امْتَنَعَ حُبِسَ وَعُزِّرَ وَلَا يُقْنَعُ بِقَوْلِهِ: نَسِيت الْمُعَيَّنَةَ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي وَرَّطَ نَفْسَهُ، وَإِذَا بَيَّنَ فَلِلْأُخْرَى أَنْ تَدَّعِيَ عَلَيْهِ أَنَّك نَوَيْتنِي وَتُحَلِّفَهُ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَطَلُقَتَا أَوْ عَتَقَتَا، وَإِذَا عَيَّنَ فَلَا دَعْوَى لَهَا؛ لِأَنَّهُ اخْتِيَارٌ يُنْشِئُهُ، هَذَا كُلُّهُ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ، أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَلَا يَلْزَمُهُ فِيهِ تَعْيِينٌ وَلَا بَيَانٌ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ فَهُوَ يَرِثُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا. وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ: كَفَى الْبَيَانُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا مَرَّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيَجُوزُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّ جَمِيعَ مَا ثَبَتَ لِلتَّعْيِينِ ثَابِتٌ لِلْبَيَانِ عَلَى مَا مَرَّ.
(تَنْبِيهٌ) قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَمْهَلَ لَا يُمْهَلُ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُمْهَلُ لِقَوْلِ الرُّويَانِيِّ فِيمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ يُمْهَلُ إذَا اسْتَمْهَلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهَذَا صَحِيحٌ فِيمَا إذَا عَيَّنَ وَنَسِيَ أَوْ أَبْهَمَ، فَإِنْ عَيَّنَ وَلَمْ يَدَّعِ النِّسْيَانَ، فَلَا وَجْهَ لِلْإِمْهَالِ (وَلَوْ قَدْ مَاتَتْ الثِّنْتَانِ) أَيْ الزَّوْجَتَانِ أَوَالْأَمَتَانِ، فَإِنَّهُ يَعْصِي بِتَأْخِيرِ التَّعْيِينِ وَالْبَيَانِ، (وَلَهُمَا) عَلَى الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ (إلَيْهِ) أَيْ التَّعْيِينِ أَوْ الْبَيَانِ (إنْفَاقٌ) لِحَبْسِهِمَا عِنْدَهُ حَبْسَ الزَّوْجَاتِ وَالْمَمَالِيكِ، وَإِذَا عَيَّنَ أَوْ بَيَّنَ لَا يَسْتَرِدُّ الْمَدْفُوعَ لِلْمُطَلَّقَةِ أَوْ الْعَتِيقَةِ لِذَلِكَ، (وَفِي) قَوْلِهِ مُشِيرًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْبَيَانِ (أَرَدْتُ) لِلطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ (ذِي بَلْ تِلْكَ) أَوْ بِدُونِ بَلْ، كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَبِهِ صَرَّحَ مِنْ زِيَادَته بِقَوْلِهِ (أَوْ بَلْ تَنْتَفِي) سَوَاءٌ أَتَى بِبَدَلِهَا أَمْ لَا، كَقَوْلِهِ: هَذِهِ وَتِلْكَ أَوْ هَذِهِ مَعَ تِلْكَ أَوْ هَذِهِ تِلْكَ (فَقَدْ أَقَرَّ لَهُمَا) بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ فَيُحْكَمُ بِهِ، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ، وَيُؤَاخَذُ بِالثَّانِي لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ كَمَا لَوْ قَالَ: عَلَيَّ دِرْهَمٌ، بَلْ دِينَارٌ قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذَا فِي الظَّاهِرِ، أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَالْمُطَلَّقَةُ مَنْ نَوَاهَا فَقَطْ، فَإِنْ نَوَاهُمَا جَمِيعًا فَالْوَجْهُ أَنَّهُمَا لَا تَطْلُقَانِ، إذْ لَا وَجْهَ لِحَمْلِ إحْدَاهُمَا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، أَيْ فَتَطْلُقُ إحْدَاهُمَا فَقَطْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَبَّادِيُّ.
