للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّيْخَانِ عَنْ الْبُوشَنْجِيَّ وَأَقَرَّاهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا لَمْ تَدْخُلْ فِي الْحَالِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ غَدًا الْيَوْمَ، لَا يَقَعُ إلَّا فِي الْغَدِ لِتَعَلُّقِ الطَّلَاقِ بِهِ، وَذِكْرُهُ الْيَوْمَ بَعْدَهُ كَتَعْجِيلِ الْمُعَلَّقِ، وَهُوَ لَا يَتَعَجَّلُ، أَوْ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ وَقَعَ فِي الْحَالِ فَقَطْ، إذْ الْمُطَلَّقَةُ الْيَوْمَ مُطَلَّقَةٌ فِيمَا بَعْدَهُ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا وَقَعَ غَدًا؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَلَوْ قَالَ: فِي الْيَوْمِ وَفِي غَدٍ وَفِيمَا بَعْدَ غَدٍ وَقَعَ فِي كُلِّ يَوْمٍ طَلْقَةٌ، وَلَوْ قَالَ: فِي اللَّيْلِ وَفِي النَّهَارِ وَقَعَ طَلْقَةٌ بِاللَّيْلِ وَأُخْرَى بِالنَّهَارِ؛ لِأَنَّ الْمَظْرُوفَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الظَّرْفِ، نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْمُتَوَلِّي ثُمَّ قَالَا، وَلَيْسَ الدَّلِيلُ بِوَاضِحٍ، فَقَدْ يَتَّحِدُ الْمَظْرُوفُ وَيَخْتَلِفُ الظَّرْفُ، وَلَوْ قَالَ: بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا وَاحِدَةً لِاتِّحَادِ الظَّرْفِ. (أَوْ لَهَا الْآنَ ذَكَرْ) أَيْ أَوْ ذَكَرَ لَهَا فِي طَلَاقِهَا لَفْظَ الْآنَ، (ثُمَّ) ذَكَرَ (طَلَاقًا فِي الْمُضِيِّ ذَا أَثَرْ) أَيْ مُؤَثِّرَا، بِأَنْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ الْآنَ طَلَاقًا أَثَّرَ فِي الْمَاضِي فَيَقَعُ فِي الْحَالِ وَيَلْغُو قَوْلُهُ: أَثَّرَ فِي الْمَاضِي؛ لِأَنَّهُ مُحَالٌ (أَوْ قَالَ) ، وَقَدْ قَالَتْ لَهُ: يَا خَسِيسُ مَثَلًا (إنْ كُنْتُ كَمَا سَمَّيْتِ) أَيْ: وَصَفْت فَأَنْت طَالِقٌ (مُكَافِئًا لَهَا) عَلَى إسْمَاعِهِ مَا يَكْرَهُ، وَقَعَ فِي الْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِتِلْكَ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ مُغَايَظَتَهَا بِالطَّلَاقِ كَمَا غَايَظَتْهُ بِالشَّتْمِ.

وَخَرَجَ بِمُكَافِئًا لَهَا مَا لَوْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ أَوْ أَطْلَقَ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُ الصِّفَةِ كَشَأْنِ التَّعْلِيقَاتِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ وَالْخَسِيسُ مَنْ بَاعَ دِينَهُ بِدُنْيَاهُ، وَأَخَسُّ الْأَخِسَّاءِ مَنْ بَاعَ دِينَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ، قَالَ الشَّيْخَانِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: الْخَسِيسُ مَنْ يَتَعَاطَى غَيْرَ لَائِقٍ بِهِ بِخِلَافٍ، فَلَوْ أَشْكَلَ مَعْنَى الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ بِهَا، فَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُقُوعِ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ لَهُ: أَنْت مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَ: إنْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِهَا فَأَنْت طَالِقٌ، وَهُوَ مُسْلِمٌ لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الظَّاهِرِ، أَوْ كَافِرٌ حُكِمَ بِوُقُوعِهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ بَانَ خِلَافُهُ، وَأَنَّهُ لَوْ نُسِبَ إلَى فِعْلِ شَيْءٍ كَالزِّنَا وَاللِّوَاطِ فَقَالَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَكَانَ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُوقِعْ طَلَاقًا، وَإِنَّمَا غَرَضُهُ ذَمُّ مَنْ يَفْعَلُهُ وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: سَرَقْت أَوْ زَنَيْت فَقَالَتْ: لَمْ أَفْعَلْ فَقَالَ: إنْ كُنْت فَعَلْت أَوْ سَرَقْت أَوْ زَنَيْت فَأَنْت طَالِقٌ، حُكِمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ بِإِقْرَارِهِ السَّابِقِ.

(وَ) لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ (إنْ أَحْيَيْتِ مَيْتًا وَكُلُّ مَا) أَيْ وَسَائِرِ مَا (اسْتَحَالَ عَقْلَا) كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، وَقَعَ فِي الْحَالِ لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ فَيَلْغُو التَّعْلِيقُ، كَذَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي.

(وَقَالَ قَوْمٌ وَالْإِمَامُ أَنْ) أَيْ: أَنَّهُ (لَا) وُقُوعَ، وَصَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنَجِّزْهُ وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي الْغَدِ) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ قَصَدَ الْوُقُوعَ الْيَوْمَ م ر. (قَوْلُهُ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا وَاحِدَةً) يَنْبَغِي فِي الْحَالِ وَقَوْلُهُ: لِاتِّحَادِ الظَّرْفِ أَيْ: وَهُوَ الْمَجْمُوعُ لِعَدَمِ إعَادَةِ الْعَامِلِ. (قَوْلُهُ أَوْ أَطْلَقَ) فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُ الصِّفَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: فَإِنْ عَمَّ الْعُرْفُ بِالْمُكَافَأَةِ وَضُبِطَ قُدِّمَ عَلَى الْوَضْعِ عَلَى مَا قَدَّمْته اهـ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ هَذَا فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: إلَخْ) اُنْظُرْ أَخَسَّ الْأَخِسَّاءِ عَلَى هَذَا. (قَوْلُهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ) شَامِلٌ لِلْمُسْلِمِ الْعَاصِي، بَلْ الْمُصِرِّ عَلَى الْمَعَاصِي وَكَأَنَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ النَّارِ الْكَافِرُ، وَقَوْلُهُ: لَمْ يَقَعْ لَعَلَّهُ مَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُكَافَأَةَ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الظَّاهِرِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: فَإِنْ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُرْتَدًّا تَبَيَّنَ الْوُقُوعُ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا غَرَضُهُ ذَمُّ مَنْ يَفْعَلُهُ) قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ وَقَعَ

. (قَوْلُهُ أَيْ: وَسَائِرُ) أَيْ بَاقِي مَا اسْتَحَالَ عَقْلًا فَمِنْهُ إنْ أَحْيَيْت مَيِّتًا بِرّ. أَقُولُ: يُتَأَمَّلْ قَوْلُهُ، وَصَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، هَذَا فِي التَّعْلِيقِ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ، فَلَوْ نَجَّزَ كَأَنْ قَالَ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَتَجْمَعَنَّ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، أَوْ لَتُحْيِيَنَّ هَذَا الْمَيِّتَ، أَوْ لَتَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ وَقَعَ فِي الْحَالِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضِ كَغَيْرِهِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ فِي صُوَرٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ وَحَنِثَ فِي الْحَالِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ وَكَانَ فَرَاغًا، وَهُوَ عَالِمٌ بِفَرَاغِهِ، أَوْ لَيَقْتُلَنَّ زَيْدًا وَكَانَ مَيِّتًا، وَهُوَ عَالِمٌ بِمَوْتِهِ حَنِثَ فِي الْحَالِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ فِيهِ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ هُنَاكَ، أَمَّا لَوْ كَانَ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَكَانَ فَارِغًا أَوْ مَيِّتًا، فَلَا يَحْنَثُ كَمَا لَوْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا اهـ. وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْ مَسْأَلَةَ الصُّعُودِ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ مَعْلُومٌ فَلْيُتَأَمَّلْ.

ــ

[حاشية الشربيني]

لِعَدَمِ إمْكَانِهِ. (قَوْلُهُ الْمَظْرُوفَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الظَّرْفِ) أَيْ عِنْدَ اسْتِقْلَالِ كُلِّ ظَرْفٍ بِالْمَظْرُوفِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: فِي اللَّيْلِ وَفِي النَّهَارِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسْتَقِلَّ كَمَا فِي قَوْلِهِ: بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّدْ الظَّرْفُ هُنَا، بَلْ هُوَ ظَرْفٌ وَاحِدٌ. (قَوْلُهُ فَقَدْ يَتَّحِدُ الْمَظْرُوفُ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ الظَّرْفِيَّةَ عَلَى التَّعَاقُبِ، فَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ فَغَيْرُ مُمْكِنٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ فِي أَبْعَاضِ الظَّرْفِ كَمَا فِي قَوْلِهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَوْ أَطْلَقَ) كَذَا فِي م ر وَغَيْرِهِ وَبِهِ يُرَدُّ مَا فِي ق ل. مِنْ جَعْلِهِ كَالْمُكَافَأَةِ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ أَحْيَيْت مَيِّتًا إلَخْ) هَذَا كُلُّهُ فِي الْإِثْبَاتِ أَمَّا لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تَجْمَعِي بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، أَوْ إنْ لَمْ يُنْسَخْ صَوْمُ رَمَضَانَ أَوْ إنْ لَمْ تَصْعَدِي السَّمَاءَ فَيَقَعُ حَالًّا فِي الْجَمِيعِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ سم وَغَيْرُهُ.

(قَوْلُهُ أَيْ وَسَائِرُ إلَخْ) أَيْ بَاقِي وَحَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا رَابِعَ لِأَقْسَامِ الْمُسْتَحِيلِ الثَّلَاثَةِ، فَأَدْخَلَهُ فِي الْمُسْتَحِيلِ عَقْلًا، فَالْمُرَادُ إحْيَاؤُهُ اسْتِقْلَالًا، أَمَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَالْمُسْتَحِيلُ عَادَةً وَسَيَأْتِي، وَقَالَ حَجَرٌ وَم ر: الْمُرَادُ بِإِحْيَاءِ الْمَيِّتِ هُنَا إحْيَاؤُهُ مَعَ مَوْتِهِ حَتَّى يَكُونَ مُسْتَحِيلًا عَقْلًا اهـ. لَكِنْ يَكُونُ هَذَا مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ الْآتِي، فَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِالْإِحْيَاءِ إيجَادُ الْحَيَاةِ اسْتِقْلَالًا فَيَكُونَ خَلْقًا، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ بِأَنَّهُ لَا خَالِقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>