للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَالِقٌ كَانَ مَنْعًا مِنْ الرُّكُوبِ فَيَحْنَثُ بِاسْتِدَامَتِهَا لَهُ.

(وَ) لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ حِضْت (حَيْضَةً) وَقَعَ (بِالْآنِفِ) أَيْ بِالْحَيْضِ الْمُسْتَأْنِفِ (الْمُسْتَكْمِلِ) ، فَإِنْ قَالَهُ فِي الطُّهْرِ وَقَعَ عِنْدَ تَمَامِ حَيْضِهَا لَا أَوَّلِهِ، أَوْ فِي الْحَيْضِ فَلَا يَقَعُ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَحِيضَ حَيْضَةً تَامَّةً

(وَ) لَوْ قَالَ: (طَالِقٌ حَفْصَةُ إلَّا إنْ قَدِمْ أَوْ شَاءَ ذَا) أَيْ زَيْدٌ مَثَلًا وُقُوعَهُ، (وَمَوْتُهُ قَبْلُ) أَيْ قَبْلَ قُدُومِهِ أَوْ مَشِيئَتِهِ (عُلِمْ) وَقَعَ قُبَيْلَ الْمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَمْنَعُ الْفِعْلَ كَالْجُنُونِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَشِيئَةِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْفِعْلَ مَانِعًا مِنْ الْوُقُوعِ، فَإِذَا عُلِمَ عَدَمُهُ وَقَعَ، فَإِنْ عُلِمَ وُجُودُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ يَقَعْ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِيهِ عَلَى مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ النَّظْمِ كَأَصْلِهِ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ لِلشَّكِّ فِي الصِّفَةِ الْمُوجِبَةِ لِلطَّلَاقِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى وُقُوعِهِ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَبِهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْفِعْلِ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ فِي الْمَشِيئَةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ النَّاظِمُ كَأَصْلِهِ هُنَاكَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ. (وَحَيْضُهَا وَبُغْضُهَا) وَكُلُّ مَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا غَالِبًا (إذْ) أَيْ: وَقْتَ (تُقْسِمُ) هِيَ أَيْ تَحْلِفُ (فِي حَقِّهَا يَثْبُتُ) ذَلِكَ، فَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِحَيْضِهَا مَثَلًا فَزَعَمَتْهُ وَحَلَفَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ مُنَازَعَةِ الزَّوْجِ لَهَا فِيهِ، وَقَعَ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلَّقَ بِهِ طَلَاقَ غَيْرِهَا، كَمَا احْتَرَزَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ: فِي حَقِّهَا، فَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ بِلَا يَمِينٍ، وَلَوْ حَلَّفْنَاهَا كَانَ التَّحْلِيفُ لِغَيْرِهَا. وَالْحُكْمُ لِلْإِنْسَانِ بِحَلِفِ غَيْرِهِ مَعَ عَدَمِ تَعَلُّقِ الْخُصُومَةِ بِهِ مُمْتَنِعٌ، فَيُصَدَّقُ الزَّوْجُ جَرْيًا عَلَى الْأَصْلِ فِي تَصْدِيقِ الْمُنْكِرِ بِيَمِينِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهَا فِي الْحَيْضِ ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِهِ وَيَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الدَّمَ، وَإِنْ شُوهِدَ لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ حَيْضٌ لِجَوَازِ كَوْنِهِ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ.

وَمُرَادُهُمْ بِالتَّعَذُّرِ: التَّعَسُّرُ لِتَعْبِيرِهِمْ قَبْلَهُ بِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِهِ وَلِجَزْمِهِمْ بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ بِهِ فِي بَابِهَا، (لَا مَا يُعْلَمُ مِنْ غَيْرِهَا) ، فَلَا يَثْبُتُ بِحَلِفِهَا مُطْلَقًا، بَلْ (بِحُجَّةٍ) لِإِمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، (كَوَضْعِهَا وَكَزِنَاهَا وَجَمِيعِ صُنْعِهَا) كَدُخُولٍ وَقِيَامٍ

(وَ) لَوْ قَالَ: (طَالِقَانِ أَنْتُمَا إنْ حِضْتُمَا)

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ كَأَنْ مُنِعَا مِنْ الرُّكُوبِ) أَيْ: لِأَنَّ الرُّكُوبَ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ بِرّ. (قَوْلُهُ الْمُسْتَكْمِلُ) الظَّاهِرُ: أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ بِمَعْنَى الْكَامِلِ أَوْ الْمُسْتَكْمِلِ زَمَانُهُ.

(قَوْلُهُ وُقُوعَهُ) ضَبَّبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَاءَ ذَا. (قَوْلُهُ وَمَوْتُهُ قَبْلُ عُلِمَ) اُنْظُرْ لَوْ قَدِمَ بِهِ مَيِّتًا. (قَوْلُهُ وَقَعَ قُبَيْلَ الْمَوْتِ) هَذَا مُرَادُ الْمَتْنِ، وَلَكِنْ فِي اسْتِفَادَتِهِ مِنْهُ عُسْرٌ جِدًّا بِرّ. (قَوْلُهُ كَالْجُنُونِ) أَيْ الْمُتَّصِلِ بِهِ الْمَوْتُ كَمَا فِي الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ لِلشَّكِّ فِي وُجُودِ الصِّفَةِ) قَدْ يَسْتَشْكِلُ مَعَ ذَلِكَ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ: أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى خُرُوجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَخَرَجَتْ وَادَّعَى الْإِذْنَ لَهَا وَادَّعَتْ هِيَ عَدَمَهُ، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا، فَقَدْ حَكَمَا هُنَاكَ بِالطَّلَاقِ مَعَ الشَّكِّ فِي وُجُودِ الصِّفَةِ، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا ثَمَّ عَلَى وُجُودِ الصِّفَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي شَرْطِهَا بِخِلَافِهِ هُنَا.

(قَوْلُهُ فِي الْمَشِيئَةِ) فِي وَاَللَّهِ لَأَدْخُلَنَّ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ، وَشُكَّ فِي مَشِيئَتِهِ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ) فَرَّقَ ابْنُ الْمُقْرِي بِأَنَّ هُنَاكَ تَحَقَّقَ مُوجِبُ الْحِنْثِ، وَهُوَ الْحَلِفُ وَشُكَّ فِي مُسْقِطِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَهُنَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحِنْثِ حِلُّ الْعِصْمَةِ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا، وَبِهِ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ عَدَمِ الْحِنْثِ، وَرَدَّهُ الْجَوْجَرِيُّ وَصَاحِبُ الْإِسْعَادِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الْحِنْثَ هُنَاكَ يُؤَدِّي أَيْضًا إلَى رَفْعِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِالشَّكِّ وَأُجِيبَ: بِأَنَّ النِّكَاحَ جَعْلِيٌّ وَالْبَرَاءَةَ شَرْعِيَّةٌ، وَالْجَعْلِيُّ أَقْوَى مِنْ الشَّرْعِيِّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الرَّهْنِ، وَهَذَا الْجَوَابُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ.

(قَوْلُهُ إنْ حِضْتُمَا) قَالَ فِي الرَّوْضِ وَلَوْ قَالَ: إنْ حِضْتُمَا حَيْضَةً أَوْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ، لَغَا لَفْظُ الْحَيْضَةِ أَوْ الْوَلَدِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: فَإِذَا طَعَنَتَا فِي الْحَيْضِ أَوْ وَلَدَتَا طَلُقَتَا، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّوْضِ: فَإِنْ قَالَ: وَلَدًا وَاحِدًا فَتَعْلِيقٌ بِمُحَالٍ اهـ. قَالَ فِي الْعُبَابِ: وَيُتَّجَهُ مِثْلُهُ فِي حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ أَرَهُ اهـ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَنْظُرَ فِي قَوْلِ الرَّوْضِ: لَغَا لَفْظُ الْحَيْضَةِ أَوْ الْوَلَدِ بِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِمَا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ وَوَلَدٌ وَاحِدٌ، فَيَنْبَغِي أَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِمُحَالٍ، وَإِنْ أُرِيدَ الْجِنْسُ أَوْ أُطْلِقَ فَهُوَ

ــ

[حاشية الشربيني]

مُسْتَأْنَفٍ، وَالِاسْتِدَامَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بِخِلَافِ نَحْوِ الرُّكُوبِ، فَإِنَّ التَّعْلِيقَ بِهِ يُسَمَّى حَلِفًا؛ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهَا، فَأَمْكَنَ فِيهِ الْحَثُّ وَالْمَنْعُ فَأَتَى فِيهِ تَفْصِيلُ الْحَلِفِ: إنَّ اسْتَدَامَتْهُ كَابْتِدَائِهِ، وَلَهُ فَرْقٌ آخَرُ يُوَافِقُ إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ أَنَّ الِاسْتِدَامَةَ هُنَا لَيْسَتْ كَالِابْتِدَاءِ مُطْلَقًا، لَكِنَّ كَلَامَ أَصْلِ الرَّوْضَةِ يُخَالِفُهُ فَالْأَوْجَهُ فَرْقُهُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ اقْتَضَى التَّخْصِيصَ بِالِاخْتِيَارِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُتَوَلِّي اهـ. تُحْفَةٌ. وَسم عَلَيْهَا.

(قَوْلُهُ الْمُسْتَكْمِلُ) أَيْ لَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ الْحَيْضَةِ، فَإِنْ انْقَطَعَتْ قَبْلَهُ لَمْ يَقَعْ، وَكَذَا إنْ مَاتَتْ بَعْدَ رُؤْيَةِ الدَّمِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: إنْ حِضْت وَمَاتَتْ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ وَقَبْلَ تَمَامِ حَيْضَةٍ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِالْوُقُوعِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَالْفَرْقُ: أَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحِيَضُ وَقَدْ وُجِدَ، وَفِي تِلْكَ حَيْضَةٌ وَلَمْ تُوجَدْ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْحَيْضَةِ عَادَتُهَا كَمَا قَالَهُ ق ل.

(قَوْلُهُ وَمَوْتُهُ قَبْلَ قُدُومِهِ إلَخْ) أَيْ عُلِمَ بَعْدَ الْحَلِفِ، أَمَّا لَوْ عُلِمَ قَبْلَهُ فَيَقَعُ حَالًّا كَمَا فِي الْإِرْشَادِ وَشَرْحِهِ. (قَوْلُهُ وَقَعَ قُبَيْلَ الْمَوْتِ) أَيْ عِنْدَ ضِيقِ الزَّمَنِ الَّذِي قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ عَنْ قُدُومِهِ وَعَنْ قَوْلِهِ شِئْت؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْيَأْسِ مِنْ قُدُومِهِ وَمَشِيئَتِهِ اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ) قَدْ يُفَرَّقُ: بِأَنَّ الْعِصْمَةَ ثَابِتَةٌ لَا تَزُولُ، إلَّا بِالْيَقِينِ

<<  <  ج: ص:  >  >>