للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى ذَلِكَ (وَهْوَ مَيْلُ الرَّافِعِي) فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْإِمَامِ بَعْدَ نَقْلِهِمَا الْإِطْلَاقَ عَنْ الْقَاضِي وَجَرَى فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَكَلَامُ الْإِمَامِ يَأْتِي أَيْضًا فِي الرُّمَّانَةِ فِيمَا إذَا بَقِيَ بَعْضُ حَبَّةٍ

(وَذُو اتِّهَامٍ) لِزَوْجَتِهِ بِسَرِقَةٍ (قَالَ) لَهَا: (إنْ لَمْ تَصْدُقِي) هَلْ سَرَقْت أَمْ لَا؟ ؛ فَأَنْت طَالِقٌ (بَرَّ بِقَدْ) أَيْ بِقَوْلِهَا: قَدْ (سَرَقْتُهُ لَمْ أَسْرِقِي) ؛ لِأَنَّ أَحَدَ هَذَيْنِ الْإِخْبَارَيْنِ صِدْقٌ، وَقَدْ أَخْبَرَتْهُ بِهِ، نَعَمْ إنْ قَصَدَ تَعْيِينًا فَلَا يَبَرُّ بِذَلِكَ، (وَالْخَبَرُ الْأَوَّلُ إنْ صِدْقًا ظَهَرْ) فَهُوَ (بِشَارَةٌ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا، فَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: مَنْ بَشَّرَتْنِي مِنْكُمَا بِكَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَبَشَّرَتْهُ بِهِ إحْدَاهُمَا طَلَقَتْ، أَوْ كِلْتَاهُمَا مَعًا طَلُقَتَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: مَنْ أَكَلَ مِنْكُمَا هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَتَاهُ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ أَصْلًا، إذْ لَمْ تَأْكُلْهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا.

وَالْبِشَارَةُ لَفْظٌ عَامٌّ لَا يَنْحَصِرُ فِي وَاحِدَةٍ فَيَصْدُقُ اسْمُهَا بِبِشَارَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا، قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَلَوْ أَخْبَرَتَاهُ مُرَتَّبًا طَلَقَتْ الْأُولَى إنْ صَدَقَتْ، وَإِنْ صَدَقَتْ الثَّانِيَةُ وَحْدَهَا طَلَقَتْ، وَلَوْ شَاهَدَهُ أَوْ بَشَّرَهُ بِهِ أَجْنَبِيٌّ ثُمَّ أَخْبَرَتْهُ بِهِ إحْدَاهُمَا لَمْ تَطْلُقْ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ: أَنَّ الْبِشَارَةَ تَصْدُقُ بِالْخَبَرِ السَّارِّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ لُغَةً؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَغَيُّرِ الْبَشَرَةِ، وَأَمَّا عُرْفًا، وَهُوَ الْمُرَادُ فَتَخْتَصُّ بِالسَّارِّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَحْرِيرِهِ: الْبِشَارَةُ هِيَ الْخَبَرُ الَّذِي يُغَيِّرُ الْبَشَرَةَ سُرُورًا أَوْ حُزْنًا لَكِنَّهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلسُّرُورِ، فَإِنْ أُرِيدَ الْحُزْنُ قُيِّدَتْ قَالَ تَعَالَى فِي الْأَوَّلِ: {فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزمر: ١٧] وَفِي الثَّانِي {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: ٢١] اهـ وَمَحَلُّهُ إذَا أَطْلَقَ كَقَوْلِهِ: مَنْ بَشَّرَتْنِي بِخَيْرٍ أَوْ أَمْرٍ عَنْ زَيْدٍ، فَلَوْ قَيَّدَ كَقَوْلِهِ: مَنْ بَشَّرَتْنِي بِقُدُومِ زَيْدٍ فَهِيَ طَالِقٌ، اُكْتُفِيَ بِصِدْقِ الْخَبَرِ، وَإِنْ كَانَ كَارِهًا لَهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَتَحْصُلُ الْبِشَارَةُ بِالْقَوْلِ وَبِالْمُكَاتَبَةِ لَا بِالْإِرْسَالِ، فَإِنَّ الْمُبَشِّرَ هُوَ الرَّسُولُ ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَقُلْ: فُلَانَةُ تُبَشِّرُك بِكَذَا أَوْ أَرْسَلَتْنِي لِأُخْبِرَك بِكَذَا، فَإِنْ قَالَهُ فَهِيَ الْمُبَشِّرَةُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْعِتْقِ فِي كِتَابِ التَّدْبِيرِ.

