للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ فِيهَا: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: بِحُرْمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَجَهَا بِالْإِيذَاءِ إلَى الطَّلَبِ، وَهُوَ غَيْرُ مُلْجَأٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَيْئَةِ، (فَذَاكَ) أَيْ الطَّلَاقُ فِي الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ (بِدْعِيٌّ حُظِرْ) أَيْ مُنِعَ، وَهَذَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ فِيمَا مَرَّ: أَسَا وَتَقَدَّمَ فِي الْقَسَمِ أَنَّهُ لَوْ قَسَمَ لِإِحْدَى زَوْجَتَيْهِ ثُمَّ طَلَّقَ الْأُخْرَى قَبْلَ أَنْ يُوفِيَهَا حَقَّهَا عَصَى، فَهُوَ بِدْعِيٌّ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ ثَمَّةَ، (لَكِنْ إلَى وَقْتِ وُقُوعِهِ) أَيْ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ (نُظِرْ) لَا إلَى وَقْتِ التَّعْلِيقِ، إذْ لَا ضَرَرَ حِينَئِذٍ وَلَا نَدَمَ، فَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي حَالِ السُّنَّةِ فَسُنِّيٌّ أَوْ فِي حَالِ الْبِدْعَةِ فَبِدْعِيٌّ، قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ يُسَمَّى بِدْعِيًّا وَيُرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبِدْعِيِّ، إلَّا أَنَّهُ لَا إثْمَ فِيهِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فِي كُلِّ الطُّرُقِ، وَمَا حُكِيَ عَنْ الْقَفَّالِ مِنْ كَوْنِ التَّعْلِيقِ بِدْعِيًّا لِاحْتِمَالِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ قَدْ أَطْنَبَ الْإِمَامُ فِي تَغْلِيظِهِ وَقَالَ: إنَّهُ فِي حُكْمِ الْهُجُومِ عَلَى مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُونَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ بِاخْتِيَارِهِ أَثِمَ بِإِيقَاعِهِ فِي الْحَيْضِ.

(وَتُنْدَبُ الرَّجْعَةُ) لِمَنْ طَلَّقَ بِدْعِيًّا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّ «ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لَيُطَلِّقهَا طَاهِرًا» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: (فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لَيُمْسِكهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ) وَيُقَاسُ بِمَا فِي الْخَبَرِ بَقِيَّةُ صُوَرِ الْبِدْعِيِّ وَإِنَّمَا لَوْ يُوجِبُوا الرَّجْعَةَ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى النِّكَاحِ، وَهُوَ لَا يَجِبُ قَالَ الْإِمَامُ وَمَعَ نَدْبِ الرَّجْعَةِ لَا نَقُولُ: إنَّ تَرْكَهَا مَكْرُوهٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَفِيهِ

ــ

[حاشية العبادي]

إذَا أَمَرَ الْمُطَلِّقُ بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الرَّافِعِيَّ إنَّمَا بَحَثَ هَذَا فِيمَا لَوْ طَلَّقَ الْمُولِي بِنَفْسِهِ، وَقَضِيَّةُ صَنِيعِ الشَّارِحِ أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ فِيمَا لَوْ طَلَّقَ الْقَاضِي وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنَّ امْتِنَاعَ الزَّوْجِ يَحْرُمُ وَيُسَنُّ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ كَانَ طَلَاقُ الْقَاضِي لَا بِدْعَةَ فِيهِ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَيُوَافِقُ قَوْلَهُ: إنَّ الرَّافِعِيَّ إنَّمَا بَحَثَ هَذَا إلَى آخِرِ مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَانْظُرْهُ مِنْ الْحَاشِيَةِ الْأُخْرَى. (وَقَوْلُهُ فَهُوَ بِدْعِيٌّ) كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ ثَمَّةَ، قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: هَذَا إذَا طَلَّقَهَا بِغَيْرِ سُؤَالِهَا، وَإِلَّا فَيُتَّجَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِبِدْعِيٍّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ عَلَى رَأْيِهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا بِسُؤَالِهَا مُسْقِطَةٌ لِحَقِّهَا مِنْ الْقَسَمِ، فَيَجُوزُ هُنَا قَطْعًا اهـ.

وَكَتَبَ أَيْضًا: وَتَجِبُ الرَّجْعَةُ، وَلَا يُقَالُ هُنَا: إنَّهَا مَنْدُوبَةٌ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا، وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ، وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى وَفَاءِ الْحَقِّ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى الرَّجْعَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُسْتَفَادٌ مِنْ بَحْثِ التَّوْبَةِ وَيُخَصَّصُ قَوْلُهُمْ هُنَا: إنَّ الْمُرَاجَعَةَ فِي الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ مَنْدُوبَةٌ بِغَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَلَا تَغْتَرَّ بِخِلَافِهِ سم.

