التَّعْلِيقِ لَا يَقْتَضِي تَكْرَارًا، فَلَا يَقَعُ فِي التَّعْلِيقِ بِهِ طَلَاقٌ بَعْدَ وُقُوعِ الْأَوَّلِ
ثُمَّ الطَّلَاقُ يَنْقَسِمُ إلَى بِدْعِيٍّ وَسُنِّيٍّ وَلَا وَلَا، وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، فَقَالَ (وَإِنْ يُطَلِّقْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَا أَوْ) طَاهِرًا (فِي أَخِيرِ الطُّهْرِ) كَأَنْتِ طَالِقٌ مَعَ آخِرِ الطُّهْرِ أَوْ فِي آخِرِهِ، (لَا) حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ فِي أَخِيرِ (الْحَيْضِ) أَوْ النِّفَاسِ (أَسَا) أَيْ أَثِمَ بِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْله تَعَالَى {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] أَيْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَشْرَعْنَ فِيهِ فِي الْعِدَّةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَبَقِيَّتُهُمَا لَا تُحْسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ وَالْمَعْنَى فِيهِ تَضَرُّرُهَا بِطُولِ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ، بِخِلَافِ طَلَاقِهَا فِي آخِرِ حَيْضِهَا أَوْ نِفَاسِهَا لِاسْتِعْقَابِهَا الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ.
(كَذَلِكَ) يَحْرُمُ (الطَّلَاقُ فِي طُهْرٍ إذَا فِيهِ وَطِي أَوْ فِي مَحِيضٍ قَبْلَ ذَا) أَيْ إذَا وَطِئَ فِيهِ أَوْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ مَنْ قَدْ تَحْبَلُ، وَلَوْ فِي الدُّبُرِ عَلَى مَا مَرَّ (أَوْ مَاءَهُ اسْتَدْخَلَتِ الْعِرْسُ) أَيْ الزَّوْجَةُ بَدَلَ وَطْئِهِ (بِلَا ظُهُورِ حَمْلٍ) فِي حَالَتَيْ الْوَطْءِ وَالِاسْتِدْخَالِ فِي قِصَّةِ ابْنِ عُمَرَ الْآتِيَةِ، ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَنْدَمُ لَوْ ظَهَرَ حَمْلٌ وَيَتَعَذَّرُ التَّدَارُكُ فَيَتَضَرَّرُ هُوَ وَالْوَلَدُ، وَأَلْحَقُوا الْوَطْءَ فِي الْحَيْضِ بِالْوَطْءِ فِي الطُّهْرِ؛ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الْحَيْضِ لَا تَدُلُّ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَأَلْحَقُوا الِاسْتِدْخَالَ بِالْوَطْءِ لِاحْتِمَالِ الْحَمْلِ مِنْهُ، (لَا اخْتِلَاعٌ حَصَلَا مِنْ زَوْجَةٍ) ، وَلَوْ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يَحْرُمُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] وَلِأَنَّ افْتِدَاءَهَا يَقْتَضِي حَاجَتَهَا إلَى الْخَلَاصِ بِالْفِرَاقِ وَرِضَاهَا بِطُولِ التَّرَبُّصِ، وَأَخْذُهُ الْعِوَضَ يُبْعِدُ احْتِمَالَ النَّدَمِ بِخِلَافِ طَلَاقِهَا بِسُؤَالِهَا بِلَا عِوَضٍ وَبِخِلَافِ خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ، إذْ لَا يُعْلَمُ بِهِ حَاجَتُهَا إلَى الْخَلَاصِ، نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: خُلْعُهُ فِي الطُّهْرِ الْمَذْكُورِ جَائِزٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ أَخْذَهُ الْعِوَضَ يُبْعِدُ احْتِمَالَ النَّدَمِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَطْوِيلُ عِدَّةٍ عَلَيْهَا وَخَرَجَ بِالطَّلَاقِ الْفَسْخُ وَسَيَأْتِي عِتْقُ الْمُسْتَفْرَشَةِ، إذْ مَصْلَحَتُهُ أَعْظَمُ، وَيُسْتَثْنَى مَعَ مَا ذُكِرَ طَلَاقُهُ فِي حَيْضٍ وَاقِعٍ فِي عِدَّةِ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لِعَدَمِ التَّطْوِيلِ، وَطَلَاقُ الْقَاضِي عَلَى الْمَوْلَى، وَطَلَاقُ الْحَكَمَيْنِ فِي الشِّقَاقِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا، وَقَدْ طَلَبَتْهُ الزَّوْجَةُ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا رَاضِيَةً.
ــ
[حاشية العبادي]
حَتَّى أَيْ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الْحَيْضِ) أَخْرَجَ الْحَيْضَ الْكَامِلَ (قَوْلُهُ نَعَمْ خُلْعُهُ) أَيْ الْأَجْنَبِيِّ فِي الطُّهْرِ إلَخْ عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ عَقِبَ قَوْلِ الرَّوْضِ: وَلَوْ سَأَلَتْهُ بِلَا عِوَضٍ أَوْ اخْتَلَعَهَا أَجْنَبِيٌّ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ، حَرُمَ مَا نَصُّهُ: نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: خُلْعُهُ فِي الطُّهْرِ الْمَذْكُورِ جَائِزٌ إلَخْ.
(قَوْلُهُ إنْ أَخَذَهُ) أَيْ الزَّوْجُ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ التَّطْوِيلِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا تَبْنِي عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْنَافٍ بِرّ. (قَوْلُهُ وَطَلَاقُ الْقَاضِي عَلَى الْمُولِي) وَكَذَا طَلَاقُ الْمُولِي نَفْسَهُ قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَقَدْ يَجِبُ الطَّلَاقُ فِي الْإِيلَاءِ عَلَى الْمُولِي وَفِي الشِّقَاقِ عَلَى الْحَكَمَيْنِ إذَا أَمَرَ الْمُطَلِّقُ بِهِ، فَلَا بِدْعَةَ فِيهِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ مَعَ رِضَا الزَّوْجَةِ بِهِ، قَالَ فِي الْأَصْلِ فِي الْأُولَى: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: بِتَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَجَهَا بِالْإِيذَاءِ إلَى الطَّلَبِ، وَهُوَ غَيْرُ مُلْجَأٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَيْئَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ فِيهِمَا الْوُجُوبُ الْمُخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا إمَّا الطَّلَاقُ وَإِمَّا الْفَيْئَةُ، أَوْ الْوُجُوبُ الْعَيْنِيُّ يَحْمِلُ الطَّلَاقَ عَلَى مَا إذَا تَعَيَّنَ بِأَنْ قَامَ بِالزَّوْجِ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ كَإِحْرَامٍ اهـ.
(قَوْلُهُ وَطَلَاقُ الْحَكَمَيْنِ فِي الشِّقَاقِ) قَالَ فِي الرَّوْضِ:
ــ
[حاشية الشربيني]
فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ وَقَعَ عَلَى كُلٍّ طَلْقَةٌ، وَلَا حَاجَةَ لِلتَّعْيِينِ ثُمَّ رَأَيْت الشَّارِحَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَرَّقَ بَيْنَ إنْ وَأَيٍّ: بِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ أَطَأْ الْيَوْمَ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ إنَّمَا وَقَعَتْ بَعْدَ النَّفْيِ صُورَةً لَا مَعْنًى، إذْ الْمَعْنَى إنْ تَرَكْت وَطْءَ وَاحِدَةٍ، هَذَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ أَيًّا كَكُلَّمَا الزَّرْكَشِيُّ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْعُمُومَ فِي أَيٍّ بَدَلِيٌّ لَا شُمُولِيٌّ، فَمَفْهُومُ التَّعْلِيقِ بِأَيٍّ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا، بَلْ أَيُّ وَاحِدَةٍ تَلِدُ تَكْفِي فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَلَيْسَ عُمُومُهَا شُمُولِيًّا خِلَافًا ل سم عَلَى التُّحْفَةِ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ فِي أَيَّتُكُنَّ لَمْ أَطَأَهَا الْيَوْمَ لَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ الطَّلَاقُ يَنْقَسِمُ) خَرَجَ الْفَسْخُ وَعِتْقُ الْمُسْتَفْرَشَةِ فَلَا يُوصَفُ بِسُنَّةٍ وَلَا بِدْعَةٍ ق ل، وَسَيَأْتِي وَالسُّنِّيُّ هُوَ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ الضَّابِطُ الْآتِي، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا كَطَلَاقِ مُسْتَقِيمَةِ الْحَالِ أَوْ وَاجِبًا كَطَلَاقِ الْمُولِي. (قَوْلُهُ لَا حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ فِي أَخِيرِ الْحَيْضِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ آخِرِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ وَكَذَا لَوْ طَلَّقَ مَعَ آخِرِ الْحَيْضِ أَيْ: نُجِّزَ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ أَوْ تَمَّتْ صِيغَتُهُ فِي الطُّهْرِ، فَلَيْسَ بِدْعِيًّا لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِقْدَامُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالِانْقِطَاعِ حِينَئِذٍ، وَفِي عَكْسِ الثَّانِيَةِ بِدْعِيٌّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَعْقِبُ الشُّرُوعَ خِلَافًا لِلْخَطِيبِ اهـ. ع ش وَرَشِيدِيٌّ فَرَاجِعْهُمَا.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الْحَيْضِ إلَخْ) لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْبَقِيَّةِ مِمَّا دَفَعَتْهُ الطَّبِيعَةُ أَوْ لَا، كَذَا عَلَّلُوا، وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَطْءُ مَعَ أَوَّلِ الْحَيْضِ لَا حُرْمَةَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَحْرُمُ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ أَيْضًا وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْخَارِجَ يُعَدُّ دَلِيلٌ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَلَيْسَ مِمَّا دَفَعَتْهُ الطَّبِيعَةُ قَبْلُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مُقَارِنٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مُقَارَنَتُهُ لَهُ لَا تَمْنَعُ هَذَا الِاحْتِمَالَ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ حَصَلَا مِنْ زَوْجَةٍ) الْمَدَارُ عَلَى أَنْ تَأْذَنَ بِمَا لَهَا، وَإِنْ اخْتَلَعَ الْأَجْنَبِيُّ بِمَالِهِ أَفَادَهُ ع ش