(وَالصِّدْقُ وَالْكِذْبُ خَبَرْ) فَلَوْ قَالَ: مَنْ أَخْبَرَتْنِي مِنْكُمَا بِكَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَخْبَرَتَاهُ صَادِقَتَيْنِ أَوْ كَاذِبَتَيْنِ، أَوْ إحْدَاهُمَا صَادِقَةً وَالْأُخْرَى كَاذِبَةً مَعًا، أَوْ مُرَتَّبًا طَلُقَتَا؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ يَقَعُ عَلَى الصِّدْقِ وَالْأَوَّلِ وَغَيْرِهِمَا. (وَمَسُّ أَوْ قَذْفُ سِوَى الْأَحْيَاءِ) جَمْعُ حَيٍّ (وَرَأْيُهُ) أَيْ رَأْيُ سِوَى الْأَحْيَاءِ بِمَعْنَى رُؤْيَتِهِ أَيْ: وَمَسُّ الْمَيِّتِ أَوْ قَذْفُهُ أَوْ رُؤْيَتُهُ كَمَسِّ الْحَيِّ وَقَذْفِهِ وَرُؤْيَتِهِ، فَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِمَسِّ زَيْدٍ أَوْ قَذْفِهِ أَوْ رُؤْيَتِهِ طَلَقَتْ بِوُجُودِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ حَيًّا أَمْ مَيِّتًا، لِصِدْقِ الِاسْمِ فِي الْحَالَيْنِ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الرَّائِي أَوْ الْمَرْئِيِّ مَجْنُونًا أَوْ سَكْرَانَ، وَتَكْفِي رُؤْيَةُ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ، وَإِنْ قَلَّ وَيُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ صِدْقُ رُؤْيَتِهِ كُلِّهِ عُرْفًا، فَقَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَلَا يَخْتَصُّ رُؤْيَتُهُ بِالْوَجْهِ حَتَّى لَوْ بَانَ صَدْرُهُ أَوْ بَطْنُهُ أَوْ ظَهْرُهُ أَوْ رَأْسُهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ، فَأَمَّا إذَا أَخْرَجَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ مِنْ كُوَّةٍ فَرَأَتْ ذَلِكَ الْعُضْوَ مِنْهُ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ تَقْبِيلُ زَوْجَتِهِ مَيِّتَةً كَتَقْبِيلِهَا حَيَّةً، بِخِلَافِ تَقْبِيلِ وَالِدَتِهِ، فَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ قَبَّلْتُك فَضَرَّتُك طَالِقٌ فَقَبَّلَهَا مَيِّتَةً لَمْ يَحْنَثْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِوَالِدَتِهِ: إنْ قَبَّلْتُك فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَقَبَّلَهَا مَيِّتَةً، إذْ قُبْلَةُ الزَّوْجَةِ قُبْلَةُ شَهْوَةٍ، وَلَا شَهْوَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقُبْلَةُ الْأُمِّ قُبْلَةُ كَرَامَةٍ.

(وَ) رُؤْيَتُهُ (فِي صَفَاءِ الْمَاءِ) الَّذِي لَا يَمْنَعُ إدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ، كَرُؤْيَتِهِ خَارِجَ الْمَاءِ وَمِثْلُهُ رُؤْيَتُهُ مِنْ وَرَاءِ زُجَاجٍ شَفَّافٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَلَوْ قَالَ لِعَمْيَاءَ: إنْ رَأَيْت فُلَانًا فَأَنْت طَالِقٌ، فَهُوَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ تَصْحِيحِ الْإِمَامِ تَعْلِيقٌ بِمُسْتَحِيلٍ فَلَا تَطْلُقُ.

