اجْتَمَعَا غَلَبَ جَانِبُ الْمُقَرِّرِ لِلنِّكَاحِ وَقَدْ شُبِّهَتْ الْمَسْأَلَةُ بِمَا لَوْ قَالَ الْعَبْدُ لِزَوْجَتِهِ إذَا مَاتَ سَيِّدِي فَأَنْت طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ وَقَالَ سَيِّدُهُ: إذَا مِتّ فَأَنْت حُرٌّ فَمَاتَ سَيِّدُهُ لَا يَحْتَاجُ نِكَاحُهَا إلَى مُحَلِّلٍ لِمُقَارَنَةِ الطَّلْقَتَيْنِ الْعِتْقَ
(وَ) كَقَوْلِهِ لِأَرْبَعٍ وَاَللَّهِ (لَا وَطِئْتُ كُلَّ وَاحِدَهْ) مِنْكُنَّ فَمُولٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُنَّ لِحُصُولِ الْحِنْثِ بِوَطْءِ كُلِّ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ مَعْنَاهُ عُمُومُ السَّلْبِ لِوَطْئِهِنَّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا أَطَؤُكُنَّ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّ مَعْنَاهُ سَلْبُ الْعُمُومِ أَيْ: لَا يَعُمُّ وَطْئِي لَكِنْ وَهَلْ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِوَطْءِ وَاحِدَةٍ حَتَّى يَرْتَفِعَ الْإِيلَاءُ عَنْ الْبَاقِيَاتِ كَمَا لَوْ قَالَ لَا أُجَامِعُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ أَوَّلًا لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ تَخْصِيصَ كُلٍّ مِنْهُنَّ بِالْإِيلَاءِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ الْأَوَّلُ نَقَلَهُ عَنْهُمْ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ بَحَثَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ تَخْصِيصَ كُلٍّ بِالْإِيلَاءِ فَالْوَجْهُ عَدَمُ الِانْحِلَالِ وَإِلَّا فَلْيَكُنْ كَقَوْلِهِ لَا أُجَامِعُكُنَّ، فَلَا حِنْثَ إلَّا بِوَطْءِ جَمِيعِهِنَّ وَيُؤَيِّدُ مَا بَحَثَهُ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ إنَّ الْمُسَوَّرَ بِكُلٍّ إذَا أُخِّرَ عَنْ النَّفْيِ يُفِيدُ سَلْبَ الْعُمُومِ لَا عُمُومَ السَّلْبِ وَبِهِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ لَا أَطَأُ كُلَّ وَاحِدَةٍ وَلَا أَطَأُ وَاحِدَةً حَيْثُ لَا إرَادَةَ فَتَسْوِيَةُ الْأَصْحَابِ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ فِي الْحُكْمِ بَعِيدَةٌ وَأَبْعَدُ مِنْهَا قَطْعُهُمْ بِهِ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ الْآتِي بَيَانُهَا هَذَا وَلَكِنْ يُجَابُ بِأَنَّ مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَكْثَرِيٌّ لَا كُلِّيٌّ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: ١٨]
ــ
[حاشية العبادي]
الرَّجْعَةِ قَدْرَ زَمَنِ النَّزْعِ، أَوْ أَقَلَّ دُونَ مَا إذَا كَانَ أَكْثَرَ فَتَأَمَّلْهُ سم (قَوْلُهُ: أَوْ الرَّجْعَةُ) هَلْ التَّجْدِيدُ فِي الْبَائِنِ بِدُونِ ثَلَاثٍ كَالرَّجْعَةِ
(قَوْلُهُ: لِتَضَمُّنِ. . إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: هَذَا التَّضَمُّنُ حَاصِلٌ أَيْضًا فِي لَا أُجَامِعُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ عُمُومِ السَّلْبِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ تَضَمُّنُ التَّخْصِيصِ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ.
(قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُ مَا بَحَثَهُ. . إلَخْ) يَحْتَمِلُ أَنَّ التَّأْيِيدَ لِلشِّقِّ الثَّانِي مِنْ بَحْثِهِ إذْ الْأَوَّلُ مِنْهُ إنَّمَا يُنَاسِبُهُ عُمُومُ السَّلْبِ لَا سَلْبُ الْعُمُومِ وَأَيْضًا فَهُوَ مُمْكِنٌ، وَلَوْ بِتَجَوُّزٍ (قَوْلُهُ فَتَسْوِيَةُ الْأَصْحَابِ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ فِي الْحُكْمِ بَعِيدَةٌ) وَأَبْعَدُ مِنْهَا قَطْعُهُمْ بِهِ أَيْ بِعُمُومِ السَّلْبِ فِي الْأُولَى وَهِيَ لَا أَطَأُ كُلَّ وَاحِدَةٍ دُونَ الثَّانِيَةِ وَهِيَ لَا أَطَؤُكُنَّ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَلْيُتَأَمَّلْ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَأَقُولُ الْوَجْهُ بِخِلَافِ مَا ظَهَرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يُسَوُّوا بَيْنَ لَا أَطَأُ كُلَّ وَاحِدَةٍ وَلَا أَطَؤُكُنَّ فِي الْحُكْمِ فَضْلًا عَنْ قَطْعِهِمْ بِهِ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ كَيْفَ وَالْأُولَى عِنْدَهُمْ لِعُمُومِ السَّلْبِ وَالثَّانِيَةُ لِسَلْبِ الْعُمُومِ وَكَيْفَ وَالْإِيلَاءُ فِي الْأُولَى حَاصِلٌ فِي الْحَالِ، وَفِي الثَّانِيَةِ إنَّمَا يَحْصُلُ بَعْدَ وَطْءِ ثَلَاثٍ وَهَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالثَّانِيَةِ لَا لَا أَطَؤُكُنَّ بَلْ لَا أَطَأُ وَاحِدَةً فَإِنَّ الْأَصْحَابَ سَوَّوْا بَيْنَ لَا أَطَأُ كُلَّ وَاحِدَةٍ وَلَا أَطَأُ وَاحِدَةً فِي أَنَّ كُلًّا لِعُمُومِ السَّلْبِ وَوَجْهُ الْبُعْدِ حِينَئِذٍ أَنَّ النَّفْيَ فِي الْأُولَى دَاخِلٌ عَلَى سُوَرِ الْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ فَيُفِيدُ سَلْبَ الْعُمُومِ لَا عُمُومَ السَّلْبِ الَّذِي قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَلَا أَطَأُ وَاحِدَةً مِنْ عُمُومِ السَّلْبِ لِوُجُودِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، وَذَلِكَ مِنْ سُوَرِ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ.
وَقَوْلُهُ وَأَبْعَدُ مِنْهَا. . إلَخْ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَطَعُوا فِي الْأُولَى بِعُمُومِ السَّلْبِ وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّانِيَةِ كَمَا يُعْلَمْ مِنْ الرَّوْضَةِ قَالَ فِيهَا: فَرْعٌ: قَالَ لِلنِّسْوَةِ الْأَرْبَعِ وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ قَالَ الْأَصْحَابُ يَكُونُ مُولِيًا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ ثُمَّ قَالَ: فَرْعٌ: لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ إلَى أَنْ قَالَ الْحَالُ الثَّالِثُ أَنْ يُطْلِقُ اللَّفْظَ، فَلَا يَنْوِي تَعْمِيمًا وَلَا تَخْصِيصًا فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى التَّعْمِيمِ أَمْ عَلَى التَّخْصِيصِ لِوَاحِدَةٍ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ. اهـ. وَهَذَا الْحَالُ هُوَ مُرَادُ الشَّارِحِ بِالثَّانِيَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ حَيْثُ لَا إرَادَةَ فَتَدَبَّرْ سم (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ يُجَابُ. . إلَخْ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ قَدْ لَزِمَ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّهُمْ قَدْ حَمَلُوا هَذِهِ الصِّيغَةَ عَلَى خِلَافِ الْأَكْثَرِ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا مَعَ أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْأَكْثَرِ أَرْجَحُ، بَلْ وَاجِبٌ إلَّا لِمُقْتَضٍ فَلِمَ فَعَلُوا ذَلِكَ سم
[حاشية الشربيني]
وَهَلْ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ. . إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ بِقَوْلِهِ لَا أَطَأُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ مُولٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ فَإِذَا وَطِئَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ حَنِثَ وَزَالَ الْإِيلَاءُ فِي حَقِّ الْبَاقِيَاتِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ الْإِمَامُ لَا يَزُولُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْحُكْمِ بِتَخْصِيصِ كُلٍّ بِالْإِيلَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَعْنَى وَنَقَلَهُ م ر وَقَالَ الْمُعْتَمَدُ مَا نُقِلَ عَنْ تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ يُوَجَّهُ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا حَكَمُوا بِإِيلَائِهِ مِنْ كُلِّهِنَّ ابْتِدَاءً فَقَطْ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِيهِ، سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّ عُمُومَهُ بَدَلِيٌّ أَوْ شُمُولِيٌّ.
وَأَمَّا إذَا وَطِئَ إحْدَاهُنَّ، فَلَا يُحْكَمُ بِالْعُمُومِ الشُّمُولِيِّ حِينَئِذٍ حَتَّى تَتَعَدَّدَ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ يُعَارِضُهُ أَصْلُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْهَا بِوَطْءٍ مِنْ بَعْدِ الْأُولَى وَيُسَاعِدُ هَذَا الْأَصْلَ تَرَدُّدُ اللَّفْظِ بَيْنَ الْعُمُومِ الْبَدَلِيِّ وَالشُّمُولِيِّ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي الشُّمُولِيِّ فَلَمْ تَجِبْ كَفَّارَةٌ أُخْرَى بِالشَّكِّ وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِهَا ارْتِفَاعُ الْإِيلَاءِ وَلَا نَظَرَ لِلَّفْظِ كُلٍّ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حُكْمٌ رَتَّبَهُ الشَّارِعُ فَلَمْ يَتَعَدَّدْ إلَّا بِمَا يَقْتَضِي تَعَدُّدَ الْحِنْثِ نَصًّا وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا. اهـ. وَسَبَقَهُ بِهَذَا التَّوْجِيهِ حَجَرٌ وَاعْتَرَضَهُ سم بِأَنَّ فِي التَّرْدِيدِ بَيْنَ الْعُمُومِ الْبَدَلِيِّ وَالشُّمُولِيِّ مَعَ كَوْنِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِلْعُمُومِ الشُّمُولِيِّ نَظَرًا. اهـ. وَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ مَا قَالَهُ حَجَرٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ مِنْ أَنَّهُمْ رَاعُوا الْمُتَبَادَرَ مِنْ الصِّيغَةِ هَاهُنَا وَلَمْ يَنْظُرُوا لِمَا حَقَّقَهُ عُلَمَاءُ الْمِيزَانِ فِي تَأَخُّرِ كُلٍّ عَنْ النَّفْيِ وَتَقَدُّمِهَا عَلَيْهِ وَلَمَّا حَنِثَ بِوَطْءِ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ انْحَلَّ الْإِيلَاءُ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَسَوَاءٌ أَرَادَ الِامْتِنَاعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ أَوْ أَطْلَقَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ فِي لَا أُجَامِعُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ فَتَدَبَّرْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute