للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ، وَقَدْ يَكُونُ الْغَرَضُ مِنْ التَّعْلِيقِ بِالْمُسْتَحِيلِ امْتِنَاعَ الْوُقُوعِ لِامْتِنَاعِ وُقُوعِ الْمُعَلَّقِ بِهِ كَمَا فِي: قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: ٤٠] (كَمُسْتَحِيلِ الشَّرْعِ) كَأَنْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إنْ نُسِخَ صَوْمُ رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَقَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ (لَا) الْمُسْتَحِيلُ فِي (عُرْفِهِمْ) كَقَوْلِهِ: إنْ صَعِدْت السَّمَاءَ أَوْ طِرْت فَأَنْت طَالِقٌ، فَلَا يَقَعُ لِمَا مَرَّ، وَمِثْلُهُ إحْيَاءُ الْمَيِّتِ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْمُرَادُ فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٍ عَنْ عِيسَى: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: ٤٩] قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّافِعِيَّ قَدْ صَحَّحَ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَا يَصْعَدُ السَّمَاءَ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ.

وَقِيَاسُهُ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِهَا الْحَالِفُ عَلَى الْحَلِفِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُمْ: الْيَمِينُ إمَّا حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ عَلَى الْحَلِفِ عَلَى الْأَشْيَاءِ الْمُمْكِنَةِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: بِانْعِقَادِهَا فِي الْمُسْتَحِيلِ عُرْفًا أَوْ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ عَقْلًا، وَأَمَّا عَدَمُ انْعِقَادِهَا هُنَاكَ، فَلَيْسَ لِتَعَلُّقِهَا بِالْمُسْتَحِيلِ، بَلْ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْحِنْثِ لَا يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ، وَلِهَذَا تَنْعَقِدُ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا، وَهُوَ مَيِّتٌ مَعَ تَعَلُّقِهَا بِمُسْتَحِيلٍ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْبِرِّ يَهْتِكُ حُرْمَةَ الِاسْمِ فَيُحْوِجُ إلَى التَّكْفِيرِ (وَأَنْ دَخَلْتِهَا وَإِذْ وَأَنْ لَمْ) بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَنْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَيْ: وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ أَنْ دَخَلْت الدَّارَ، أَوْ إذْ دَخَلْتهَا، أَوْ أَنْ لَمْ تَدْخُلِيهَا، وَقَعَ فِي الْحَالِ دَخَلَتْ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى عَلَى التَّعْلِيلِ لَا التَّعْلِيقِ أَيْ لِلدُّخُولِ أَوْ لِعَدَمِهِ كَمَا فِي: قَوْله تَعَالَى {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} [القلم: ١٤] وَهَذَا (لِلُغَوِيٍّ) أَيْ لِعَارِفٍ بِأَنَّ أَنْ الْمَفْتُوحَةَ وَإِذْ لِلتَّعْلِيلِ، وَإِنَّ الْمَكْسُورَةَ وَإِذْ لِلتَّعْلِيقِ، أَمَّا غَيْرُهُ فَذَاكَ تَعْلِيقٌ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ قَصْدُهُ لَهُ، وَهُوَ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَدَوَاتِ.

وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِيهَا: وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ لِامْتِنَاعِ وُقُوعِ الْمُعَلَّقِ بِهِ) وَقَضِيَّتُهُ الْوُقُوعُ حَالًا فِي إنْ لَمْ تُحْيِي مَيِّتًا مَثَلًا لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ حَالًا، فَكَأَنَّ الْمُعَلِّقَ أَرَادَ إيقَاعَهُ حَالًّا لِعِلْمِهِ بِتَحَقُّقِ عَدَمِ مَا عَلَّقَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ حَجَرٌ أَقُولُ: قَوْلُهُ لِعِلْمِهِ بِتَحَقُّقِ عَدَمِ إلَخْ لَعَلَّ صَوَابَهُ إسْقَاطُ عَدَمِ. (قَوْلُهُ كَمُسْتَحِيلِ الشَّرْعِ) اعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ الْمَتْنِ تَشْبِيهُ الْمُسْتَحِيلِ عَقْلًا بِالْمُسْتَحِيلِ شَرْعًا فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِيهِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ بَعْدَ لَا عُرْفِهِمْ مُخْرِجًا مِنْ الْحُكْمِ بِالْوُقُوعِ فِيهِمَا، هَكَذَا شَرْحُ الْعِرَاقِيِّ، وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي الْعَقْلِيِّ وَالشَّرْعِيِّ وَاحِدٌ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَأَقُولُ: قَوْلُ الشَّارِحِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ يُفِيدُ حِكَايَةَ الْخِلَافِ السَّابِقِ هُنَا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى حِكَايَة التَّصْحِيحِ اخْتِصَارًا فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ إحْيَاءُ الْمَيِّتِ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْمُرَادُ فِي قَوْله تَعَالَى إلَخْ) أَيْ: فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى لَا يَكُونُ مُرَادُ الْمَتْنِ مِنْ قَوْلِهِ: إنْ أَحْيَيْت مَيِّتًا إذْ مُرَادُهُ الْمُسْتَحِيلُ عَقْلًا، وَهُوَ إحْيَاءُ الْمَوْتَى مُسْتَقِلًّا بِهِ، هَذَا غَرَضُ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِرّ. (قَوْلُهُ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى) أَيْ بِخِلَافِ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ الْمَتْنُ بِمِثَالِهِ السَّابِقِ، فَإِنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَقْلًا. (قَوْلُهُ الْمُرَادُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: ٤٩] أَمَّا لَوْ أُرِيدَ إحْيَاؤُهَا هِيَ مُسْتَقِلَّةٌ فَهُوَ مُحَالٌ عَقْلًا، قَالَهُ الْقُونَوِيُّ، وَهُوَ مُرَادُ النَّاظِمِ بِقَوْلِهِ: أَوْ قَالَ: إنْ أَحْيَيْت مَيِّتًا قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي فَإِذَنْ الْفَرْقُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ صُعُودِ السَّمَاءِ وَالطَّيَرَانِ وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى بِغَيْرِ إذْنِ اللَّهِ مَعْلُومٌ عَقْلًا فِي الْجَمِيعِ، وَاتِّفَاقَهُ لِأَحَدٍ بِقُدْرَتِهِ تَعَالَى مُمْكِنٌ فِي الْجَمِيعِ، فَمَا وَجْهُ الْفَرْقِ؟ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْجَوْجَرِيُّ وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمُسْتَحِيلَ عَقْلًا أَشَدُّ اسْتِحَالَةً مِنْ غَيْرِهِ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَأَقُولُ: قَوْلُهُ مَعْلُومٌ عَقْلًا فِي الْجَمِيعِ فِيهِ أَنَّ الْعَجْزَ الَّذِي يَعْلَمُهُ الْعَقْلُ فِي الْأَوَّلَيْنِ عَجْزٌ عَادِيٌّ وَفِي الْأَخِيرِ عَجْزٌ عَقْلِيٌّ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ يُحِيلُهُ، فَفِي قَوْلِهِ مُمْكِنٌ فِي الْجَمِيعِ نَظَرٌ.

(تَنْبِيهٌ) فِي الرَّوْضِ فِي آخِرِ الْبَابِ، وَلَوْ حَلَفَ إنْ بَقِيَ لَك هُنَا مَتَاعٌ وَلَمْ أَكْسِرْهُ عَلَى رَأْسِك فَأَنْت طَالِقٌ، فَبَقِيَ هَاوُنٌ فَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ وَقِيلَ: تَطْلُقُ عِنْدَ الْمَوْتِ اهـ. قَالَ فِي شَرْحِهِ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ وَبِهِ جَزَمَ الْخُوَارِزْمِيُّ وَلَمْ يَحْكِ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ غَيْرَهُ اهـ. وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: الصَّحِيحُ وَجْهٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ الْحِنْثُ الْآنَ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْأَيْمَانِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْعَجْزَ مُتَحَقِّقٌ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ الِانْتِظَارُ فِيمَا يُتَوَقَّعُ حُصُولُهُ مَرْدُودٌ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ فِي هَذِهِ، بَلْ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْبَحْرِ، وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِثْلَهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِثْلَهُ لَوْ قَالَ: لَأَكْسِرَنَّ هَذَا الْهَاوُنَ عَلَى رَأْسِك اهـ. مَا فِي الرَّوْضِ وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِنَفْيِ الْمُسْتَحِيلِ يُوجِبُ الْوُقُوعَ فِي الْحَالِ، كَالْحَلِفِ بِإِثْبَاتِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ حَالًا.

(قَوْلُهُ عُرْفًا أَوْ شَرْعًا) -

ــ

[حاشية الشربيني]

سِوَاهُ، فَيَكُونَ مِنْ الْمُحَالِ عَقْلًا لِغَيْرِهِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ مِنْ الْمُحَالِ عَقْلًا لِذَاتِهِ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ فَلَا يَقَعُ) أَيْ: وَإِنْ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ كَصُعُودِ السَّمَاءِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ شَيْخِنَا اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْله وَأُحْيِي الْمَوْتَى) وَكَانَ دُعَاؤُهُ بِإِحْيَائِهِمْ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ اهـ. جَمَلٌ. (قَوْلُهُ بِانْعِقَادِهَا) أَيْ فِي الْمُعَلَّقِ بِالطَّلَاقِ فَيَحْنَثُ بِهَا الْمُعَلِّقُ عَلَى الْحَلِفِ. (قَوْلُهُ بَلْ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ إلَخْ) أَيْ: وَهَذَا لَا يَأْتِي فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ قَصْدُهُ لَهُ) أَيْ: فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَخْبَرَ بِذَلِكَ أَمْ لَا، وَكَلَامُهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ أَطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ فَيَقَعُ فَلْيُرَاجَعْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>