(وَرُؤْيَةُ الْغَيْرِ) أَيْ غَيْرِ الْمُعَلَّقِ بِرُؤْيَتِهِ (الْهِلَالَ وَتَمَامْ عِدَّتِهِ) أَيْ الشَّهْرِ كَرُؤْيَةِ الْمُعَلَّقِ بِرُؤْيَةٍ، فَلَوْ قَالَ: إنْ رَأَيْت الْهِلَالَ فَأَنْت طَالِقٌ فَرَآهُ غَيْرُهَا أَوْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ، لَكِنْ تَمَّ عَدَدُ الشَّهْرِ طَلَقَتْ كَمَا لَوْ رَأَتْهُ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى الْعِلْمِ

ــ

[حاشية العبادي]

بِعَدَمِ الْفَرْقِ حَجَرٌ. (قَوْلُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ) بِمَعْنَى أَنَّهُمَا أَطْلَقَا لَا أَنَّهُمَا نَصَّا عَلَى الْإِطْلَاقِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُمْنَعُ أَنَّهُمَا أَطْلَقَا، فَإِنَّ قَوْلَهُمَا: فَبَقِيَ لُبَابَةٌ أَوْ حَبَّةٌ لَمْ يَحْنَثْ رُبَّمَا أَشْعَرَ بِأَنَّ مَا يَدِقُّ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم.

(قَوْلُهُ أَوْ كِلْتَاهُمَا مَعًا) هَلْ الْعِبْرَةُ فِي الْمَعِيَّةِ بِأَوَّلِ اللَّفْظِ أَوْ بِآخِرِهِ أَوْ بِهِمَا؟ فِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ) أَيْ: حَتَّى بَاعَدَ اسْتِشْكَالَ الرَّافِعِيِّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِرّ. (قَوْلُهُ أَوْ بَشَّرَهُ بِهِ أَجْنَبِيٌّ) يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرِدَ هُنَا عَلَى تَفْسِيرِ الْمَتْنِ، إذْ خَبَرُ الزَّوْجَةِ بَعْدَ الْأَجْنَبِيِّ لَيْسَ خَبَرًا أَوَّلًا فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَمْ تَطْلُقْ) فَتَفْسِيرُ الْمَتْنِ مُحْتَاجٌ إلَى التَّقْيِيدِ.

(قَوْلُهُ أَوْ رُؤْيَتِهِ) وَلَوْ عَلَّقَ بِرُؤْيَتِهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَرَادَ الرُّؤْيَةَ الْحَقِيقِيَّةَ أَوْ الْمَنَامِيَّةَ عُمِلَ بِإِرَادَتِهِ، وَقُبِلَ قَوْلُهَا فِي رُؤْيَتِهَا الْمَنَامِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا حُمِلَتْ عَلَى الرُّؤْيَةِ الْحَقِيقِيَّةِ م ر. (قَوْلُهُ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الرَّائِي) هَذَا فِي التَّعْلِيقِ بِرُؤْيَتِهَا إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا حُمِلَ عَلَى مُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ، نَعَمْ يُحْتَمَلُ أَنَّ السَّكْرَى الْمُتَعَدِّيَةَ كَالصَّاحِيَةِ، وَكَذَا غَيْرُ الْمُتَعَدِّيَةِ إنْ بَقِيَ تَمْيِيزُهَا. (قَوْلُهُ رُؤْيَةُ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ) أَيْ بِلَا حَائِلٍ، وَكَذَا الْمَسُّ بِرّ قَدْ يُخْرِجُ شَعْرَهُ. (قَوْلُهُ مِنْ كُوَّةٍ) بِخِلَافِ لَوْ رَأَتْ وَجْهَهُ مِنْهَا فَتَطْلُقُ بِرّ. (قَوْلُهُ تَعْلِيقٌ بِمُسْتَحِيلٍ) فَقَدْ حُمِلَتْ الرُّؤْيَةُ هُنَا عَلَى الْمُعَايَنَةِ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى الْعِلْمِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَعَلَى اعْتِبَار الْعِلْمِ يُشْتَرَطُ الثُّبُوتُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، أَوْ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِهِ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ فَاسِقٌ فَصَدَّقَهُ فَالظَّاهِرُ مُؤَاخَذَتُهُ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ اهـ. وَقَضِيَّةُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ إنْ رَأَيْت إنْ حَصَلَ الْعِلْمُ، وَإِنْ

ــ

[حاشية الشربيني]

لِلْقَلْيُوبِيِّ (قَوْلُهُ بَعْضُ حَبَّةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَبَّةَ يَبَرُّ بِهَا، وَلَوْ صَغُرَتْ جِدًّا قَالَ فِي التُّحْفَةِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ: هُوَ كَذَلِكَ.

(قَوْلُهُ شَاهَدَهُ) أَيْ هُوَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>