وَيُقَاسُ بِالْمُطَلَّقَةِ الْعَتِيقَةُ، وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ أَوْ هَذِهِ فَالْإِبْهَامُ بَاقٍ، وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ ثُمَّ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ فَهَذِهِ حُكِمَ بِطَلَاقِ الْأُولَى فَقَطْ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ، لِفَصْلِ الثَّانِيَةِ بِالتَّرْتِيبِ، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْقَاضِي فِي ثُمَّ، وَمِثْلُهَا الْفَاءُ، وَاعْتَرَضَهُ بِتَضَمُّنِ الْكَلَامِ الِاعْتِرَافَ بِالطَّلَاقِ فِيهِمَا، فَلْيُحْكَمْ بِوُقُوعِهِ فِيهِمَا كَمَا فِي الْوَاوِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْحَقُّ الِاعْتِرَاضُ لَكِنْ رَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ الْأَوَّلَ، قَالَ فِيهَا: كَأَصْلِهَا وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: هَذِهِ بَعْدَ هَذِهِ تَطْلُقُ الْمُشَارُ إلَيْهَا ثَانِيًا وَحْدَهَا أَوْ: هَذِهِ قَبْلَ هَذِهِ أَوْ بَعْدَهَا هَذِهِ تَطْلُقُ الْمُشَارُ إلَيْهَا أَوَّلًا وَحْدَهَا.
وَقِيَاسُ الِاعْتِرَاضِ أَنْ تَطْلُقَا مَعًا فِي الصُّورَتَيْنِ، (أَوْ قِيلَا) أَيْ أَوْ قَالَ فِي التَّعْيِينِ: (عَيَّنْتُ ذِي وَذِي) أَوْ ذِي، بَلْ ذِي أَوْ ذِي ثُمَّ ذِي أَوْ ذِي فَذِي أَوْ ذِي ذِي، (فَذَا) تَعْيِينٌ (لِلْأُولَى) لِلطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ وَلَغَا ذِكْرُ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ إنْشَاءُ اخْتِيَارٍ لَا إخْبَارٌ عَنْ سَابِقٍ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا اخْتِيَارُ وَاحِدَةٍ فَيَلْغُو ذِكْرُ اخْتِيَارِ غَيْرِهَا.
(فَرْعٌ) لَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَقَالَ مُشِيرًا إلَى إحْدَاهُمَا: امْرَأَتِي طَالِقٌ وَقَالَ: أَرَدْت الْأُخْرَى قُبِلَ وَبَطَلَتْ الْإِشَارَةُ وَقِيلَ: تَطْلُقَانِ مَعًا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ.
(وَالزَّوْجُ إنْ عَلَّقَهُ بِأَنْ هَلَكْ مُوَرِّثٌ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ وَإِذَا عَيَّنَ فَلَا) قَدْ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ كَانَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالتَّعْيِينِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ) يُؤْخَذُ مِنْهُ التَّقْيِيدُ بِقَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ) إشَارَةٌ إلَى نَحْوِ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ الْمُجَامَعَةَ لِلطَّلَاقِ، هَلْ يُحَدُّ؟ فِيهِ التَّرَدُّدُ الَّذِي بَيَّنَهُ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ بِتَأْخِيرِ التَّعْيِينِ وَالْبَيَانِ) لِتَبَيُّنِ حَالِ الْإِرْثِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَدْ مَاتَتْ الثِّنْتَانِ) ثُمَّ إذَا بَيَّنَ فَلِلْوَارِثِ أَنْ يُنَازِعَهُ فِي الَّتِي بَيَّنَهَا وَيَطْلُبَ يَمِينَهُ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ وَارِثُهَا، وَلَا مِيرَاثَ لِلزَّوْجِ مِنْهَا بِرّ. (قَوْلُهُ وَالْبَيَانِ) لِيَتَبَيَّنَ حَالُ الْإِرْثِ (قَوْلُهُ عَنَيْت ذِي وَذِي إلَخْ)
ــ
[حاشية الشربيني]
التَّعْيِينِ لَا فِي الْبَيَانِ اهـ. ذ.
(قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ فِيهِ تَعْيِينٌ) فِيهِ أَنَّهَا لَا تَبْتَدِئُ عِدَّةً، إلَّا بِالتَّعْيِينِ فَيُؤَدِّي إلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّعْيِينِ فِي الرَّجْعِيَّةِ، فَالْوَجْهُ وُجُوبُ التَّعْيِينِ فَوْرًا حَتَّى فِي الرَّجْعِيَّةِ لِأَجْلِ أَنْ يَبْتَدِئَ فِي الْعِدَّةِ اهـ. قُوَيْسَنِيٌّ اهـ. مَرْصَفِيٌّ، وَقَدْ يُقَالُ: حَيْثُ حُكِمَ بِأَنَّهَا زَوْجَةٌ زَالَ الْإِشْكَالُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَلَا بَيَانٌ) أَيْ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ وَإِلَّا وَجَبَ اهـ. شَيْخُنَا ذ. (قَوْلُهُ إنَّ جَمِيعَ مَا ثَبَتَ إلَخْ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَيَانٌ لِحَاصِلِ الْمَعْنَى وَأَنَّهُ تَشْبِيهٌ مَقْلُوبٌ. (قَوْلُهُ فَإِنْ نَوَاهُمَا جَمِيعًا إلَخْ) وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا مَرَّ فِي هَذِهِ مَعَ تِلْكَ، بِأَنَّ ذَاكَ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ فَنَاسَبَ التَّغْلِيظَ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ حَيْثُ الْبَاطِنُ فَعَمِلْنَا بِقَضِيَّةِ النِّيَّةِ الْمُوَافِقَةِ لِلَّفْظِ دُونَ الْمُخَالِفَةِ لَهُ اهـ. م ر وَحَجَرٌ. قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ أَيْ الْإِمَامِ: فَإِنْ نَوَاهُمَا جَمِيعًا أَيْ بِقَوْلِهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَالْوَجْهُ أَنَّهُمَا لَا تَطْلُقَانِ أَيْ مَعًا، بَلْ تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ فَقَطْ وَيُخْرَجُ فِي هَذِهِ مِنْ الْبَيَانِ إلَى التَّعْيِينِ كَمَا مَرَّ، وَيُحْكَمُ بِطَلَاقِ الْأُولَى مِنْهُمَا اهـ. أَيْ: وَأَمَّا قَوْلُهُ سَابِقًا هَذِهِ وَتِلْكَ أَوْ هَذِهِ مَعَ تِلْكَ، فَهُوَ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيَانِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَتْ الصِّيغَةُ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ كَمَا تَقَدَّمَ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: أَرَدْت بِإِحْدَاكُمَا هُمَا جَمِيعًا، بَلْ قَالَ: أَرَدْت لِلطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ هَذِهِ وَتِلْكَ أَوْ هَذِهِ مَعَ تِلْكَ، فَهُوَ إقْرَارٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ فَيُعْمَلُ بِهِ ظَاهِرًا فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ لِفَصْلِ الثَّانِيَةِ بِالتَّرْتِيبِ) أَيْ: وَهُوَ مُرَجِّحٌ قَوِيٌّ فَلَمْ يُنْظَرْ مَعَهُ لِتَضَمُّنِ كَلَامِهِ لِلِاعْتِرَافِ لَهُمَا اهـ. م ر وَبِهِ يَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ الْآتِي، وَقَدْ يُدْفَعُ أَيْضًا: بِأَنَّ الِاعْتِرَافَ بِمَا لَا يَحْتَمِلُهُ الْكَلَامُ غَيْرُ صَحِيحٍ، إذْ يَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ قَصْدُ طَلَاقَيْنِ لِامْرَأَتَيْنِ مُرَتَّبَيْنِ بِلَفْظِ: