أَنَّهُ يُقْبَلُ بَيَانُهُ دُونَ تَعْيِينِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ إخْبَارٌ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ بِخَبَرٍ أَوْ قَرِينَةٍ، وَالتَّعْيِينُ اخْتِيَارٌ يَصْدُرُ عَنْ شَهْوَةٍ، فَلَا يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِيهِ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ وَمَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ لَا يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِيهِ.
(قُلْتُ: وَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْوَارِثَ لَا يَخْلُفُهُ فِيمَا إذَا مَاتَ قَبْلَهُمَا (فِي الْعِتْقِ لَنْ يَلْتَزِمَا) ، بَلْ يَخْلُفُهُ فِيهِ (وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِ) أَيْ الْحَاوِي كَالْعُبَابِ (التَّسَاوِي) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ، لَكِنَّهُ (يُخَالِفُ الْبَحْرَ) لِلرُّويَانِيِّ (وَشَرْحَ الْحَاوِي) لِلطَّاوُسِيِّ، فَفِيهِمَا أَنَّهُ يَخْلُفُهُ فِي الْعِتْقِ فِيمَا ذُكِرَ، قَالَ الْبَارِزِيُّ: وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي حُرِّيَّةِ عَبْدٍ وَرِقِّ آخَرَ، بِخِلَافِهِ فِي الطَّلَاقِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِ الرَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ، (وَبَانَ بِالتَّعْيِينِ) أَوْ الْبَيَانُ (أَنْ قَدْ وَقَعَا ذَانِ) أَيْ: الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ أَيْ بَانَ وُقُوعُهُمَا (بِلَفْظٍ) أَيْ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِهِمَا وَنَجَّزَهُمَا، فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُمَا إلَّا أَنَّ مَحَلَّهُمَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْر مُبَيَّنٍ فَيُؤْمَرُ بِالتَّعْيِينِ أَوْ الْبَيَانِ، وَتُحْسَبُ الْعِدَّةُ فِي التَّعْيِينِ مِنْهُ وَفِي الْبَيَانِ مِنْ اللَّفْظِ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَتَأَخَّرَ الْعِدَّةُ عَنْ وَقْتِ الْحُكْمِ بِالطَّلَاقِ كَمَا تَجِبُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِالْوَطْءِ، وَتُحْسَبُ مِنْ التَّفْرِيقِ (لَا بِأَنْ يُجَامِعَا) فَلَيْسَ تَعْيِينًا وَلَا بَيَانًا لِلطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ فِي غَيْرِ الْمُجَامَعَةِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يُجَامِعَ الْمُطَلَّقَةَ أَوْ الْعَتِيقَةَ، فَإِنْ عَيَّنَ الطَّلَاقَ أَوْ بَيَّنَهُ فِي الْمُجَامَعَةِ حُدَّ إنْ كَانَ بَائِنًا، وَلَزِمَهُ الْمَهْرُ لِجَهْلِهَا أَنَّهَا الْمُطَلَّقَةُ، أَوْ فِي غَيْرِهَا قُبِلَ، وَلِلْمُجَامَعَةِ أَنْ تُحَلِّفَهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَهَا، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَطَلُقَتَا وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ لَا الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْأَنْوَارِ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا إلَّا وُجُوبَ الْحَدِّ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْيِينِ فَسَكَتَا عَنْهُ صَرِيحًا، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا قَائِلَانِ بِهِ وَلَكِنَّهُمَا سَكَتَا عَنْهُ إحَالَةً لَهُ عَلَى مَا قَدَّمَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا قَائِلَانِ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى سِيَاقِ كَلَامِهِمَا، وَالْفَرْقُ لَائِحٌ وَمَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ كَأَصْلِهِ فِي الْعِتْقِ وَجْهٌ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّعْيِينِ فِي الْأَمَةِ، فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي بَابِهِ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْجِمَاعَ تَعْيِينٌ فِي الْعِتْق، وَهُوَ قَضِيَّةُ مَا عَلَّلَا بِهِ هُنَا مِنْ أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَمَّا لَمْ يَحْصُلْ ابْتِدَاءً بِالْفِعْلِ لَمْ يُتَدَارَكْ بِهِ، وَقَضِيَّتُهُ: أَيْضًا أَنَّهُ بَيَانٌ فِي الْعِتْقِ لَكِنَّهُمَا جَزَمَا فِي بَابِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بَيَانًا، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْبَيَانَ إخْبَارٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ اللَّفْظُ وَالتَّعْيِينِ اخْتِيَارُ شَهْوَةٍ، وَالْجِمَاعُ يَقْتَضِيهِ فِيمَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بِالْفِعْلِ
، (وَإِنْ يُؤَخِّرْهُ) أَيْ التَّعْيِينَ مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِ تَأْخِيرِهِ عَصَى، (كَفِي الْبَيَانِ) أَيْ: كَمَا أَنَّهُ إنْ أَخَّرَ الْبَيَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ (عَصَى) لِوُجُوبِهِمَا عَلَى الْفَوْرِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْحَبْسِ، فَإِنْ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ إنَّهُ يُقْبَلُ بَيَانُهُ إلَخْ) وَعَلَيْهِ فَلَوْ نَازَعَهُ وَارِثُ مَنْ بَيَّنَهَا لِلنِّكَاحِ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْوَارِثُ وَقُضِيَ لَهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا لَوْ بَيَّنَ الزَّوْجُ دُونَ مَا إذَا عَيَّنَ، كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بِرّ.