(قَوْلُهُ وَتُنْدَبُ الرَّجْعَةُ) وَإِذَا رَاجَعَ ارْتَفَعَ الْإِثْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِحَقِّهَا؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ قَاطِعَةٌ لِلضَّرَرِ مِنْ أَصْلِهِ فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ التَّوْبَةِ تَرْفَعُ أَصْلَ الْمَعْصِيَةِ حَجَرٌ وَقَوْلُهُ الْمُتَعَلِّقُ بِحَقِّهَا أَفْهَمَ عَدَمَ ارْتِفَاعِ الْمُتَعَلِّقِ بِحَقِّ اللَّهِ فَيَحْتَاجُ لِلتَّوْبَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَنَظِيرُهُ الْقَتْلُ، فَإِنَّهُ بِالِاقْتِصَاصِ أَوْ أَخْذِ الدِّيَةِ يَسْقُطُ حَقُّ الْآدَمِيِّ دُونَ حَقِّ اللَّهِ، بَلْ يَحْتَاجُ إلَى التَّوْبَةِ. (قَوْلُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي كَرَاهَتُهُ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَيْ: صَاحِبَ الرَّوْضِ حَذَفَهُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَدْ صَرَّحَ فِيمَا قَالَهُ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا، وَالِاسْتِنَادُ إلَى الْخَبَرِ رُدَّ بِأَنَّهُ لَا نَهْيَ فِيهِ اهـ. وَقَدْ يُجَابُ: بِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا الْكَرَاهَةَ فِي مَوَاضِعَ بِتَأَكُّدِ الطَّلَبِ مَعَ انْتِفَاءِ النَّهْيِ كَمَا فِي إزَالَةِ الْخُلُوفِ وَتَرْكِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ.

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَيْئَةِ) أَيْ، وَلَوْ بِاللِّسَانِ إنْ امْتَنَعَ الْوَطْءُ سم عَلَى ع. (قَوْلُهُ فَذَاكَ بِدْعِيٌّ) مَدَارُ كَوْنِهِ سُنِّيًّا عَلَى وُجُودِ أَمْرَيْنِ: الشُّرُوعِ فِي الْعِدَّةِ عَقِبَ الطَّلَاقِ وَعَدَمِ النَّدَمِ، وَمَدَارُ كَوْنِهِ بِدْعِيًّا عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا تَأَخُّرُ الشُّرُوعِ فِي الْعِدَّةِ عَنْ الطَّلَاقِ أَوْ النَّدَمُ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ، وَإِنْ شَرَعَتْ فِي الْعِدَّةِ اهـ. عَوَضٌ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى دُخُولِ الَّذِي لَا وَلَا فِي السُّنِّيِّ (قَوْلُهُ لَا إلَى وَقْتِ التَّعْلِيقِ) ظَاهِرُهُ: وَلَوْ عُلِمَ وُقُوعُهَا أَيْ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا فِي وَقْتٍ، لَوْ طَلَّقَ فِيهِ كَانَ سُنِّيًّا أَوْ بِدْعِيًّا فَلَا يُقَالُ لَهُ حِينَ التَّعْلِيقِ: سُنِّيًّا وَلَا بِدْعِيًّا، وَإِنْ قِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ أَوْ فِي حَالِ الْبِدْعَةِ) أَيْ بِأَنْ وُجِدَتْ فِي حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ أَوْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ.

(قَوْلُهُ أَحْكَامُ الْبِدْعِيِّ) كَسَنِّ الرَّجْعَةِ (قَوْلُهُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ) أَيْ طُرُقِ نَقْلِ الْمَسَائِلِ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ لَهَا طَرِيقٌ أَوْ طُرُقٌ فِي النَّقْلِ. (قَوْلُهُ وَقَالَ: إنَّهُ فِي حُكْمِ الْهُجُومِ إلَخْ) هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ إنْ قُلْنَا: إنَّهُ بِدْعِيٌّ لَا إثْمَ فِيهِ، إذْ الظَّاهِرُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُونَ، إنَّمَا هُوَ الْبِدْعِيُّ الَّذِي فِيهِ إثْمٌ، وَهَذَا مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ لَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْحُكْمُ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ: إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا عَلَّقَ بِمَا يُوجَدُ زَمَنَ الْبِدْعَةِ قَطْعًا أَوْ وُجِدَ فِيهِ بِاخْتِيَارِهِ أَثِمَ، وَإِلَّا فَلَا حَجَرٌ وم ر خِلَافًا لِنَقْلِ ق ل عَنْ م ر خِلَافَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا ابْتِدَاءً بِحَيْثُ لَا اعْتِرَاضَ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْقَفَّالِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الِاحْتِمَالِ مَا يُصَرِّحُ بِهِ تَعْلِيلُهُ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَتُنْدَبُ الرَّجْعَةُ) أَيْ مَا بَقِيَ الْحَيْضُ الَّذِي طَلَّقَ فِيهِ أَوْ الطُّهْرُ الَّذِي طَلَّقَ فِيهِ وَالْحَيْضُ الَّذِي بَعْدَهُ، دُونَ مَا بَعْدَ ذَلِكَ لِانْتِقَالِهَا إلَى حَالَةٍ يَحِلُّ فِيهَا طَلَاقُهَا اهـ. م ر وَخَطّ عَلَى الْمِنْهَاجِ وَبِهَا يَرْتَفِعُ الْإِثْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِحَقِّهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِيهَا لِحُصُولِهَا بِمُسَامَحَتِهَا اهـ. ق ل وَهُوَ يُفِيدُ الْوُجُوبَ إذَا لَمْ تُسَامِحْ فَلْيُرَاجَعْ. وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ لِجَوَازِ أَنْ تُسَامِحَهُ مِنْ حَقِّهَا اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ حِلَّ تَرْكِ الرَّجْعَةِ مِنْ انْتِظَارِ الْمُسَامَحَةِ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَتُنْدَبُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ فَهَلَّا وَجَبَتْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَنْزَلَهَا عَنْ مَرْتَبَةِ الْوُجُوبِ انْتِهَاءُ الْإِثْمِ بِانْتِهَاءِ زَمَنِ الْبِدْعَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. شَيْخُنَا ذ. (قَوْلُهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إلَخْ) وَاسْتِفَادَةُ النَّدْبِ مِنْهُ بِالْقَرِينَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ أَمْرًا بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>