيَا) أَيْ: نَوَاهُ الزَّوْجُ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ بَائِنٌ مَثَلًا (فَذَاكَ) أَيْ: الْمَنْوِيُّ هُوَ الْوَاقِعُ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُ، سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا، (لَا إنْ قَالَ: أَنْتِ وَاحِدَهْ بِالنَّصْبِ) وَنَوَى عَدَدًا، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً عَمَلًا بِظَاهِرِ اللَّفْظِ، مِنْ أَنَّ وَاحِدَةً صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَالنِّيَّةُ مَعَ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْمَنْوِيَّ لَا تُؤَثِّرُ.
(قُلْتُ) تَبِعَ الْحَاوِي فِي ذَلِكَ الْغَزَالِيَّ وَصَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الْمِنْهَاجِ، لَكِنَّ (جُلُّهُمْ مَا سَاعَدَهْ) عَلَيْهِ، بَلْ قَالُوا: بِوُقُوعِ الْمَنْوِيِّ وَصُحِّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِاحْتِمَالِ الْحَمْلِ عَلَى وَاحِدَةٍ مُلَفَّقَةٍ مِنْ طَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، أَوْ عَلَى تَوَحُّدِ الْمَرْأَةِ عَنْ زَوْجِهَا بِمَا نَوَاهُ حَمْلًا لِوَاحِدَةٍ عَلَى أَنَّهَا حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، وَصَوَّرَ كَأَصْلِهِ الْمَسْأَلَةَ بِدُونِ لَفْظِ طَالِقٍ، وَإِنْ صَوَّرَهَا بِهِ الرَّافِعِيُّ إشَارَةً إلَى أَنَّ الظَّاهِرَ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ (لَا مَنْ بِكُلٍّ قَاصِدُ التَّوَحُّدِ) أَيْ: لَا مَنْ قَصَدَ بِذَلِكَ تَوَحُّدَهَا مِنْهُ بِكُلِّ الطَّلَاقِ، فَيَقَعُ الْكُلُّ الْمَنْوِيُّ قَطْعًا، وَيَنْصَرِفُ اللَّفْظُ عَنْ ظَاهِرِهِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ.
وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ بِالنَّصْبِ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ وَاحِدَةٌ، وَمِثْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ بِالرَّفْعِ فِيهِمَا، فَيَقَعُ الْمَنْوِيُّ حَمْلًا لِوَاحِدَةٍ عَلَى التَّوَحُّدِ عَنْ الزَّوْجِ بِالْعَدَدِ الْمَنْوِيِّ، وَاحْتِمَالُ كَوْنِ وَاحِدَةٍ صِفَةً لِلطَّلَاقِ مُنْتَفٍ هُنَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ: وَالتَّوْجِيهُ وُقُوعُ الْمَنْوِيِّ أَيْضًا بِالْجَرِّ وَالسُّكُونِ، وَيُقَدَّرُ الْجَرُّ بِأَنْتِ ذَاتُ وَاحِدَةٍ، أَوْ يَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ لَحَنَ، وَاللَّحْنُ لَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ عِنْدَ نَائِبِهِ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُهِمَّاتِ.
(وَ) لَوْ قَالَ: أَنْت (طَالِقٌ بِالْأَمْسِ) وَقَعَ فِي الْحَالِ، سَوَاءٌ أَرَادَ وُقُوعَهُ أَمْسِ أَوْ فِي الْحَالِ، مُسْتَنِدًا إلَى أَمْسِ أَمْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا، أَمْ مَاتَ أَمْ جُنَّ قَبْلَ بَيَانِ الْإِرَادَةِ، أَمْ خَرِسَ وَلَا إشَارَةَ لَهُ مُفْهِمَةٌ لِأَنَّهُ خَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ وَرَبَطَهُ بِمُمْتَنِعٍ فَيَلْغُو الرَّبْطُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَلَا بِدْعَةَ فِي طَلَاقِهَا، أَمَّا لَوْ أَرَادَ طَلَاقَهَا أَوْقَعَهُ أَمْسِ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا، فَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ، وَلَوْ جَمَعَ أَحْوَالَ الْمَسْأَلَةِ كَانَ أَوْلَى مِنْ تَفْرِيقِهَا، حَتَّى ظُنَّ فِي كَلَامِهِ بِتَفْرِيقِهَا تَكْرَارٌ أَوْ تَنَاقُضٌ، (أَوْ) قَالَ نَهَارًا: أَنْتِ طَالِقٌ (أَمْسِ غَدِ أَوْ غَدَ أَمْسِ) بِالْإِضَافَةِ فِيهِمَا وَقَعَ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ أَمْسِ غَدٍ وَغَدَ أَمْسٍ هُوَ الْيَوْمُ، وَإِنْ قَالَهُ لَيْلًا وَقَعَ حَالًّا فِي الْأُولَى وَغَدًا فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ بِأَنْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ أَمْسِ غَدًا أَوْ غَدًا أَمْسِ، وَقَعَ صَبِيحَةَ الْغَدِ وَلَغَا ذِكْرُ أَمْسِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْغَدِ بِالْأَمْسِ، وَلَا يُمْكِنُ الْوُقُوعُ فِيهِمَا وَلَا الْوُقُوعُ فِي أَمْسِ، فَتَعَيَّنَ الْوُقُوعُ فِي الْغَدِ لِإِمْكَانِهِ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا وَقَعَ فِي الْحَالِ، وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي الْغَدِ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الْيَوْمَ طَالِقٌ غَدًا، فَإِنْ أَرَادَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا طَلْقَةً أَوْ نِصْفَ طَلْقَةٍ، وَقَعَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا طَلْقَةٌ مَا لَمْ تَبِنْ بِالْأُولَى، وَلَوْ أَرَادَ نِصْفَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ وَنِصْفَهَا غَدًا، لَا يَقَعُ إلَّا طَلْقَةُ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّ مَا أَخَّرَهُ تَعَجَّلَ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ الْغَدُ، فَجَاءَ الْغَدُ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِمَجِيءِ الْغَدِ فَلَا يَقَعُ قَبْلَهُ، وَإِذَا جَاءَ الْغَدُ، فَقَدْ مَضَى الْيَوْمُ الَّذِي جَعَلَهُ مَحَلًّا لِلْإِيقَاعِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ، نَقَلَهُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ وَبَاطِنًا) كَيْفَ ذَلِكَ مَعَ احْتِمَالِ كَذِبِهِ فِيمَا قَالَهُ؟ ، (قَوْلُهُ لَكِنَّ جُلَّهُمْ مَا سَاعَدَهْ) وَلَوْ قَالَ: ثِنْتَيْنِ وَنَوَى ثَلَاثًا فَفِي التَّوْشِيحِ يَظْهَرُ مَجِيءُ الْخِلَافِ فِيهِ، هَلْ يَقَعُ مَا نَوَاهُ أَوْ ثِنْتَانِ؟ ، اهـ. وَقَدْ يُوَجَّهُ بِاحْتِمَالِ إرَادَةِ أَنَّ إحْدَى الثِّنْتَيْنِ مُلَفَّقَةٌ مِنْ ثِنْتَيْنِ. (قَوْلُهُ أَوْ ثَلَاثٍ) بِهَذَا مَعَ قَوْلِهِ الْأَتْيِ قَطْعًا يُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَ نِيَّةِ الثَّلَاثِ وَنِيَّةِ التَّوَحُّدِ بِالثَّلَاثِ، حَيْثُ اُخْتُلِفَ فِي الْأَوَّلِ وَقُطِعَ بِالثَّانِي.
(فَرْعٌ) قَالَ: طَلَّقْتُك إنْ دَخَلْت الدَّارَ كَانَ تَعْلِيقًا بِالدُّخُولِ، أَوْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ طَلَّقْتُك كَانَ وَعْدًا، إلَّا أَنْ يُرِيدَ التَّعْلِيقَ، كَذَا حَقَّقَهُ السُّبْكِيُّ وَرَدَّ مَا وَقَعَ لِلْكِنْدِيِّ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ م ر. (قَوْلُهُ بِمَا نَوَاهُ إلَخْ) بِهَذَا يُجَابُ عَمَّا عَسَاهُ أَنْ يُقَالَ: مِنْ أَنَّهُ لَا يَكْفِي تَقْدِيرُ لَفْظِ الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَنْت وَتَرَكَ لَفْظَ طَالِقٍ لَمْ يَقَعْ، وَإِنْ قُدِّرَ لَفْظُ طَالِقٍ فَيُجَابُ: بِأَنَّهُ وُجِدَ هُنَا مَا يَقُومُ مَقَامَ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ وَاحِدَةٌ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ إشَارَةً إلَى) مُتَعَلِّقٌ بِصَوَّرَ. (قَوْلُهُ لَا مَنْ بِكُلٍّ) هُوَ وَقَوْلُهُ قَاصِدٌ التَّوَحُّدَ صِلَةُ مَنْ. (قَوْلُهُ قَطْعًا) اُنْظُرْ وَجْهَ الْقَطْعِ. (قَوْلُهُ وَيُقَدَّرُ الْجَرُّ بِأَنْتِ ذَاتُ وَاحِدَةٍ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ ذَاتُ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ أَيْ: مُنْفَرِدَةٌ عَنْ الزَّوْجِ.
(قَوْلُهُ أَمْسِ غَدًا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ بِنَاءِ أَمْسِ عَلَى الْكَسْرِ لِإِرَادَتِهِ بِهِ الْيَوْمَ الَّذِي قَبْلَ يَوْمِهِ مُتَّصِلًا بِهِ، وَجَرِّهِ وَتَنْوِينِهِ لِإِرَادَتِهِ بِهِ إمْسَامًا سَابِقًا عَلَى يَوْمِهِ. (قَوْلُهُ وَنِصْفَهَا غَدًا) بِإِضَافَةِ النِّصْفِ إلَى ضَمِيرِ الطَّلْقَةِ الْمُوقَعِ نِصْفُهَا الْيَوْمَ، تُفَارِقُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ آنِفًا أَوْ نِصْفَ طَلْقَةٍ فَتَأَمَّلْهُ.
ــ
[حاشية الشربيني]
شَرْحُ الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ وَسُعَادُ ظَاهِرًا) أَيْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ الْمُنَادَاةَ صَحَّ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِيهَا، وَهُوَ صَالِحٌ أَيْضًا لِلْمُجِيبَةِ فَكَأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِيهِمَا أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ اهـ. بج. (قَوْلُهُ وَنَوَى عَدَدًا) أَيْ مَعَ نِيَّةِ أَصْلِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ أَنْتِ وَاحِدَةٌ كِنَايَةٌ. (قَوْله وَصَحَّحَهُ إلَخْ) مُعْتَمَد م ر. (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ إلَخْ) فَتَقَعُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ لَهُ مَحْمَلًا صَحِيحًا تَصِحُّ إرَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَقَعَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ مُسْتَنِدًا إلَى أَمْسِ) يَعْنِي أَنَّ الْحَالَ وَأَمْسِ ظَرْفَانِ لِلْوُقُوعِ، فَيَلْغُو الثَّانِي