(قَوْلُهُ لَا بِأَنْ يُجَامِعَا) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْبَيَانَ لَا يَحْصُلُ بِالْوَطْءِ مُطْلَقًا، وَأَنَّ التَّعْيِينَ يَحْصُلُ بِهِ فِي الْعِتْقِ دُونَ النِّكَاحِ كَمَا سَيُقَرِّرُهُ الشَّارِحُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَعْصِي بِالْوَطْءِ، إلَّا فِي الْأَمَتَيْنِ إذَا أَعْتَقَ إحْدَاهُمَا مُبْهَمَةً؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ يَحْصُلُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، لَكِنْ هَلْ يَتَوَقَّفُ جَوَازُهُ عَلَى قَصْدِ التَّعْيِينِ؟ الظَّاهِرِ: نَعَمْ أَخْذًا مِنْ نَظِيرِهِ فِي الصَّوْمِ بِرّ. (قَوْلُهُ وَلِلْمُجَامَعَةِ أَنْ تُحَلِّفَهُ) يَنْبَغِي اخْتِصَاصُ هَذَا بِمَسْأَلَةِ الْبَيَانِ بِرّ، وَكَتَبَ أَيْضًا أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيَانِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي: وَإِذَا عَيَّنَ فَلَا دَعْوَى لَهَا إلَخْ وَقَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَهَا عِبَارَةُ غَيْرِهِ: أَنَّهُ مَا نَوَاهَا.
(قَوْلُهُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا قَائِلَانِ بِهِ) وَبِهِ جَزَمَ الْأَنْوَارُ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ) وَفِي شَرْحِ الرَّوْض أَنَّهُ الْأَوْجَهُ لِلِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهَا طَلَقَتْ بِاللَّفْظِ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ لَمْ يُتَدَارَكْ بِهِ) ، فَإِنَّ الْمِلْكَ يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ ابْتِدَاءً كَالِاحْتِطَابِ، فَيُتَدَارَكُ بِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقْصِدَ بِالْوَطْءِ التَّعْيِينَ، بَلْ الشَّرْطُ عَدَمُ الصَّارِفِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ حَجَرٌ
(قَوْلُهُ عَصَى) حَمَلَهُ فِي الْخَادِمِ عَلَى مَا إذَا كَذَّبَتَاهُ، وَقَدْ أَسْلَفْنَا مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعِصْيَانُ مَعَ الْعِلْمِ، وَإِنْ صَدَّقَتَاهُ بِرّ.
ــ
[حاشية الشربيني]
الزَّوْجَاتِ مُمْتَنِعٌ، وَلَا يَتَمَيَّزُ إمْسَاكُهَا عَنْ إمْسَاكِهِنَّ، إلَّا بِالْبَيَانِ أَوْ التَّعْيِينِ، وَإِلَّا فَإِمْسَاكُ الزَّوْجَاتِ مُنْسَحِبٌ عَلَيْهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ كَرَدٍّ بِعَيْبٍ وَاسْتِلْحَاقِ نَسَبٍ اهـ. م ر أَيْ: وَأُخِذَ بِشُفْعَةٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ، وَهُوَ إرْثُ مُورِثِهِ أَوْ حِرْمَانُهُ اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْله أَنَّهُ يُقْبَلُ بَيَانُهُ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ مَاتَتَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ إحْدَاهُمَا قَبْلَهُ وَالْأُخْرَى بَعْدَهُ، أَوْ لَمْ تَمُتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، أَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، اهـ. شَرْحُ م ر. وَإِنَّمَا قُبِلَ فِي الْبَيَانِ لِإِمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عَلَى النِّيَّةِ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ اهـ. شَيْخُنَا ذ.
(قَوْلُهُ لَنْ يَلْتَزِمَا) سَوَاءٌ الْبَيَانُ وَالتَّبْيِينُ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ عَنْ حَجَرٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا إلَخْ) هَذَا قَاصِرٌ عَلَى التَّعْيِينِ، إذْ لَيْسَ الْعِبْرَةُ بِغَرَضِهِ فِي الْبَيَانِ، بَلْ بِمُرَادِ الْمُورِثِ فَلَعَلَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَهَا) الظَّاهِرُ عَلَى أَنَّهُ مَا أَرَادَهَا، وَيُمْكِنُ إرْجَاعُ ضَمِيرِ أَرَادَهَا لِغَيْرِهَا الْمَذْكُورِ قَبْلُ. (قَوْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْيِينِ) هِيَ قَوْلُهُ فِيمَا سَبَقَ، فَإِنْ عَيَّنَ الطَّلَاقَ فِي الْمُجَامَعَةِ إلَى أَنْ قَالَ حُدَّ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا قَدَّمَاهُ) ، فَإِنَّهُمَا قَدَّمَا مَسْأَلَةَ الْبَيَانِ وَقَالَا: فَإِنْ بَيَّنَ الطَّلَاقَ فِي الْمَوْطُوءَةِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، إنْ كَانَ بَائِنًا. (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لَائِحٌ) وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قِيلَ: إنَّ الطَّلَاقَ مِنْ التَّعْيِينِ لَا مِنْ الْإِيقَاعِ، وَأَمَّا فِي الْبَيَانِ فَهُوَ مِنْ الْإِيقَاعِ جَزْمًا فَلِشُبْهَةِ ذَلِكَ الْقَوْلِ يَمْتَنِعُ الْحَدُّ فِي