وَالْحَاكِمُ: «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» أَيْ: لَا يُؤَاخِذُهُمْ بِهَا مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ كَضَمَانِ الْمُتْلَفِ، فَالْفِعْلُ مَعَهَا كَلَا فِعْلٍ سَوَاءٌ عَلَّقَ بِفِعْلِهِ أَمْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَقَصَدَ مَنْعَهُ مِنْهُ وَكَانَ (مُبَالِيًا) بِتَعْلِيقِهِ بِأَنْ يُرَاعِيَهُ وَيَحْرِصَ عَلَى إبْرَارِ قَسَمِهِ لِصَدَاقَةٍ أَوْ حَيَاءٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، (وَشَاعِرًا) أَيْ عَالِمًا بِهِ بِإِعْلَامِ الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ (فِي الْكُلِّ) أَيْ: كُلِّ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ الْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ، بِخِلَافِ مَنْ لَا يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ كَالسُّلْطَانِ وَالْحَجِيجِ أَوْ يُبَالِي بِهِ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ، وَلَمْ يَقْصِدْ الزَّوْجُ إعْلَامَهُ بِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، فَفِعْلُهُ مَعَ الْمَذْكُورَاتِ كَفِعْلِهِ بِدُونِهَا فَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ التَّعْلِيقِ بِالْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْمَنْعِ مِنْهُ، وَسَيَأْتِي فِيمَا إذَا لَمْ يَشْعُرْ بِهِ إشْكَالٌ (وَهَكَذَا الْيَمِينُ) بِاَللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ الدَّارَ، فَإِنَّ الْفِعْلَ مَعَ الْمَذْكُورَاتِ لَيْسَ كَالْفِعْلِ بِدُونِهَا، فَلَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ لِمَا مَرَّ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ؛ وَلِأَنَّ التَّعْوِيلَ فِي الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ عَلَى هَتْكِ حُرْمَةِ الِاسْمِ، وَلَا هَتْكَ مَعَ الْمَذْكُورَاتِ (دُونَ حَلِّ) أَيْ: انْحِلَالٍ لِلْيَمِينِ بِالْفِعْلِ مَعَ الْمَذْكُورَاتِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ إذَا كَانَ كَالْعَدَمِ لَمْ يَنْحَلَّ بِهِ الْيَمِينُ، فَلَوْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الْمَذْكُورَاتِ عَالِمًا مُخْتَارًا حَنِثَ.
(قُلْتُ رَأَى شَيْخِي) الْبَارِزِيُّ (الْوُقُوعَ) بِفِعْلِ مَنْ يُبَالِي بِالتَّعْلِيقِ (حَيْثُ لَا شُعُورَ) لَهُ (بِالتَّعْلِيقِ) كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْحَاوِي وَالْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ (أَمْرًا مُشْكِلَا مَعْ قَوْلِهِمْ بِعَدَمِ) وُقُوعِ (التَّطْلِيقِ
ــ
[حاشية العبادي]
بِالْكَبِيرِ فِي الضَّمَانِ إنَّمَا هُوَ احْتِيَاطٌ لِلْأَمْوَالِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ وَكَانَ مُبَالِيًا) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ قَصْدَ الْمَنْعِ لَا أَثَرَ لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْفَاعِلُ مُبَالِيًا أَوْ لَمْ يَكُنْ شَاعِرًا، أَوْ سَيَأْتِي اعْتِرَاضُ الْبَارِزِيِّ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي. (قَوْلُهُ أَيْ عَالِمًا بِهِ) أَيْ بِتَعْلِيقِهِ (قَوْلُهُ فِي الْكُلِّ) أَيْ الْمُبَالَاةُ وَالشُّعُورُ فِي الْكُلِّ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَنْ لَا يُبَالِي إلَخْ) ظَاهِرُهُ: وَإِنْ عَلِمَ وَقَصَدَ إعْلَامَهُ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقْصِدْ الزَّوْجُ إلَخْ) هَذَا تَقْيِيدٌ لِعِبَارَةِ الْكِتَابِ، زَادَهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لِيَدْفَعَ بِهِ اعْتِرَاضَ الْبَارِزِيِّ الْآتِيَ بِرّ. وَكَتَبَ أَيْضًا: أَفَادَ هَذَا أَنَّ الْمُبَالِيَ إذَا لَمْ يَشْعُرْ، فَإِنْ قَصَدَ الزَّوْجُ إعْلَامَهُ لَمْ يَقَعْ، وَإِلَّا وَقَعَ عَلَى وَفْقِ مَا يَأْتِي فِي جَوَابِ إشْكَالِ الْبَارِزِيِّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْغَرَضَ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ التَّعْلِيقِ إلَخْ) الظَّاهِرُ: أَنَّ قَصْدَ الْمَنْعِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، إلَّا إنْ كَانَ مَعَ الْمُبَالَاةِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فَمَا ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ الْحَلِفِ يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَهَكَذَا) أَيْ مِثْلُ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْفِعْلَ مَعَ الْمَذْكُورَاتِ لَيْسَ كَالْفِعْلِ بِدُونِهَا) وَمَحَلُّهُ فِي النِّسْيَانِ حَيْثُ لَمْ يُنْكِرْ الْحَالِفُ وُقُوعَهُ مِنْهُ، فَإِنْ أَنْكَرَهُ ثُمَّ ثَبَتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ لَمْ تَنْفَعْهُ حِينَئِذٍ دَعْوَى النِّسْيَانِ كَمَا أَفْتَيْت بِهِ اسْتِنْبَاطًا مِنْ كَلَامِهِمْ، ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ صَرَّحَ بِهِ وَأَقَرَّهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا يُؤَيِّدُهُ حَجَرٌ (قَوْلُهُ دُونَ حَلٍّ) يُمْكِن كَوْنُهُ حَالًّا
[حاشية الشربيني]
اسْتِنَادٍ لِإِفْتَاءٍ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا ذ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لِمَا فِي ع ش أَخْذًا مِنْ شَرْحِ م ر فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ وَقَصَدَ مَنْعَهُ) إنَّمَا ذَكَرَهُ مَعَ أَنَّهُ عِنْدَ قَصْدِ الْمَنْعِ، لَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَشَاعِرًا؛ لِأَنَّهُ مَعَ قَصْدِهِ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ بَيْنَ الشُّعُورِ وَعَدَمِهِ، لِيُتَوَجَّهَ إشْكَالُ الْبَارِزِيِّ إذْ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ لَمْ يَكُنْ الْوُقُوعُ مُشْكِلًا فِي كَلَامِ الْحَاوِي، يَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْحَاوِي، فَانْدَفَعَ مَا فِي الْحَاشِيَةِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ مَنَعَهُ مِنْهُ) أَيْ: أَوْ حَثَّهُ عَلَيْهِ وَبَقِيَ مِنْ أَقْسَامِ الْحَلِفِ مَا إذَا كَانَ لِتَحْقِيقِ الْخَبَرِ، وَحُكْمُهُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ الطَّلَاقِ أَنَّ الْأَمْرَ الْفُلَانِيَّ لَمْ يَكُنْ أَوْ كَانَ أَوْ سَيَكُونُ، أَوْ إنْ لَمْ أَكُنْ فَعَلْت أَوْ فُلَانٌ فَعَلَ، أَوْ هُوَ فِي الدَّارِ أَوْ لَيْسَ فِيهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَقَصَدَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي ظَنِّهِ أَوْ اعْتِقَادِهِ أَوْ أَطْلَقَ، فَلَا حِنْثَ، فَإِنْ قَصَدَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ حَنِثَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ فَظَهَرَ أَنَّ حُكْمَ الْإِطْلَاقِ هُنَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافُ حُكْمِهِ فِي التَّعْلِيقِ تَدَبَّرْ وَاعْلَمْ: أَنَّ عَدَمَ الْحِنْثِ فِي الْحَلِفِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ مَا يُطْلَبُ فِيهِ الْيَقِينُ.
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي الطَّبَقَاتِ: قَالَ الْأَصْحَابُ: فِيمَا إذَا قَالَ السُّنِّيُّ: إنْ لَمْ يَكُنْ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ مِنْ اللَّهِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَقَالَ الْمُعْتَزِلِيُّ: إنْ كَانَا مِنْ اللَّهِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَفِيمَا إذَا قَالَ السُّنِّيُّ: إنْ لَمْ يَكُنْ أَبُو بَكْرٍ أَفْضَلَ مِنْ عَلِيٍّ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَعَكَسَ الرَّافِضِيِّ يَقَعُ طَلَاقُ الْمُعْتَزِلِيِّ، وَالرَّافِضِيُّ صَرَّحَ بِهِ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيِّ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَلَفَ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ خَطَأَ الْمُعْتَزِلِيِّ وَالرَّافِضِيِّ فِيهِ قَطْعِيٌّ وَالْمَسْأَلَةُ قَطْعِيَّةٌ، فَلَا يَنْفَعُهُ الظَّنُّ اهـ. أَيْ: فَكَأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ، إذْ لَا عِبْرَةَ فِيهِ بِظَنِّهِ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَيْهِ، نَعَمْ هَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ نَوَى فِي ظَنِّهِ عُمِلَ بِهِ.
(قَوْلُهُ وَكَانَ مُبَالِيًا إلَخْ) لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعَ تَحَقُّقِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي قُوَّةِ الْحَلِفِ عَلَى عَدَمِ الْمُخَالَفَةِ مَعَ الْعَمْدِ وَالْعُلْمِ وَالِاخْتِيَارِ، وَمَعَ فَقْدِهَا أَوْ بَعْضِهَا كَالتَّعْلِيقِ الْمَحْضِ اهـ. شَيْخُنَا ذ. (قَوْلُهُ مُبَالِيًا) أَيْ: وَلَوْ احْتِمَالًا اهـ. ق ل بِأَنْ شُكَّ فِي كَوْنِهِ مُبَالِيًا حَالَ التَّعْلِيقِ، وَفِي حَجَرٍ تَرْجِيحُ خِلَافِهِ، وَالشَّرْطُ كَوْنُهُ مُبَالِيًا وَقْتَ التَّعْلِيقِ وَلَا نَظَرَ لِمَا بَعْدَهُ وَلَا لِمَا قَبْلَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْغَرَضَ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهُ قَصَدَ التَّعْلِيقَ فَتَخْرُجُ صُورَةُ الْإِطْلَاقِ، فَلَا يَقَعُ فِيهَا الطَّلَاقُ، وَقَدْ نَقَلَ سم فِي حَاشِيَةِ التُّحْفَةِ عَنْ م ر اعْتِمَادَهُ، لَكِنَّ فِي رِسَالَةِ شَيْخِنَا ذ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِطْلَاقَ فِي التَّعْلِيقِ كَإِرَادَةِ مُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ، بِخِلَافِهِ فِي الِالْتِزَامِ فَلْيُرَاجَعْ. وَفِي ع ش أَنَّ الْإِطْلَاقَ كَإِرَادَةِ التَّعْلِيقِ الْمُجَرَّدِ، وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ: الْمُتَّجِهُ عِنْدَ شَيْخِنَا أَنَّ الْإِطْلَاقَ كَقَصْدِ الْحَثِّ أَوْ الْمَنْعِ خِلَافًا لِحَجَرٍ اهـ. لَكِنْ اسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ الْقُوَيْسِنِيُّ كَلَامَ ع ش. (قَوْلُهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَشْعُرْ إلَخْ) أَيْ مَعَ قَصْدِ الْمَنْعِ إذْ لَا إشْكَالَ، إلَّا حِينَئِذٍ. (قَوْلُهُ حَنِثَ) إلَّا إذَا فَعَلَهُ ظَانًّا انْحِلَالَ الْيَمِينِ بِمَا فَعَلَهُ نَاسِيًا مَثَلًا، فَلَا يَحْنَثُ حَيْثُ اسْتَنَدَ لِنَحْوِ إفْتَاءٍ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلٍ لَهُ كَمَا فِي ق ل، فَإِنْ لَمْ يَسْتَنِدْ، بَلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute