الطَّلَاقِ وَانْمَحَى الْبَاقِي بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ قِرَاءَتُهُ، فَهُوَ كَقُدُومِهِ، وَقَدْ سَلِمَ كُلُّهُ فَلَوْ قَالَ: إذَا قَدِمَ عَلَيْك أَوْ جَاءَك أَوْ أَتَاك أَوْ وَصَلَك كِتَابِي أَوْ طَلَاقِي فَأَنْت طَالِقٌ فَقَدِمَ، وَقَدْ انْمَحَى جَمِيعُهُ إلَّا مَوْضِعَ الطَّلَاقِ طَلَقَتْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَاقٍ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ ثُمَّ قَالَا: وَقِيلَ: إنْ قَالَ: إذَا جَاءَك كِتَابِي وَقَعَ؛ لِأَنَّهُ جَاءَهَا كِتَابُهُ أَوْ الْكِتَابُ أَوْ كِتَابِي هَذَا، فَلَا إذْ لَمْ يَجِئْهَا جَمِيعُهُ قَالَا: وَيَحْسُنُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ، أَمَّا إذَا انْمَحَى كُلُّهُ أَوْ مَوْضِعُ الطَّلَاقِ فَقَطْ، فَلَا وُقُوعَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِسَلَامَةِ اللَّفْظِ الْمُوقِعِ لِلطَّلَاقِ فَقَطْ لَا سَطْرِهِ.
(وَالْقَذْفُ وَالْقَتْلُ بِمَسْجِدٍ بِهِ) أَيْ فِيهِ (قَاذِفُهُ وَفِيهِ مَقْتُولٌ) أَيْ: وَالْقَذْفُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْقَاذِفُ فِيهِ كَالْقَذْفِ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا فِيهِ، وَالْقَتْلُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَقْتُولُ فِيهِ كَالْقَتْلِ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا فِيهِ، فَلَوْ قَالَ: إنْ قَذَفْت فُلَانًا فِي الْمَسْجِدِ أَوَقَتَلْته فِيهِ فَأَنْت طَالِقٌ فَقَذَفَتْهُ، وَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ قَتَلَتْهُ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ طَلَقَتْ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ فِي الْأُولَى وَالْقَاتِلُ فِي الثَّانِيَةِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، إذْ قَرِينَةُ الْحَالِ تُشْعِرُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِامْتِنَاعُ عَمَّا يَهْتِكُ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ، وَهَتْكُهَا بِالْقَذْفِ إنَّمَا يَحْصُلُ إذَا كَانَ الْقَاذِفُ فِيهِ وَبِالْقَتْلِ إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ فِيهِ، فَلَوْ قَالَ: أَرَدْت الْعَكْسَ قُبِلَ ظَاهِرًا لِصَلَاحِيَةِ اللَّفْظِ لَهُ، وَلَوْ قَالَ: إنْ قَذَفْت أَوْ قَتَلْت فِي الدَّارِ رُوجِعَ، إذْ لَا قَرِينَةَ، وَالضَّمِيرُ فِي قَاذِفِهِ يَرْجِعُ إلَى الْقَذْفِ أَوْ الْمَقْذُوفِ.
وَقَوْلُهُ (كَهِيَ) خَبَرُ مَسٍّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ أَيْ: هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِهَذِهِ الْأَحْوَالِ كَهِيَ بِدُونِهَا كَمَا تَقَرَّرَ، لَكِنَّ تَقْدِيرَ هَذَا فِي قَوْلِهِ: كُلُّ مَا يُسَمَّى بِعَيْنٍ بَعِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى فَفِي قَوْلِهِ: كَهِيَ تَغْلِيبٌ وَعَطْفٌ عَلَى مَسٍّ. قَوْلُهُ (لَا مَسُّ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ) وَسِنِّهِ وَكُلِّ عُضْوٍ مُنْفَصِلٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَمَسِّهِ (وَلَا رُؤْيَةُ زَيْدٍ فِي الْمِرَاةِ) بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ إلَى الرَّاءِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ كَرُؤْيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَأَى خَيَالَهُ، نَعَمْ إنْ عَلَّقَ بِرُؤْيَتِهَا وَجْهَهَا، فَرَأَتْهُ فِي الْمِرْآةِ طَلَقَتْ، إذْ لَا يُمْكِنُهَا رُؤْيَتُهُ إلَّا كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ فِيمَا لَوْ عَلَّقَ بِرُؤْيَتِهِ وَجْهَهُ، وَزَادَ قَوْلَهُ (مَثَلَا) لِيَدْخُلَ رُؤْيَةُ خَيَالِهِ فِي الْمَاءِ وَنَحْوِهِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ إنَّهُ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمَرْئِيَّ فِي الْمِرْآةِ لَيْسَ نَفْسَ زَيْدٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِثَالُهُ بَعِيدٌ، (وَ) لَا (الْهَمْسُ بِالْكَلَامِ) وَهُوَ خَفْضُ الصَّوْتِ بِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ الْمُخَاطَبُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلَامًا، وَإِنْ أَفْهَمَ الْغَرَضَ اتِّفَاقًا، إذْ الْعِبْرَةُ فِي الْإِطْلَاقِ بِالْعَادَةِ (أَوْ مِنْ حَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ) أَيْ وَالْكَلَامُ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ الْكَلَامُ عَادَةً، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلَامًا (وَلَوْ بِرِيحٍ حَمَلَا) أَيْ: الْكَلَامُ مِنْ الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ حَتَّى سُمِعَ لِمَا قُلْنَاهُ (وَلَا الْقُدُومُ بِاَلَّذِي مَاتَ) فَإِنَّهُ لَيْسَ كَقُدُومِهِ حَيًّا، وَكَذَا الْقُدُومُ بِالْحَيِّ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَلَوْ بِاخْتِيَارِهِ فَالْمُرَادُ بِاخْتِيَارِهِ فِي قَوْلِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ: فَإِنْ قَدِمَ بِهِ بِاخْتِيَارِهِ طُلِقَتْ بِأَمْرِهِ لِيُوَافِقَ مَا فِيهَا فِي بَابِ الْأَيْمَانِ.
وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ: بِأَمْرِهِ وَاخْتِيَارِهِ، وَهِيَ أَحْسَنُ (وَلَا) الْفِعْلُ (مِنْ مُكْرَهٍ) عِلَّهْ (أَوْ نَاسٍ) لِلتَّعْلِيقِ بِهِ (أَوْ مَنْ جَهِلَا) أَنَّهُ الْمُعَلَّقُ بِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَالْفِعْلِ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَلَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِالْفِعْلِ لِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
ــ
[حاشية العبادي]
وَامْرَأَتُهُ بِالْقَاهِرَةِ مِنْ أَنْ مِصْرَ تُطْلَقُ عَلَى الْبَلَدِ الْمَعْرُوفَةِ، وَهِيَ مُغَايِرَةٌ لِلْقَاهِرَةِ، وَعَلَى الْإِقْلِيمِ وَمِنْهُ الْقَاهِرَةُ، فَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَحْنَثْ إنْ قُلْنَا: بِمَا نَقَلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَيَحْنَثُ إنْ قُلْنَا: بِمَا نَقَلَهُ الْآمِدِيُّ حَجَرٌ
(قَوْلُهُ أَوْ طَلَاقِي) أَوْ قَرَأْت كِتَابِي كَمَا يُفِيدُهُ عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ فَانْظُرْهُ.
(قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ: أَرَدْت إلَخْ) بَقِيَ مَا لَوْ قَالَ: أَرَدْت كَوْنَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا يَبْعُدُ الْقَبُولُ ظَاهِرًا، وَقَوْلُهُ قَبْلُ أَيْ بِيَمِينِهِ رَوْضٌ. (قَوْلُهُ إذْ لَا قَرِينَةَ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ كَوْنِهِمَا فِي الدَّارِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: قِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ حُمِلَ عَلَى اعْتِبَارِ كَوْنِهِمَا فِي الدَّارِ. (قَوْلُهُ لَكِنَّ تَقْدِيرَ هَذَا إلَخْ) أَقُولُ: وَيُشْكِلُ قَوْلُهُ وَقَدَّمَ كِتَابَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَعْرَابِ، إذْ لَا يَصْلُحُ لِلْعَطْفِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ، إلَّا أَنْ تُقَدَّرَ أَنْ الْمَصْدَرِيَّةِ أَيْ وَإِنْ قَدَّمَ إلَخْ فَلْيُتَأَمَّلْ سم. (قَوْلُهُ تَغْلِيبٌ) أَقُولُ: لَا تَغْلِيبَ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكُلُّ مَا يُسَمَّى بِعَيْنٍ غَيْرَ الْبَاصِرَةِ الْمَشْهُورَةِ فَهُوَ كَالْبَاصِرَةِ الْمَشْهُورَةِ بِرّ.
(قَوْلُهُ لَا مَسُّ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ) وَلَا مَسُّهُ بِشَعْرِهِ وَظُفْرِهِ كَمَا فِي الْإِرْشَادِ (قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ عَلَّقَ بِرُؤْيَتِهَا وَجْهَهَا) أَيْ وَلَمْ يَقْصِدْ رُؤْيَتَهُ الْحَقِيقِيَّةَ م ر. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَفْهَمَ الْغَرَضَ اتِّفَاقًا) أَيْ: وَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّهُ أَفْهَمَ الْغَرَضَ، هَذَا مُرَادُهُ فِيمَا يَظْهَرُ بِرّ. (قَوْلُهُ لِلتَّعْلِيقِ بِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ إنَّهُ الْمُعَلَّقُ بِهِ لَا الْحُكْمُ) كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ حَجَرٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَالْفِعْلِ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَوْ عَلَّقَ بِدُخُولِ نَحْوِ بَهِيمَةٍ أَوْ طِفْلٍ فَفَعَلَ غَيْرَ مُكْرَهٍ حَنِثَ، أَوْ مُكْرَهًا بِأَنْ أُلْجِئَ إلَى مَا لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عَنْهُ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ هُنَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ، إلَّا إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا، وَفَارَقَ الْوُقُوعَ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُعَلَّقُ بِفِعْلِهِ التَّعْلِيقَ، وَكَانَ مِمَّنْ لَا يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ أَوْ مِمَّنْ يُبَالِي وَلَمْ يَقْصِدْ الزَّوْجُ إعْلَامَهُ وَدَخَلَ مُكْرَهًا بِأَنَّ فِعْلَ الْآدَمِيِّ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ، وَإِنْ أَتَى بِهِ مُكْرَهًا وَلِهَذَا يَضْمَنُ بِهِ، بِخِلَافِ فِعْلِ الْبَهِيمَةِ فَكَأَنَّهَا حِينَ الْإِكْرَاهِ لَمْ تَفْعَلْ شَيْئًا، وَكَانَ وَجْهُ إلْحَاقهمْ الطِّفْلَ بِهَا هُنَا مَعَ أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْكَبِيرِ فِي الضَّمَانِ أَنَّهُ مِثْلُهَا فِي عَدَمِ الرُّؤْيَةِ، وَإِلْحَاقُهُ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ رُؤْيَةَ خَيَالِهِ فِي الْمَاءِ) بِأَنْ وَقَفَ خَارِجَ الْمَاءِ، وَرَأَى خَيَالَهُ فِيهِ أَمَّا رُؤْيَتُهُ، وَهُوَ فِي الْمَاءِ فَيَحْنَثُ بِهَا وَكَذَا رُؤْيَتُهُ مِنْ وَرَاءِ زُجَاجٍ اهـ. شَرْحُ م ر وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ مِنْ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ أَوْ نَاسٍ) أَيْ: وَلَوْ احْتِمَالًا بِأَنْ شَكَّ بَعْدَ الْفِعْلِ، هَلْ فَعَلَهُ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ لَا؟ فَلَا تَطْلُقُ، كَذَا فِي ق ل وَفِي حَجَرٍ تَرْجِيحُ خِلَافِهِ. (قَوْلُهُ أَنَّهُ الْمُعَلَّقُ بِهِ) أَيْ: إنَّ هَذَا الْفِعْلَ هُوَ الْمُعَلَّقُ بِهِ، وَأَمَّا التَّعْلِيقُ فَيَعْلَمُهُ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ أَنَّهُ الْمُعَلَّقُ بِهِ) أَمَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ الْمُعَلَّقُ بِهِ وَلَكِنْ جَهِلَ الْحُكْمَ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، إذْ لَا عِبْرَةَ بِجَهْلِ الْحُكْمِ كَمَنْ فَعَلَ نَاسِيًا فَظَنَّ الْوُقُوعَ وَانْحِلَالَ الْيَمِينِ فَفَعَلَ عَامِدًا بِدُونِ